لا تقدم اجتماعي ولا ازدهار اقتصادي بدون احترام رجل الامن
محمد رضا عباس
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد رضا عباس

هناك علاقة طردية بين احترام أبناء المجتمع للقوانين الحكومية والنمو الاقتصادي , حيث ان التقدم الحضاري و الاقتصادي الذي تشهده الدول الصناعية لم يكن بهذه الوتيرة المتصاعدة لولا وجود مجتمع يحترم قوانين بلاده. ارجوا ان لا يفهم القارئ ان جميع أبناء المجتمعات المتقدمة صناعيا ملائكة يمشون على الأرض , لا , فهناك الصالح منهم وهناك الطالح , ولكن الشيء المهم الذي يسير الحياة هناك هو تفعيل القوانين من قبل السلطة التنفيذية . السائق على الطريق العام يتمنى ان يسرع في سياقته على حد السرعة المسموح بها, ولكن لا يستطيع تحقيق امنيته لأنه يعرف جيدا ان هناك شرطي مرور يراقب سرعة المركبات , وان هناك غرامات مالية كبيرة على من يخالف قانون المرور. وكذلك بائع المخدرات يعرف جيدا ان اللقاء القبض عليه من قبل الجهات المختصة سوف تكلفه مستقبله ومستقبل عائلته , و لا تقل العقوبة عن عشرين عام , وهكذا فان المتاجرين في المخدرات على الاغلب من الشبان والذين ليس لديهم مستقبل او مهنة و بذلك فهم يقامرون بتجارتهم لحين اللقاء القبض عليهم من قبل السلطات المختصة. هذه الحالة تطبق على جميع تحركات الانسان سواء كان رب عمل, طبيب , محامي , مزارع او عامل . لكل مهنة احكام ومن يخالفها يعرض نفسه لعقوبة القانون. فلا يوجد عدي صدام حسين ينهي و يأمر ولا سيف الإسلام القذافي ليقول انا ربكم الأعلى.
الموطن في الدول المتقدمة صناعيا يحترمون القوى الأمنية , فلا توجد مجاميع مسلحة ترهب القوى الأمنية الحكومية , مسؤول رفيع المستوى يهدد بفصل رجل الامن من وظيفته لأنه طبق ما هو مرسوم له , و لا توجد عشيرة يخاف منها و من " الدكه" . ولهذا السبب فان رجل الامن يمشي في الأسواق وهو محترم , بل ويتعامل ابناء المجتمع معه معاملة ود وتقدير لكونه هو من يحمي الحريات الشخصية والممتلكات من الاعتداءات. لان بفضل رجل الامن (الشرطي) تسطيع الفتاة التجول في الليل بدون خوف من شخص يهاجمها , والشابة تذهب الى جامعتها بدون قلق من شخص او مجموعة من الأشخاص يزعجونها او التعدي عليها , والعامل يذهب الى عمله في الصباح غير مبالي من شخص يعتدي عليه , ولا طبيب يخاف من مراجعه او احد اقربائه , معلم يخاف من طلابه او من ذويهم , ولا فريق كرة القدم يخاف من هجوم عشيرة عليه بسبب فصل احد اعضاءه المحسوب على العشيرة , او جار يخاف من جاره ومن عشيرته.
مناسبة كتابة هذه الاسطر هو تصريح عضو مجلس محافظة بغداد على جعفر العلاق والذي ذكر فيه , ان " بعض رجال الامن يتخوفون من أداء واجبهم الأمني امام بعض الأشخاص الذين يحملون باجات او هويات مزورة ويدعون الانتماء بجهات مختلفة ", مضيفا بان " رجال الامن يتخوفون أيضا من ما يسمى بالفصل العشائري والذي قد يكلفه الكثير وبالتالي تكون هذه الأشياء عوائق كبيرة لتطبيق القانون ومحاسبة المخالفين والمجرمين" . السيد العلاق انهى حديثه بالقول " رجل الامن عندما يشعر ان الدولة لن تتخلى عنه حينما طبق القانون بحق الجميع فانه سيقوم بواجبه على احسن وجه وهذا يعني توفير المزيد من الأمان والاستقرار".
هذا التصريح يجب ان يؤخذ بنظر الجد و الاعتبار من قبل البرلمان العراقي , مجلس الوزراء, رؤساء العشائر , المراجع الدينية , والأحزاب السياسية. لان مشكلة الامن في العراق مشكلة مشخصة ومعروفة السبب , وهي هناك افراد محسوبين على أحزاب سياسية وعشائرية تعبث بأمن واستقرار البلد ويجب ايقافها . العراق اصبح سوق رائجة بتجارة المخدرات وبكل تأكيد ان من يقوم بتسويقها وترويجها هم من المحسوبين على الأحزاب السياسية والعشائرية وأصبحت لهم الحصانة بعدم تفتيشهم من قبل أجهزة الامن خوفا منهم . والا من هذا الفرد في العراق الذي يستطيع استيراد مليون حبة مخدرات ان لم يكن هذا الشخص مدعوم من قبل شخصيات كبار ؟ الفقير لا يستطيع تهريب مليون حبة من دولة مجاورة , وانما من لهم ثقل مجتمعي. وهذا يطبق أيضا على عمليات السطو الكبيرة و لا سيما على محلات الصاغة والصرافة . رجل الامن لا يستطيع وقف سيارة مشكوك فيها خوفا من سائقها والذي اصبح يهدده بحزبه وعشيرته . اليس من المعيب ان يضطر رجل الامن لبس قناع في العمليات الأمنية ليخفي وجه من ذوي المجرمين ؟ لا يمكن لبلد ان ينمو ويزدهر ويتطور وشرطي الامن يخاف على نفسه وعلى عائلته , لان الامن و التقدم خطان متوازيان , فكلما احترم القانون , زاد الأمان , وزاد النمو الاقتصادي. لان وجود الأمان يشجع الشركات العالمية بدخول السوق العراقية , و وجود الأمان يشجع أصحاب الكفاءات بالرجوع الى الوطن وخدمة أبنائه , ووجود الامن يشجع المستثمر العراقي استثمار أمواله في مشاريع إنتاجية داخل العراق بدلا من الدول المجاورة والبعيدة.
الدولة مسؤولة بحصر السلاح بها , ومحاسبة المخالفين بأشد العقوبات بغض النظر عن اسم الجهة التي ينتمي اليها المخالف, وعلى رؤساء العشائر إصدار تبرئة من أي عضو يستقوي بعشيرته في خرق القانون . قبل التغيير , كان هناك بعض الافراد المحسوبين على مناطق معينة من العراق من يتجاوز على القانون مستغلين اسم مناطقهم , ولكن اصبحنا بعد التغيير نخاف من تصادم كتف بكتف شخص اخر من دكة العشائر , واصبح ابن الجيران يخاف العب مع الاخرين خوفا من دكة العشائر! حالة لا يمكن هضمها ولا تبني وطن . يجب ان تكون السيادة للقانون , والا من سيدافع عن مواطن عراقي لا يعترف بسلطة العشيرة او مواطن بدون عشيرة؟
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat