هل نستطيع ان نبني دولة لايزدهر فيها الفساد ولا يخترقها الارهاب ؟!
د . ماجد اسد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . ماجد اسد

إذا ما حاول أي عضو في المجتمع التستر، أو التقليل من شأن الظواهر، إن كانت منتقلة أو مرحلة من عهود قديمة ـ سابقة ـ كما سترحل أزماتنا إلى الغد ـ أو وليدة المغيرات ، ووليدة التحولات، فان المجتمع، منذ أشار جان جاك روسو، في عقده الاجتماعي، إلى مفهوم المشاركة الفعّالة، وليس السلبية، بالانتقال من عصر إلى آخر، يسمح للحاضر ان يكون متقدما ً على ماضيه، ومما يسمح للمستقبل ـ في هذا التصوّر القائم على مفهوم التآزر والتضامن والمشاركة ـ ان يمثل خطوة متقدمة عن الحاضر .
وكي لا تبدو الصحافة جهة أو واجهة تكتفي أما بنشر (الإعلانات) مدفوعة الثمن، أو معارضة، أو مروجة للتسليات، والأخبار الطريفة، فان دورها يبقى يعمل في أكثر مفاصلها دينامية: التحولات.
فالمسؤولية التي أوكلت للصحافة، وفق هذه التعددية، لا تعمل عمل المرآة المجتمعية العاكسة للمخفيات، مكتفية بالنقد، والإثارة، أو محددة بالجهة التي تمولها، وتشرف على برامجها، وتوجهها...، لأن صيرورة المجتمعات الدينامية قائمة على الإضافات، لأنها قائمة على إشراك المجتمع في عمليات التحول....، وهنا تكتسب عملية التقدم أهميتها ليس في توثيق، وفي رصد، وفي تمثل، وفي مواكبة المتغيرات فحسب، بل في عدم التخلي عن الدور ذاته، الذي يعمل على إرساء مفهوم (الثقافة) القائمة على بناء مجتمعات لا تكتفي بالتأمل، والتسلية، والاستهلاك، وإضاعة الوقت، والقيل والقال، والشغب، وحل الكلمات المتقاطعة، والنميمة، والرضوخ لضغوطات الأمر الواقع، بل ان تكون أداة للتغيير بالدرجة الأولى.
إنها مهمة قد لا ترضي الكثير من الجهات، إن كانت رسمية، أو غير رسمية، بل وستجد معارضة من قبلهما أيضا ً، ولكن عمل الصحافة الحقيقي لا يبدأ إلا بوصفه يتبنى هذا الدور، في التصدي للسلبيات، والحفر في مفاصلها، والكشف عن ادق تفاصيلها، بالوثيقة، والمستند، والشهادة، والصور، والأثر، والعلامة ..الخ، وتقدمها كإسناد، وقوة، تسهم بالانتقال من حقبة إلى أخرى تعيد للمجتمع روابطه الحضارية، والمعرفية، والنفسية، وهو يواجه سلبيات متوارثة، أو وليدة التحولات في الحاض .
وإلا من ينصف ومن يقف مع حقوق الملايين، ويشاطرها تطلعاتها ببناء إنسانية حقيقية، من غير صحافة حديثة، ذات أدوات فنية متقدمة، وقبل ذلك، ان تكون علامة لمجتمع يتوخى التقدم، ونبذ التطرف، والأحادية، ولا يرغب إلا بالحياة الكريمة القائمة على العمل، والعدل. - ان هناك اكثر من صحافة ووسائل بث مختلفة تنشر بحسب اهدافها ووسائلها تتصرف بما يحلو لها وحسب توجهاتها او بما يملي عليها .فعندما لم تعد المجتمعات الحديثة مكونة من طيف واحد فهذا يعني ان الدولة مكونة من اطياف ، و حتى عندما تتكون بعض الدول من طيف واحد فلا يحق لها التجاوز على المكونات الاخرى ، لان القوانين الحديثة لا تتوخى الا التطبيقات المتفق عليها في قوانينها مهما اختلفت الاطياف و المكونات في المعتقد او العدد او الثقافة .فإذا كانت الديمقراطية و حريات التعبير و حقوق الانسان ليست مطلقة ، فأن عمل الصحافة يماثل عمل الحكومة ايضا ، لانهما في الاخير احرار بتنفيذ واجبات معترف بها من لدن الجميع .فأين هو الخلل اذاً ....؟ هل يكمن في رصد الصحافة - التي تعمل في حدود الديمقراطية و القانون - للفساد و التعثر و القصور و الغبن و الهوى الشخصي ... الخ . في عمل مؤسسات الدولة ، يعد مغايراً للدولة التي عليها ان تحقق الامن و تكافح الفساد و اللصوص و الخارجين على القانون و الاعراف ، و تعمل على تحقيق رفاهية ... الخ ، ام على الصحافة ان تتجاهل مظاهر الفساد و العجز و التقصير ، كي لا تتعرض للنقد ....؟ لقد عاشت الصحافة ازمنة طويلة تحت حكم الانظمة ذات الصوت الواحد و ضاقت شت المضايقات في عملها كالاغلاق او الكبت و اشاعة ثقافة الممنوعات و التحريم ، و لم يبقى في المحصلة بعد زوال تلك الانظمة الا الاصوات التي عملت من اجل دولة حديثة لا يخترقها الارهاب ، و لا تنعدم فيها الخدمات الضرورية ، و لا يزدهر فيها الفساد ، و لا تنتعش فيها التيارات المتطرفة و النزعات الخرافية .فهل يحق - لأي معترض في الدولة الديمقراطية - ان يوجه نقده الى الصحافة بصفتها صوت الجميع ، و هو صوت الدولة و ليس صوتا واحدا يغرد داخل القفص ، و ان يعمل على اعادتها الى زمن الممنوعات و المحرمات ، فيما الدستور كفل حريات التعبير و حقوق السكان من غير تمايس او اختلاف حيث الاصوات الغريبة وحدها تتوارى و يطويها زمن التجديد و الابتكار ..؟
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat