صفحة الكاتب : د . عبد الحسين العطواني

التظاهرات العراقية .. ومحاولة الالتفاف على شرعيتها
د . عبد الحسين العطواني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لاشك ان اغلب القيادات والرموز السياسية التي أسهمت بالتغيير بعد 2003 في العراق جاءت بها الدول الاستعمارية واستمرت دائرة في فلك الدول التي نصبتها حارسة لمصالحها الإستراتيجية في العراق , ولو لم تجد تلك الدول خيرا في التعامل مع هذه القيادات والرموز منذ اليوم الأول لتنصيبها , لعملت على استبدالها على الفور , كما وقع من قبل ما سمي بالحركات الانقلابية .
ولكن الأصنام المعنوية من أصحاب السلطة السياسية ظلوا دائما هم الطرف الأكثر جبروتا وبطشا وتأثيرا , وظهرت منهم نماذج اعتبروا أنفسهم جديري بالحكم وبطاعة الناس العمياء لأوامرهم ونواهيهم وتعاليمهم وأفكارهم وأهوائهم وأمزجتهم , إلى المدى الذي كان يجعلهم يستسفهون عقول أتباعهم ويستتفهون إفهامهم وبصائرهم وذكاءهم .
لذلك أصبح الحاكم العراقي مزدوج المعايير , فالعقلانية والواقعية والإنصاف والأخلاقيات أدوات يتعامل بها في مواقف النزاع والخلاف حين تكون إطرافه من الأصدقاء , إما حين يكون طرف الخلاف الشعب , فعندها يمارس الخداع السياسي والضحك على الذقون .
ولايخفى على المتتبع للإحداث السياسية فانه ظلت الطواغيت المزيفة بكل أشكالها من الأصنام والشخوص والتيارات الفكرية في كل الأزمنة تطوق نفسها بتلك الهالة الخادعة , لتتوارى وراءها وتمارس مع شعبها الابتزاز لابقاءه طائعا ومرتبطا ودائرا في تلك المنظومة الخداعية
المستبدة .
أما الآن فنحن أمام مشهد سياسي تأريخي جديد فيه تغيير في صورة الخارطة السياسية التاريخية العراقية , هي إضافة حراك شعبي ووطني ما يعني ان العراق يشهد صوغ علاقة جديدة لتاريخه السياسي , ما نستطيع ان نقوله بوضوح ان التظاهرات أفرجت عن الحضور التاريخي من قبضة سجن السياسي الاستبدادي , وبالنتيجة فان التظاهرات الشعبية الحالية ضربت بهذه الدرجة البنية السياسية في أكثر من موضع وزعزعت قيمها في إسقاط ثقافة الوعود الكذابة .
ومع ان النظام السياسي الجديد في العراق بذل كل جهوده لإبعاد شعبه عن العوامل الطبيعية المحفزة للتظاهرات , باساليب الإفقار وإلا مراض والتجهيل والإلغاء , إلا ان هذه الوصفة وهذه اللعبة لم تنجح في منع الجماهير من الخروج الباسل على تلك السياسات , وبهذا فان الجماهير انتفضت لأسبابها الخاصة , وصنعت حراكها لدوافعها الخاصة , وليس للأسباب التي يحاول المحللون المتحذلقون والمتفائلون إلباسها إليه . .
أما عدم مؤازرة اغلب القوى السياسية للتظاهرات والالتفاف على شرعيتها , فهناك الكثير من علامات الاستفهام , تكمن أهمها في كونها تتعارض مع مصالحها الحزبية التي قد تفقدها مناصبها المتجذرة في الفساد المالي والإداري , وفي تنفيذ أجندتها الخفية لمخادعة الجماهير لتنام في عسل الخدمات الموعودة , معززة بأساليب التخويف والقوة سببت في قتل وجرح بعض المتظاهرين الأبرياء , كعامل ردع لتظل الأمور على شاكلتها , وأما لماذا جر ت الامور على هذه الوتيرة فلأن الشعب بدأ ينتبه بعد مضئ عقد ونصف العقد من الزمن على النظام الجديد , وان ما أنجزه نظامه السلطوي لم تتجاوز الهدم والتكسيح والقتل, وان الهروب من واقعها إلى حالة التنويم التاريخي وممارسة الحلول المؤقتة وليس إرهاصا لتغيير حقيقي .
عند هذا المفترق , هل يمكننا حقا ان نصف مايجري أمامنا اليوم على انه حراك سياسي , أم انه توجه لاستبدال وجوه بوجوه , كما كانت التظاهرات التي سبقتها أعمال صيانة سياسية لتغيير الوجوه الحزبية بأخرى حزبية , وإما لأنها تمالأت وذلت حتى استهلكت كل أوراقها فأصبح تغيير الوجوه وتغيير طرائق تسويق الألاعيب السياسية ضروريا في المرحلة جديدة من برنامج أو من أجندة طويلة وباهظة التكاليف , والآن الصفوف المتلاحمة تعطي المجتمع قوة أضافية واثقة على المواجهة والتحدي ورفض الاملاءات , بل وإملاء الشروط وقد تكون بعض الفواتير الابتزازية المقدمة للسداد الفوري من ضمن الاملاءات المرفوضة .
ان التظاهرات هي ليس حالة عابرة أو هي محاولة مراوغة للالتفاف على أسئلة الواقع الحية , بل هي إجابة شعبية واقعية على فشل السياسات الاقتصادية والاجتماعية وعلى الانسداد السياسي , وعلى سقوط المعالجات الآنية للنظام في حل مشكلات البلاد , ومن هنا كانت التظاهرات هي نهضة تاريخية لإعادة الشعب إلى قلب التاريخ والى قمة الحضور التاريخي في خصوصيته العراقية الثورية الديمقراطية , وأنها تظاهرات شعبية جديدة في شكلها ومضمونها , تظاهرات سياسية واجتماعية وطنية ديمقراطية من طراز جديد , تظاهرات لم تكن خلفها إيديولوجية مسبقة , ولا حزب قائد , ولا زعيم أوحد , زعيمها هو الشعب كله , هي إضافة نوعية تاريخية لمعنى الاحتجاج , ومن هنا تأتي أهميتها وقيمتها السياسية الوطنية والقومية والإنسانية .
حيث بدأنا نشهد في واقع الممارسة فجوة بين الجماهير والحكومة بإصرار المتظاهرين على تصعيد المطالبات السلمية والقضاء على مؤسسات الفساد , وقد لا نستغرب إذا ما رأينا عما قريب تمردات قواعد الأحزاب السياسية وكوادرها ضد قياداتها العليا التي شاخت وهرمت لكونها لم تعد قادرة على الاستجابة الحية لتحديات الواقع والمرحلة إذا ما استمرت التظاهرات والاحتجاج المدني السلمي في اغلب المحافظات لصوغ مشروع سياسي وطني تاريخي جديد بما يحقق فاعلية منتجة ومتجهة نحو المستقبل , في علاقة يجب ان تكون حاضرة لبناء عراق جديد دولة مدنية عصرية حديثة بعيدا عن ثقافة الصراع المذهبي والطائفي .
لذلك يتطلب تحقيق زيادة كبيرة في التدفقات الاستثمارية الخارجية الخاصة إلى العراق , مع إحداث تحولات أساسية في إدارة الحكم باعتبارها خطوة أساسية للتغلب على العقبات الاقتصادية والاجتماعية فهي أدوات لتعزيز مناخ الاستثمار , والتسريع في عملية النمو الاقتصادي , كما يتطلب أعداد خطة تنمية عراقية متضمنة لأجندة وطنية للإصلاحات والبرنامج المالي متوسط وطويل الأجل على ان تتضمن الخطة تحقيق الاستدامة المالية وتحقيق الوظائف الاقتصادية والاجتماعية للخطة والموازنة العامة كدولة , وإعادة هيكلية الموازنة بغية تعزيز النمو وحماية الفقراء وعامة الشعب .
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . عبد الحسين العطواني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/08/15



كتابة تعليق لموضوع : التظاهرات العراقية .. ومحاولة الالتفاف على شرعيتها
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net