الإنسان إذا مرض أو وجع عرف نفسه…
عبدالاله الشبيبي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
عبدالاله الشبيبي

قرأت في كتاب الامام الصادق كما عرفه علماء الغرب هذا الموضوع والذي يقول: من الحكم التي ساقها الإمام الصادق (عليه السلام) قوله مثلاً: الإنسان إذا مرض أو وجع عرف نفسه. ولئن قال الصادق (عليه السلام) هذه الحكمة في المدينة، فقد شاعت عند أمم كثيرة في آسيا وإفريقيا وأوروبا ثم أمريكا، ومن سمعها عرف أن قائلها أصاب كبد الحقيقة.
وها نحن في عصرنا هذا نرى العالم النفسي الكندي (مارشال ماك لوهان) يعد هذه الحكمة من قوانين علم النفس، فيقول أن الإنسان لا ينسى نفسه فقط عندما يحل به ألم، إذ أنه كثيراً ما ينسى نفسه ووجوده في غياب الألم وتوافر الصحة.
ومما ساعد على انتشار هذه الحكمة الجعفرية في العالم وحمل الأقوام على تقبلها، أنها حكمة صحيحة وسهلة الفهم في آن واحد.
وفي وسع كل منا أن يتحقق من صدقها، فيعرف أن الإنسان لا ينسى نفسه أو ينسى أنه حي إذا ما أصابه ألم أو مرض.
فمهما تكن قدرة الإنسان على الصبر والتحمل، فلا يسعه في حالة المرض أن ينسى نفسه، لأن الألم يشعره طول الوقت بأنه حي، ويصدق هذا أيضاً في حالة إصابة الإنسان بألم روحي يزيد من شعوره بأنه حي يتأمل.
وقال صاحب كتاب اسرار الآيات اعلم أن في معرفة النفس الإنسانية اطلاعاً على أمور كثيرة نذكر منها.
أحدها: أنه بواسطتها يتوصل إلى معرفة غيرها ومن جهلها جهل كل ما عداها.
والثاني: أن النفس الإنساني مجمع الموجودات فمن عرفها فقد عرف الموجودات كلها ولذلك قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ﴾ تنبيها على أنهم لو تدبروا أنفسهم وعرفوها عرفوا بمعرفتها حقائق الموجودات فانيها وباقيها وعرفوا بها حقيقة السماوات والأرض ولما أنكروا البعث الذي هو لقاء ربهم.
والثالث: أن من عرف نفسه عرف العالم ومن عرف العالم صار في حكم المشاهد للَّه تعالى لأنه خالق السماوات والأرض ولم يك كالكفرة الجهلة الذين اتكلهم اللَّه ووبخهم في جهلهم وانحطاطهم عن هذه المنزلة.
والرابع: أنه يعرف بمعرفة روحه العالم الروحاني وبقاءها وبمعرفة جسده العالم الجسداني ودثورها وفناءها فيعرف خسة الفانيات الداثرات وشرف الباقيات الصالحات.
والخامس: أن من عرف نفسه عرف أعداءه الكامنة فيها المشار إليه بقوله(ص): أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك، ومن عرف أعاديه الكامنة ومكايدها وكيفية انبعاثها أحسن أن يحترز منها وأن يجاهدها فيستحق ما وعد اللَّه به المجاهدين في سبيله ومن لم يعرفها فجدير أن يتراءى له عدوه الذي هواه بصورة العقل فيسول له الباطل بصورة الحق.
والسادس: أن من عرف نفسه عرف أن يسوسها ومن أحسن أن يسوس نفسه وجنودها أحسن أن يسوس العالم فيستحق أن يصير من خلفاء اللَّه تعالى.
السابع: أن من عرفها لم يجد عيباً في أحد إلا رءاه موجوداً في ذاته إما ظاهراً مشهوداً، وإما كامنا كمون النار في الحجر فلا يكون غياباً همازاً لمازاً معجباً متفاخراً، فإن كل عيب تراءى له من غيره وجده في نفسه ومن تراءى له عيب نفسه فجدير به أن يكون ممن دعا له النبي (ص) بقوله: رحم اللَّه من أشغله عيبه عن عيب غيره.
والثامن: أن من عرف نفسه فقد عرف ربه وقد روي أنه ما أنزل اللَّه كتاباً إلا وفيه اعرف نفسك يا إنسان تعرف ربك وفي الخبر ثلاثة تأويلات.
أحدها: أن بمعرفة النفس يتوصل إلى معرفة الرب كقولك: اعرف العربية تعرف الفقه أي بمعرفة العربية يتوصل إلى معرفة الفقه وإن كان بينهما وسائط.
والثاني: أنه إذا حصل معرفتها حصل بحصول معرفتها معرفة اللَّه بلا فاصل كقولك: بطلوع الشمس يحصل الضوء مقترنا بها وبطلوعها غير متأخر عنه بزمان.
والثالث: أن معرفة اللَّه ليست تحصل إلا أن تعرف النفس لأنك إذا عرفتها على الحقيقة تعرف العالم وإذا عرفت العالم تعرف الحق تعالى.
والرابع: وهو أنك إذا عرفت النفس فقد عرفت الرب وهذا هو الغاية في معرفته لا يمكن لك فوق هذه المعرفة وإليه الإشارة بما قال الامام علي عليه السلام: إن العقل لإقامة رسم العبودية لا لإدراك الربوبية ثم تنفس الصعداء. المصدر: اسرار الآيات، ص134.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat