وقفة مع ابو دلامة وطرائفه...
عبدالاله الشبيبي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
عبدالاله الشبيبي

ابو دلامة هو جحا شخصية شهيرة تنسب اليها النوادر والطرائف والفكاهات، وقد اختلفت الأقاويل في اسمه ونسبة، فهناك من يقول انه اعرابي من قبيلة فزارة، واسمه الحقيقي ابو الغصن دجين بن ثابت، وانه عاش بالكوفة في خلافة المهدي، وقد ضرب به المثل في الحمق والغفلة والبلاهة او التظاهر بها.
وهناك من يقول ان جحا شخصية تركية عاش صاحبها واسمه نصر الدين خواجة، ويعرف بجحا الرومي في الاناضول، وتوفي بمدينة اق شهر، ودفن بقبر معروف بها. ويقال انه عاصر تيمور لنك، ورويت عنه طرائف ونوادر عدة. المصدر: الموسوعة في عجائب الاخبار وغرائب الاشعار، ص210.
وقيل إنه أبو نواس البغدادي الذي كان المرافق الخاص لهارون الرشيد وشاعره والمرافق الشخصي له وقد عرف عن أبو نواس البغدادي بفكاهته وسعة حيلته وقد اشتهرت هذه الشخصية لاحقًا باسم جحا ببلاد ما بين النهرين.
جاء في كتاب الكنى والالقاب يعرف جحا بـ أبو دلامة: بضم الدال زند بن الجون كوفي مولى لبني اسد ادرك آخر بنى امية ونبغ في ايام بنى العباس ومدح عبدالله السفاح والمنصور وهو صاحب البغلة المعروفة التي اشار اليها الحريري بقوله في المقامة التبريزية: وانت تعلم انك احقر من قلامة واعيب من بغلة ابى دلامة.
قالوا من عيوب بغلته انها كانت تحبس بولها، فاذا ركبها ومر بها على جماعة وقفت ورفعت ذنبها وبالت ثم رشتهم ببولها، وكان ابو دلامة صاحب نوادر وادب ونظم، وحكي انه كان اسود عبداً حبشيا. المصدر: الكنى والالقاب، ج1، ص69.
وعليه فان ابو دلامة (جحا) شخصية فكاهية حقيقية، لكنها سرعان ما انفصلت عن واقعها التاريخي، وأصبحت رمزًا فنيًا، ونموذجًا نمطيًا للفكاهة. ومن هنا قيل على لسانه آلاف النوادر أو الحكايات المرحة، على مر العصور. لقد نسي الناس جذوره التاريخية، ولكنهم لم ولن ينسوا أبدًا أسلوبه الضاحك وفلسفته الساخرة.
وقد عرف بين معاصريه بالطيبة والتسامح الشديدين، وأنه كان بالغ الذكاء، وتنطوي شخصيته على قدر كبير من السخرية والفكاهة. ووسيلته إلى ذلك ادّعاء الحمق والجنون، أو بالأحرى التحامق والتبالة في مواجهته لصغائر الأمور اليومية، استعلاء منه على حياة فانية، وشعورًا بعبثية الصراع الدنيوي، وإحساسًا بالجانب المأساوي للوجود الإنساني (الموت) في وقت معًا. ولذلك لا غرو أن يعمّر جحا، وأن يعيش مائة سنة.
فهو كان يتصرف بذكاء كوميدي ساخر على الأحداث التي كان يعيشها فانتشرت قصصه ومواقفه التي كان يتعامل معها في حياته اليومية، وكانت تنتقل قصصه من شخص إلى آخر، ما نتج عن ذلك تأليف الكثير من الأحداث الخيالية على قصصه الحقيقية، فكل شخص كان يروي قصصه بطريقته الخاصة. وعن أهم الأوصاف التي كان يتحلى بها جحا انه كان ظريفًا فطنًا وذكيًا متسامحًا، ووصفه البعض بالحماقة والتغفيل.
قال عباس محمود العقاد واصفاً جحا في احدى كتبه لو ان جحا تفرغ في حياته لصناعة النوادر التي نسبت اليه لمات قبل ان تنفد روايتها او ينتهي هو من ابداعها.
وقد ذهب القدماء إلى تصنيف نوادر جحا المدونة إلى قسمين كبيرين، أحدهما نوادر الحمق والجنون، والآخر نوادر الذكاء. وهناك النوادر الاجتماعية، وهي من الكثرة بمكان، ولاتزال تتنامى إبداعًا وتذوقًا حتى الآن، وتتعاظم وظائفها الحيوية في نقد الواقع الاجتماعي، وما يمور به من سلبيات في القول والفعل والسلوك، مما هو سائد في حياتنا اليومية. المصدر: الموسوعة العربية العالمية.
ومن طرائفه التي ملأت الخافقين:
_ انه توفيت لابي جعفر المنصور ابنة عم فحضر جنازتها وجلس لدفنها وهو متألم لفقدها كئيب عليها فاقبل ابو دلامة وجلس قريبا منه فقال له المنصور ويحك ما اعددت لهذا المكان واشار إلى القبر فقال ابنة عم امير المؤمنين فضحك المنصور حتى استلقى ثم قال له ويحك فضحتنا بين الناس.
_ ذات يوم ضاق العيش بـ جحا فأخذ سخلة كانت في داره وعرضها للبيع، فاجتمع عليه جملة من اللصوص، وقالوا له: انه كلب، وانهم يتعجبون كيف يريد جحا بيع الكلب؟ وصدق جحا مقالتهم، واطلق سراح السخلة، فأخذها اللصوص فرجع جحا الى الدار صفر اليدين شاكراً لله تعالى حيث انقذه من الهلكة، فلم يبع الكلب باسم السخلة!.
وقالت زوجته: وانا ايضا ذهبت الى السوق لأبيع غزلا هيئته، فلما وزنه المشتري رأيت انه ينقص مقدار مثاقيل، فأخرجت في الخفاء قرطي الذهبي ودسسته في الغزل، حتى كمل الوزن وبعته للمشتري وهو يظن ان كله غزل، واخذت الزوجة تعد هذا العمل شطارة وبطولة لنفسها… وهنا فرح جحا كثيراً وقال: هكذا ينبغي العمل حتى يرزق الله تعالى الرزق الحلال!.
_ سُئل كم عُمرك؟ فأجاب: أربعون سنة. وبعد مضي عشر سنوات سُئل السؤال نفسه، فأجاب: أربعون سنة. فقالوا له: ويحك منذ عشر سنين قلت إنك في الأربعين، فكيف تبقى عليها؟! فأجاب: الحُرّ لا يرجع في كلامه!.
_ صنع يوماً ساقية على النهر؛ لتأخذ الماء من النهر ولترد نفس الماء إلى نفس النهر، فتعجب العقلاء منه، وقالوا: عجباً لك يا جحا! تصنع ساقية على النهر؛ لتأخذ الماء من النهر ولترد نفس الماء إلى نفس النهر؟! فقال جحا: يكفيني نعيرها!
_ دخل على المهدي، فقال: ماتت أم دلامة، وبقيت ليس أحد يعاطيني، فقال: إنا لله، أعطوه ألف درهم يشتري بها أمة تعاطيه، وكان قد دس أم دلامة على الخيزران، فقالت: يا سيدتي مات أبو دلامة وبقيت ضائعة، فأمرت لها بألف درهم، فدخل المهدي على الخيزران، وهو حزين، فقالت: ما بال أمير المؤمنين قال: ماتت أم دلامة، فقالت: إنما مات أبو دلامة، فقال: قاتل الله أبا دلامة وأم دلامة، قد خدعانا والله.
_ قام بشراء عشرة حمير فركب واحداً منها وساق أمامه التسعة الباقية، ثم عدّ الحمير ونسى الحمار الذي كان يمتطيه فوجدها تسعة، فسارع بالنزول من ظهر الحمار وعدها ثانيةً فوجدها عشرة، فركب مرة ثانية وعدها فوجدها تسعة، ثم نزل وعدها فوجدها عشرة وبقي يعيد ذلك مراراً وتكراراً ثم قال: أن أمشي وأربح حماراً خير من أن أركب ويذهب مني حمار فمشى خلف الحمير حتى وصل إلى منزله.
_ كان يركب قطاراً ثم نزل منه ووضع الحقيبة قربه وانتظر حضور الشيال، فجاء لص فسرقها وحملها ومشى فتبعه جحا وهو فرحان، فلما اقترب من منزله أخذ الحقيبة من اللص وقال له: أشكرك يا سيدي فقد حملت لي الحقيبة من غير أجر.
_ سأله رجل أيهما أفضل المشيء خلف الجنازة أم أمامها؟ فقال جحا: لا تكن على النعش وامش حيث شئت.
_ طبخ طعاماً وقعد يأكل مع زوجته فقال: ما أطيب هذا الطعام لولا الزحام! فقالت زوجته: أي زحام إنما هو أنا وأنت؟ قال: كنت أتمنى أن أكون أنا والقِدر لا غير.
_ سئل يوماً: أيهما أكبر، السلطان أم الفلاح؟ فقال: الفلاح أكبر لأنه لو لم يزرع القمح لمات السلطان جوعاً.
_ وحكي أن أباه قال له: دع ما أنت عليه من الجنون والمجون والخلاعة وترزن حتى أخطب لك بعض بنات أهل الثروة والشرف. فقال: نعم يا أبتاه، فتزيّن وتبخر وصار إلى مجمع الناس فقعد وهو صامت وقد حضر أشراف الناس وعظماؤهم، فقال له أبوه: تكلم يا بني، فقال: الحمد لله، أحمده وأستعينه وأشرك به حي على الصلاة حي على الفلاح. فقال أبوه: يا بني لا تقم الصلاة فإني على غير وضوء.
_ ضاع حماره فحلف أنه إذا وجده أن يبيعه بدينار، فلما وجده جاء بقط وربطه بحبل وربط الحبل في رقبة الحمار وأخرجهما إلى السوق وكان ينادي: من يشتري حماراً بدينار، وقطاً بمائة دينار؟ ولكن لا أبيعهما إلا معاً.
_ ورث نصف دار ابيه، فقال: اريد ان أبيع حصتي من الدار وأشتري الباقي، فتصير الدار كلها لي.
_ كان راكباً حماره حينما مر ببعض القوم وأراد أحدهم أن يمزح معه فقال له: يا جحا لقد عرفت حمارك ولم أعرفك. فقال جحا: هذا طبيعي لأن الحمير تعرف بعضها.
_ رأى في منامه أن شخصاً أعطاه تسعة دراهم بدلاً من عشرة كان يطلبها منه فاختلفا، ولما احتدم بينهما الجدال انتبه من نومه مذعوراً، فلم ير في يده شيئاً، فتكدر ولام نفسه على طمعها، ولكنه عاد فاستلقى في الفراش وأنزل تحت اللحاف ومد يده إلى خصمه الموهوم قائلا: هاتها تسعة ولا تزعل!.
_ رأته امرأته يأكل تمراً ولا يخرج نواه، فقالت: ماذا تصنع كأني بك تأكل التمر بنواه؟! فقال لها: طبعا آكله بنواه لأن البائع وزنه مع النواة، ولو أخرج نواه لما باعه بسبع بارات، أما وقد اعطيته الثمن دراهم بيضا، فهل أرمي في الزقاق شيئاً اشتريته بدراهمي.
_ ضاع حماره فأخذ يفتش عنه ويحمد الله شاكراً، فسألوه: لماذا تشكر الله؟، فقال: أشكره لأني لم أكن راكباً على الحمار ولو كنت راكباً عليه لضعت معه.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat