صفحة الكاتب : د . اسعد كاظم شبيب

رمزية القدس بعد انحياز دونالد ترامب
د . اسعد كاظم شبيب

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

اعترف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب موخراً بالقدس كعاصمة لإسرائيل، وتعهد بنقل السفارة الأمريكية من تل ابيل إلى القدس فوراً بعد إن عرض ذلك كجزء من وعوده الانتخابية التي قطعها امام الجمهور المؤيد له أثناء حملته الانتخابية من اجل الفوز بمنصب الرئيس للولايات المتحدة الأمريكية امام منافسته الديمقراطية هليري كلنتون، هذا الاعتراف الذي بقى معطلاً أيضا طوال السنوات الماضية وبالتحديد منذ إن عرض مشرعين أمريكيين قانون القدس عاصمة لإسرائيل في العام1995 ولم يحض بمصادقة ثلاث روساء تولوا على إدارة البيت الأبيض في واشنطن هم: بيل كلنتون، وجورج بوش الابن، وبراك اوباما لأسباب تتعلق بعدم تعميق النزاع حول القدس والأراضي المحتلة، وإرساء دور واشنطن في تحقيق السلام والحل العادل الشامل الذي يعالج مختلف جوانب القضية الفلسطينية والنزاع العربي ــ الإسرائيلي المنبثق عنها، وفي ضوء قرار الرئيس ترامب الأخير بالاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل انحازت الإدارة الأمريكية الحالية كليا لإسرائيل ومشروعها(دولة لليهود/إسرائيل) المثير للجدل عقائدياً وتاريخياً وحتى ادواتياً، الدولة التي يراها العرب والمسلمون بأنها قامت على أساس اغتصاب الأراضي العربية ومنها مدينة القدس التاريخية بالعنف والإرغام، على الرغم من تصنيف اغلب المنظومات المعرفية والسياسية ومنها قرار المنظمة الأممية(اليونسكو)الصادر من مقرها الرئيسي في باريس قبل أشهر بان معالم القدس إسلامية وليست يهودية، عموما فان هذا الاعتراف بمثابة المباركة الرسمية من جانب إدارة ترامب لسجل التوسع الإسرائيلي الطويل في المنطقة العربية.
ومن دون الولوج في الضرر الذي سيلحق بالفلسطينيين من جراء قرار ترامب ألاعترافي، ودون الخوض كذلك في عمق التمهيدات الشرق أوسطية التي سبقت اعتراف ترامب بالقدس كعاصمة لإسرائيل من صفقات مع حكام دول عربية تقضي بتنازلهم عن قضية القدس مقابل معالجة مسائل شرق أوسطية يعدها بعض الحكام العرب من المسائل الشائكة من ضمن تلك الصفقات الجولات المكوكية لجيراد كوشنير مستشار ترامب وزوج بنته والمعروف بميوله لصالح إسرائيل منها زيارته إلى الأراضي الفلسطينية وإسرائيل وبعدها إلى السعودية ومن ثم استدعاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى الرياض والحديث الآن عن توقيعه لمسالة تخص الصراع الفلسطيني ــ الإسرائيلي، لكن هناك ما يلفت النظر فيما يخص المواقف المتوالية من الفعاليات الاجتماعية والسياسية في العالم العربي والإسلامي من اعتراف الرئيس الأمريكي ترامب بالقدس كعاصمة لإسرائيل ناجمة عن رمزية القدس الروحية والتراثية وأبعاده الجغرافية الواردة في التعليمات الدينية المنصصة على مكانة القدس كمهد للحضارة، ومهبط للأديان السماوية وخاتمها الدين الإسلامي، وكقبلة أولى للمسلمين، ومسرى الرسول محمد، يأتي هذا الموقف شبه الموحد على رفض واستهجان، وحدةً في الخطابات من قبل الفعاليات الاجتماعية والسياسية والدينية(دول، ومنظمات دولية، وحركات سياسية، ومرجعيات دينية) ومن ضمنها بالتأكيد موقف الدول والمجموعات المتصارعة في ما بينها في زمن تصاعدت فيه الصراعات المحلية على أسس دينية وطائفية وقومية في عدد من الدول العربية والإسلامية، وتحول الصراع في طوره التقليدي ما بين العرب وإسرائيل إلى صراع إقليمي ظاهره مذهبي وباطنه سياسي، إسلامي ــ مسيحي أو سني ــ شيعي، وسلفي مع غير السلفي، وعربي وغير عربي(كردي وامازيغي) لأسباب عديدة منها ضعف في الاندماج العربي خاصة بعد إسقاط النظام الاستبدادي في العراق، وما تسبب من هشاشة في الوضع الأمني، وانتشار الإرهاب، وتصاعد التوتر الطائفي، وتداعيات أحداث الربيع العربي وتخوف دول الخليج منها، ومن ثم صراع السعودية مع إيران، وفي ضوء ما تعده إيران بأنها مؤسسة لما تسميه بالصحوة الإسلامية تتهم السعودية إيران بمحاولة الاستحواذ على البلدان العربية وتخيف(السعودية) الشعوب العربية من مجموعات سياسية وعسكرية معروفة تلتقي مع إيران بمباني عقائدية وأهداف سياسية في عدد من البلدان العربية، وفي ضوء هذا النزاع السياسي فضلا عن انتشار ظاهرة الإرهاب هل تصب هذه المتغيرات والإفرازات في المواقف من مسالة اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل لصالح المحور السياسي الإقليمي الذي يرفع شعار الممانعة والمقاومة أو على الأقل تعزيز موقعه في الشرق الأوسط، ويبرر بذلك أيضا عداءه في العقود الأخيرة مع الولايات المتحدة وإسرائيل لاسيما وانه يرفع شعار تحرير القدس، وانشأ ومول مجموعات عسكرية خاصة لهذا الشأن كـ(فيلق القدس) ومجموعات سياسية وعسكرية في عدد من البلدان العربية كحركة حماس، وحزب الله، وحتى جماعة الإخوان المسلمين، بعد محاولة جهات محلية وإقليمية دق إسفين ما بين المجموعات الدينية والسياسية في العالم العربي السني وما بين ما يعرف بمحور المقاومة والممانعة؟ صحيح إن رمزية القدس جامع أساسي ما بين اغلب الفعاليات الاجتماعية والسياسية(دول وحركات) بمختلف توجهاتها السياسية والدينية لكن قسم كبير من مضامين جواب هذا الاستفهام يتعلق بإبعاد ما يعرف الآن في المطابخ السياسية بتنفيذ مضامين صفقة العصر بتسوية الملفات المعقدة في الشرق الأوسط منها الملف الإيراني في المنطقة العربية بالاتفاق ما بين الإدارة الأمريكية وبعض الحكام العرب كمحور مقابل لإيران، أما الحديث عن توظيف المواقف الشعبية العربية من مسالة القدس لصالح أنماء التنظيمات المتطرفة والإرهابية واستقطابها الإيديولوجي للشباب العربي والمسلم فهو غير مستبعد أيضا لكون محرك التنظيمات الإرهابية اعتاش طوال العقود الماضية على الأزمات السياسية والطائفية التي مرت بها منطقة الشرق الأوسط.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . اسعد كاظم شبيب
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/07/02



كتابة تعليق لموضوع : رمزية القدس بعد انحياز دونالد ترامب
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net