صفحة الكاتب : د . اسعد كاظم شبيب

مدينة البصرة:الثروة النفطية وبؤس الواقع
د . اسعد كاظم شبيب

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

زرت مدينة البصرة قبل أيام قليلة وكانت توحي باندلاع احتجاجات شعبية فيها كتعبير عن السخط الذي يعاني منه أهالي المدينة من غياب الخدمات الأساسية، وانتشار البطالة، من ضمن زياراتي المعتادة لها في كل عام مرة على الأقل، تجولت في عدد من أحياءها وأسواقها غير أن الزائر للوهلة الأولى لهذه المدينة ينبهر منذ وصوله لحدودها الجنوبية في منطقة الرميلة وصولاً إلى شمالها في قضاء المدينة حيث(حقل غرب القرنة) احد اكبر الحقول النفطية في العالم بكثرة أعمدة اللهب المتصاعد من جراء حرق الغاز أثناء عملية استخراج النفط الخام من أراضيها وبرغم من زيادة عمليات استخراج النفط بعد سقوط الدولة المستبدة بحكم إنهاء العقوبات الاقتصادية المفروضة على العراق إلا إن ذلك لم ينعكس على حال مدينة البصرة، إذ في كل مرة ازور بها هذه المدينة لم أرى تغييراً ملموساً على المستوى البنية التحتية والمرافق الحيوية لأحياء ومناطق المدينة من غياب المجاري وصرف الصحي وبروز بدلاً عن ذلك المجاري البدائية الغير الصحية والغير الحضارية، كما أنها لا تزال تنعدم فيها المياه الصالحة للشرب بل حتى للاستخدامات الحياتية اليومية وزاد في ذلك شحه المياه وغلق مياه الروافد القادمة من إيران بحيث تكاد تصل نسبة الملوحة في المياه الواصلة إلى بيوت الناس في مدينة البصرة إلى ما نسبته90%، كما إن الحياة الزراعية معطلة بالكامل وفي ظل الفوضى السكنية وغياب الاستراتيجيات الحكومة للجانب السكني والزراعي تحولت الكثير من الأراضي الزراعية المهمة التي كانت تصدر المنتجات الزراعية من قبيل محصول التمر إلى الدول المجاورة صارت هذه الأراضي ما يشبه العشوائيات السكنية، إلى جانب ما تعانيه المدينة من فوضى الأحزاب والمجموعات المسلحة والتداخل ألمخابراتي مابين الدول المجاورة وحتى بعض الدول الكبرى، لأهمية هذه المدينة الجغرافية والنفطية لهذه الدولة وتلك، وتتصاعد أيضا النعرات العشائرية على ابسط المسائل وفرض سطوتها على الحياة الاجتماعية، والقانونية.
ولم يسلم واقع البصرة الحالي من العبثية المسؤولة وغير المسؤولة صيانة وإيجاد شبكات الكهرباء وبالرغم من التحسن الجزئي بمستوى توفير الكهرباء منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية صيف عام 2017 والتي أدت إلى سقوط ضحايا كالعادة عند المعالجات الحكومية البائسة لحل مشاكل المجتمع البصري خاصة والمجتمع العراقي بصورة عامة عاد انقطاع الكهرباء هذه الأيام مع ارتفاع درجات حرارة صيف 2018بصورة متذبذبة وشبه مستمرة في الليل والنهار في ظل ارتفاع درجات الحرارة إلى ما فوق 60درجة مئوية، وكأن الناس باتوا يترحمون على المحافظ السابق رغم فساده الظاهر والباطن بالقياس مع وقوف محافظ المدينة الحالي متفرجا على حال مدينته واحتياجات سكانها من الماء والكهرباء وغير ذلك من انتشار البطالة وسيطرة العمالة الخارجية على مصادر العمل في المحافظة في حين إن أبناءها لا يجدون فرصة عمل تسد رمق الحياة اليومي وتنسجم مع أهمية هذه المدينة كمصدر دخل مالي كبير بالنسبة للعراق. بؤس الواقع هذا الذي تعيشه البصرة من الممكن تغييره إلى واقع نامي لكن يتوقف على وجود قيادة استثنائية قوية وأمينه إذا ما قامت هذه القيادة بعمل تنموي وخداماتي للنهوض بواقع المدينة ولعل في مقدمة المشاريع التنموية والتحتية بل وحتى الإدارية التي تنتظرها مدينة البصرة، تكون على النحو الآتي: 
1. بدءاً يفترض تحديد ماهية إيرادات المحافظة وأوجه صرفها حيث هناك المواني التي تدخل عن طريقها مئات البضائع إلى العراق يومياً وهناك مليارات الضرائب شهريا التي تجبى للحكومة الاتحادية والتي تذهب بعضا منها للأحزاب المسيطرة على هذه المواني مثلما يشير أهالي مدينة البصرة، إلى جانب تفعيل مشروع البترو دولار من عمليات تصدير النفط الخام من محافظة البصرة للقيام بأعمال تنموية وخدمية من الممكن إن تنهض بواقع المدينة النفطية.
2. تقليص الروتين الحكومي، والتداخل في الصلاحيات ما بين محافظة البصرة، ووزارات الحكومة الاتحادية في بغداد في تنفيذ المشاريع، لكون هذا الروتين كان سبباً مباشراً في تعطيل أو تأخير عدد من المشاريع، ولعل ليس أخرها مشروع مجاري واكساء حي القبلة(مشروع القبلة الكبير) في مركز محافظة البصرة، بالرغم من موافقة رئيس الحكومة الاتحادية والمحافظ على الإسراع في تنفيذه بعد حركة الاحتجاج الشعبي التي أقام بها سكان هذا الحي الكبير مساحةً وسكاناً مع الفعاليات الرياضية المقامة في المدينة الرياضية الواقعة بالقرب من حي القبلة.
3. اختيار القيادة السياسية الناضجة والشجاعة والأمينة في تنفيذ المشاريع، وإنقاذ أخرى سيطرت عليها شخصيات وأحزاب فاسدة ولعل غير وجود مثل هذه القيادة كانت سببا في هدر الأموال وسرقتها أو إرجاع الموازنة السنوية المخصصة لمحافظة البصرة لبعض السنوات. 
4. توقيف التدمير الحاصل للبنى الاقتصادية في المدينة كتدمير مصنع الفولاذ(مصنع الحديد والصلب) ذو المنشى الفرنسي، والذي كان يعد المشروع الأول من نوعه في المنطقة العربية آنذاك، بحجج واهية، ومصالح تخص هذه القوى الحزبية أو تلك أو من اجل ضمان استمرار صادرات هذه الدولة أو تلك.
5. التفكير الجدي بإعادة الحياة الزراعية والريفية لمدينة البصرة وتذليل العقبات المحلية والخارجية كتحدي يواجه الزراعة المحلية في العراق.
6. العمل على أنشاء مدينة صناعية كبرى في مدينة البصرة بالاستعانة مع الدول الصناعية في قبال جدول زمني للتصدير النفط لدولة المساهمة تساهم ايجابياً في رفع العراق من الناحية الاقتصادية من خلال مكانة هذه المدينة وتشغيل ألاف العاطلين من أبنائها.
7. الاستفادة من اليد العاملة المحلية في الشركات والمؤسسات النفطية العاملة في مدينة البصرة بدلا من العمالة الخارجية والتي باتت توثر سلبا على توفير قوت المواطن البصري وما يتسبب ذلك من تحدي للأمن الوطني والاقتصادي والاجتماعي في مدينة البصرة، وقد يضع حدا للمشاكل الأسرية وحتى العشائرية المتزايدة في مدينة البصرة.
8. الإسراع بتنفيذ المشاريع الخدمية والماسة بصورة مباشرة كمشروع تحليه المياه، وهناك تجارب مشابهة مجاوره لمدينة البصرة قامت بها الكويت على سبيل المثال لا الحصر بتحويل مياه البحر إلى مياه صالحة للشرب، كما ان هناك مشاريع معطلة تساهم بصورة سلبية في انتشار الإمراض كمياه الصرف الصحي، وإبقائها ظاهرة في عدد من أحياء المحافظة تودي إلى تدمير كبير للعمران، وانتشار الإمراض كسبب يضاف إلى أسباب أخرى ناجمة من مخلفات الحرب، فضلا عن تشويه جمالية المدينة الغائبة أصلا منذ سنوات من الجوانب الحياتية والسياحية سواء لأهالي المدينة أو للوافدين لها.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . اسعد كاظم شبيب
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/08/11



كتابة تعليق لموضوع : مدينة البصرة:الثروة النفطية وبؤس الواقع
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net