هل حقاً أن كل شيء بالقسمة والنصيب، أم الانسان قادر على صناعة مصيره؟ عندي قد يكون الأمران معاً، ويعني حين تأتي الفرصة على الانسان أن يبني منها موقفه الانساني الذي سيحمل بصمات انسان، عليه أن يستثمرها لصالح نفسه، كنت ذات يوم وأنا على صومعتي، انظر كالعادة الى الصحراء وهي تمتد في عمق الوجود، وأتأمل منها شكل الكون الدنيا معنى وجود الانسان في صومعة، وإذا بي أرى من بعيد جيشا متعبا اكاد احس بما يعاني من عطش، وتوقعت انهم قد ضيعوا الطريق، حتى اذا وصلوا الدير، أسمع القائد يأمرهم بمناداتي، فسألني القائد:ـ هل قُرب قائمك هذا ماء يتغوَّثُ به هؤلاء القوم؟ فقلت: هيهات، بيني وبين الماء أكثر من فرسخين، وما بالقرب مِنِّي شيء من الماء، ولولا إنـني أُوتي بماءِ يكفيني كلَّ شهر على التقتير لتلفت عطشاً.. فقال القائد: أَسَمعتم ما قال الراهب؟ قالوا: نعم، أفتأمرنا بالمسير إلى حيث أومأ إليه، لعلَّنا ندرك الماء وبنا قوَّة؟ فقال: لا حاجة بكم إلى ذلك، ولوى عنق جواده نحو القبلة وأشار لهم إلى مكان يقرب من الدير. فقال القائد: اكشفوا الأرض في هذا المكان، فعدل جماعة منهم إلى الموضع فكشفوه بالمساحي، فظهرت لهم صخرة عظيمة تلمع. اسمعهم يقولون له:ـ يا أمير المؤمنين، هنا صخرة لا تعمل فيها المساحي. فقال لهم القائد الذي يسمونه امير المؤمنين: إنَّ هذه الصخرة على الماء، فإن زالت عن موضعها وجدتم الماء، فاجتهدوا في قلبها. فاجتمع القوم وراموا تحريكها، فلم يجدوا إلى ذلك سبيلاً، واستصعبت عليهم. فلما رآهم قائدهم قد اجتمعوا وبذلوا الجهد في قلع الصخرة فاستصعبت عليهم. لوى القائد رجله عن سرجه حتى صار على الأرض، ثم حسر عن ذراعيه ووضع أصابعه تحت جانب الصخرة فحرَّكها، ثم قلعها بيده. فلما زالت عن مكانها ظهر لهم بياض الماء، فتبادروا إليه فشربوا منه، فكان أعذب ماء شربوا منه في سفرهم وأبرده وأصفاه، فقال لهم: تزوَّدوا وارتَوُوا، ففعلوا ذلك. ثم جاء إلى الصخرة فتناولها بيده ووضعها حيث كانت، وأمر أَن يُعفى أثرها بالتراب، وأنا انظر من فوق الدير، فلما استوفى عِلم ما جرى ناديت بحرقة: يا معشر الناس أنزلوني، انزلزني، وقفت بين يدي القائد أسأله: هل أنت نبيُّ مرسل؟ فقال القائد: لا.. قلت له:ـ ملك مقرَّب؟ قال القائد: لا.. قلت: فمن أنت؟ قال: أنا وصي رسول الله محمد بن عبد الله خاتم النبيِّين. قلت حينها وانا ابكي فرحاً:ـ أبسط يدك، أُسلم لله تبارك وتعالى على يدك، فبسط أمير المؤمنين (عليه السلام) يده وقال لي: اشهد الشهادتين. قلت:ـ أشهد أَن لا اله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، وأشهد أنك وصي رسول الله، وَأَحَقَّ الناس بالأمر من بعده. فأخذ أمير المؤمنين (عليه السلام) عليه شرائط الإسلام ثم قال لي:ـ ما الذي دعاك إلى الإسلام بعد طول مقامك في هذا الدير على الخلاف؟ فقلت أخبرك – يا أمير المؤمنين –، إن هذا الدير بُنِي على طلب قالع هذه الصخرة ومخرج الماء من تحتها، وقد مضى عالم قبلي لم يدركوا ذلك، وقد رزقنيه الله عزَّ وجلَّ، وأنـا نجد في كتاب من كتبنا ونأثرُ عن علمائنا أن في هذا الصقيع عيناً عليها صخرة، لا يعرف مكانها إلا نبيّ أو وصيّ نبيٍّ. وأنه لا بد من ولي لله يدعو إلى الحقِّ، آيته معرفة مكان هذه الصخرة، وقدرته على قلعها، وإني لما رأيتك قد فعلت ذلك تحقق ما كنت أنتظره، وبلغت الأمنية منه، فأنا اليوم مسلم على يدك، ومؤمن بحقك وموالاتك. لما سمع ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: الحمد لله الذي لم أكن عنده منسياً، الحمد لله الذي كنت في كتبه مذكورا. ثم دعا الناس فقال لهم: اسمعوا ما يقول أخوكم هذا المسلم، فسمعوا مقالتي. ثم سار (عليه السلام) وانا بين يديه في جملة أصحابه حتى لقيت أهل الشام، فكنت اتمنى من كل قلبي ان استشهد الله كم جميل ان اصبح من شهداء صفين، الله ما اجمله ان اكون شهيدا واسمي يقرن بولاية علي (عليه السلام)، وأعطاني الله امنيتي، فكنت من جملة من استشهد معه، فتولى الإمام (عليه السلام) الصلاة علي ودفني وأكثر (عليه السلام) من الاستغفار لي وهل لي بعد ذلك من سعادة اكير من هذا العنفوان الصارخ في بهجة الانتماء
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat