صفحة الكاتب : د . اسعد كاظم شبيب

قضايا حقوق الانسان والخلاف الكندي ــ السعودي
د . اسعد كاظم شبيب

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

على خلفية تنديد رئيس الدبلوماسية الكندية باستمرار انتهاك السلطات السعودية لحقوق الانسان في المملكة، سارعت الحكومة السعودية بأجراء دبلوماسي سريع تمثل بطرد السفير الكندي من السعودية، وطرد السفراء مسالة دارجة في علم العلاقات بين الدول، ولكن الاهم في تداعيات الخلاف تمهيد الرياض لقطع كامل العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع اوتاوا، والسبب المعلن في قطع العلاقة التجارية مع كندا وفق الحكومة السعودية ان كندا تدخلت في شأن سيادي داخلي من خلال تصريح وزيرة الخارجية الكندية وتأييد مباشر لها من السفير الكندي في السعودية الذي جاء عبر تغريده له على تويتر:"تشعر كندا بقلق بالغ إزاء الاعتقالات الإضافية لنشطاء المجتمع المدني ونشطاء حقوق المرأة في السعودية، بما في ذلك سمر بدوي" وطالبت السفارة بالإفراج عنهم فوراً، وعن جميع النشطاء السلميين الآخرين في مجال حقوق الإنسان.
ومجمل التصريح من الناجية الشكلية هو تصريح عادي لا سيما فيما يخص مسالة انتهاكات حقوق الانسان في ذات السجل التعسفي، رغم ثبات اوتاوا عليه وتأييده من اغلب دول الاتحاد الاوربي كما ان هذا التصريح يأتي بعد ايام من صدور التقرير الامريكي المختص بحقوق الانسان في العالم والذي اشار فيه الى استمرار السعودية بالتضيق على الحريات السياسية والدينية، وكأنما أرادت وزيرة الخارجية الكندية ان تسند تصريحها بهذا التقرير، الامر الثاني ان التصريح جاء بصورة مباشرة بعد اعتقال السعودية سمر محمد بدوي شقيقة الناشط رائف محمد بدوي، ضمن حملة الاعتقالات العلنية والسرية تحت عناوين مختلفة منها محاربة الغزو الفكري في اشارة الى ناشطي التيار الليبرالي او اعضاء من تيارات اسلامية بمختلف توجهاتها(الاخوانية والجهادية) وناشطين ورجال دين من الشيعة، وكذلك طالت الاعتقالات عدد من اقطاب من العائلة الحاكمة ظاهرها محاربة الفساد وباطنها يتعلق بالصراع على السلطة وابعاد خصوم ولي العهد محمد بن سلمان من العائلة الحاكمة.
الاجراء السعودي بقطع العلاقة الدبلوماسية والتجارية مع كندا والذي سرعان ما حظي بتأييد من بلدان عربية حليفه للسعودية كالبحرين والامارات والسلطة الفلسطينية وبعض دول مجلس الجامعة العربية دون النظر الى الخلفيات الحقيقية لهذا الخلاف، نرى هناك دوافع تكمن خلفه مما هو ابعد من تصريح وزير او سفير هناك تحفظ سعودي اتجاه كندا سبقت هذا الاجراء بفترة، حيث ان السعودية ترى ان كندا تودي دورا كبيرا في احتضان المعارضين والناشطين السعوديين منذ فترة ومنهم عائلة المعتقل رائف محمد بدوي وهو كاتب وناشط في مجال حقوق الإنسان ومؤسس موقع "الليبراليون السعوديون" الإلكتروني سنة 2006، فحسب موقع ويكبيديا ان بدوي اشتُهِر بدعوته لإلغاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وطالب بمحاكمة رئيسها إبراهيم الغيث في محكمة العدل الدولية وذلك في حديث خاص معه على قناة السي إن إن الأمريكية أواخر عام 2008، وتم إعتقال بدوي سنة 2012 بتُهمة الإساءة للدين الإسلامي من خلال الإنترنت، واتُهم بعدة قضايا من بينها الردة. حُكم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات، والجلد 600 جلدة، وإغلاق موقع الشبكة الليبرالية السعودية الحرة، وذلك في 29 يوليو 2013 على خلفية هجومه على الهيئة والمؤسسة الدينية السلفية في السعودية. وفي 7 مايو 2014 تم تعديل الحكم إلى الجلّد 1000 جلدة، والسَجن لمدة 10 سنوات، بالإضافة لغرامة مالية قدرها مليون ريال سعودي. وبدأ تنفيذ حُكم الجلّد إبتداءً من 9 يناير 2015 أسبوعياً لمدة 20 أسبوع، اعتبرته منظمة العفو الدولية سجين رأي "احتُجز لا لشيء سوى لممارسته لحقه في حرية التعبير عن الرأي بشكل سلمي". وبالإضافة الى اعتقال رائف بدوي هناك عدد كبير من المعتقلين بعضهم من رجال دين ذو اتجاهات دينية مختلفة كالشيخ حسن فرحان المالكي ممثل المدرسة الدينية الاصلاحية وعائض القرني، وسلمان العودة ممثلي عن السلفية الحركية في السعودية، وهناك ناشطين شيعة بالسجون كالشاب القاصر محمد النمر ابن شقيق الشيخ نمر باقر النمر الذي نفذت به السلطات السعودية حكما بالإعدام قبل عامين.
ويبدو ان الادوار التي يقوم بها عوائل واصدقاء والمتعاطفين مع معتقلي الراي في السعودية من خلال مقر لجوئهم في كندا في التواصل مع منظمات انسانية دولية كالأمم المتحدة واخرى في بلدان غربية مختلفة، يشكل هاجسا بالنسبة لسلطات السعودية، فاصبح هذا الملف يزعج الرياض امام الراي العام العالمي بصورة كبيرة لذا اوجدت السعودية في تصريح وزيرة الخارجية الكندية فرصة لإيصال رسالة قوية الى الدول الغربية ومنها كندا مفاد هذه الرسالة اما السكوت امام الاجراءات السعودية في الاعتقالات او أيقاف العمل بالمجالات الاقتصادية والتجارية مع كندا والدول الغربية المشابهة لها، واذا غابت مصالح المواطنين السعوديين من قبل النظام فالحسابات السياسية حاضرة في تعامل السعودية مع هذه الدول من باب انها دول لا تشكل أهميه تذكر في مجلس الامن كالدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الامريكية التي عادة ما تسجل ملاحظات حقوقية على مسائل حقوق الانسان في السعودية ودول اخرى حتى ما بعد الخلاف السعودي الكندي حيث قال مسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية: إن الولايات المتحدة طلبت من الحكومة السعودية المزيد من المعلومات بشأن احتجاز النشطاء، وحثتها على احترام الإجراءات القانونية، لكنها حليف سياسي واقتصادي بالنسبة للسعودية لذا لا تقدم السعودية على أي اعتراض دبلوماسي فج مع الولايات المتحدة، وبالتالي كندا لا تشكل اهمية في اتخاذ القرارات الاممية العالمية بالنسبة لمصالح السعودية، كما ان السعودية تريد ان تذكر هذه الدول بانها دولة لديها مشاريع تجارية واستثمارية كما يشكل الطلبة المبتعثين والذين يقدر عددهم بـ15000طالب يدرس في كندا اهمية كبيرة بالنسبة للاقتصاد الكندي، بأمكان كل هذه العوامل الاقتصادية ان تشكل نقطة ضغط من قبل السعودية على كندا، في انهاء التحريض والنقد الموجه للسعودية في مسائل حقوق الانسان. في حين اخرجت تيارات وشخصيات سعودية متطرفة مسالة الخلاف السعودي الكندي عن سياقه السياسي والحقوقي فضلا عن الدبلوماسية وصيروه باتجاهات اخرى من قبيل القول بالتصادم الحضاري والديني مرجعين ذلك الى ان كندا تسعى الى محاربة الاسلام وتغض النظر عن التصرفات المتطرفة التي قام بها كنديون كمقتل ستة اشخاص من خلفيات مسلمة على يد متطرف كندي، ومسالة مراقبة ائمة مساجد لأسباب تتعلق بالإرهاب، ونشر التطرف الديني.
عموما لا اتصور ان هذه الزوبعة التي اثرتها السلطات السعودية وبعد ذلك جدل المعلقين ممن ينتمون الى مؤسسات دينية وأكاديمية مختلفة حول موقف الدبلوماسية الكندية من مسائل حقوق الانسان في السعودية تنسجم وفتح صفحة جديدة مغايرة بقيادة الامير محمد بن سلمان لتلك التي تعارفت عليها السعودية في الحقب الماضية القائمة على الانغلاق الفكري وتشجيع التطرف بعناوين دينية وفقهيه، اذ محمد بن سلمان مع الخطوات التي اتخذها في المجال الاجتماعي كالسماح للمرأة بقيادة السيارة، وفتح دور للسينما، يحاول من خلال ذلك ان يطرح نفسه خصوصا للجانب الامريكي على انه رجل غير تقليدي، ويريد تطبيق مشروع اقتصادي، واجتماعي نهضوي، يبني الدولة، ويحارب التطرف السائد هناك من خلال رويته الممتدة منذ عامين ولغاية2030، اما بعد كشف السلطات السعودية جراءتها بحق منتقديها في مجال حقوق الانسان فهي لا تسمح بالمعارضة الفكرية والسياسية العقلانية شانها شان أي دولة شمولية، وتزيد بذلك من قتامتها وتناقضاتها في معالجة مشاكلها الداخلية وما يسبب لها من ذلك المزيد من الانتقادات الخارجية خصوصا وهي تخوض حرب في اليمن تنتهك فيها القانون الدولي عبر قصفها للمدارس والمستشفيات والاحياء السكنية ويذهب ضحية ذلك اطفال ونساء وشيوخ عزل.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . اسعد كاظم شبيب
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/08/15



كتابة تعليق لموضوع : قضايا حقوق الانسان والخلاف الكندي ــ السعودي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net