الكورد والأيْرَنَة الجزء الأول
مير ئاكره يي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
{ بحث تاريخي ، علمي وديني يفند شبهة إيرانية الكورد ووطنهم وتاريخهم }
مدخل :
لقد طبع هذا البحث الموجز الموسوم ب( الكورد والأيرنة / بحث تاريخي ، علمي وديني يفند شبهة إيرانية الكورد ووطنهم وتاريخهم ) لأِول مرة عام 2003 في لندن ، من قِبَلِ المؤتمر الوطني الكوردستاني الذي يترأسه المناضل والكاتب الكوردي المعروف الدكتور جواد ملا ، حيث لجنابه كل الشكر العميم والتقدير الجزيل على ذلك . الجدير بالذكر ان ما أضفى على هذا البحث رونقا وجمالا وزينة ووزنا هو تقييم العالم الكوردي المعروف الدكتور جمال نه به ز له ومقدمة الدكتور جواد ملا عليه . على هذا فإني أتقدم الى جنابيهما الفاضلين بأسمى أيات الحب والود والشكر متمنيا لهما وافر العافية والسلامة والتوفيق .
وبما ان هذا البحث – كما جاء – هو بحث موجز أردت التوسّع فيه أكثر ، لأنه في الوقت الذي كتبت فيه البحث لم يكن لديّ المصادر التاريخية الكافية التي تبحث عن تأريخ الكورد والفرس أيضا ، الى أن سافرت بعدها الى مدينة لوس أنجلس في ولاية كاليفورنيا الأمريكية ، حيث تكثر فيها المكتبات الايرانية ، فقمت بشراء مجموعة من الكتب لتأريخي الكورد وكوردستان وفارس وبلاد فارس ، التي آشتهرت بإيران فيما بعد منذ أواسط العقد الثاني من القرن العشرين المنصرم . ومن الكتب الذي حصلت عليها ، والتي تعتبر مصادر هامة لهذا البحث هو :
1-/ تأريخ هيرودوت للمؤرخ اليوناني المعروف هيرودوت / الترجمة الفارسية . مضافا تمكنت فيما بعد من الحصول على نسخة ألكترونية مترجمة الى اللغة العربية من هذا الكتاب .
2-/ كتاب آويستا المقدس للديانة الزرادشتية / النسخة الفارسية . وقد حصلت بعدهاعلى الترجمة الكوردية لكتاب آويستا ، حيث أهداها لي مشكورا أحد الأصدقاء من كوردستان ، مع المحاولة للحصول على نسخة الآويستا المترجمة الى اللغة العربية ، ولو كانت بالإستعارة ! .
3-/ تأريخ مردوخ لمؤلفه المؤرخ الشيخ محمد مردوخ الكوردستاني .
4-/ تأريخ ايران قبل الاسلام لمؤلفه المؤرخ حسن بير نيا .
5-/ تأريخ أرمينيا لمؤلفه المؤرخ هراند باسدر ماجيان وغيرها من الكتب .
مير ئاكره يي ( الشيخ عمر غريب )
الولايات المتحدة / 2011-12-07
المقدمة :
لاريب فيه أن الكيان السياسي المستقل [ أي الدولة ] هو من أرقى وأبرز وأهم مظاهر التنظيم الحضاري والازدهار والقوة للشعوب والقوميات ، في مجالات الحياة كافة . إذ إن الكيان السياسي هو الحصن الحصين والعامل الأساس في الحفاظ على الشخصية الحضارية – الدينية ، القومية والوطنية والانسانية ، الاقتصادية والاجتماعية ، الجغرافية والثقافية لأِية قومية ما .
على هذا الأساس ، فمن المسلّم به ان بدون الكيان السياسي لا تتمكن أية قومية من الدفاع لِما تَعدّد ، أو غيرها أيضا من حُرُماتها وحقوقها ، مصالحها وخصائصها المميزة ، أو حمايتها بالشكل المطلوب ، أو تنميتها وتطويرها فالإرتقاء بها نحو الأفضل والأفضل .
ومن البدهيات في علم الاجتماع السياسي ، إن الشعب الذي يفتقد القوة ( أي الدولة ) فإنه يكون ضعيفا مستضعفا ، وكذلك فإن شخصيته الحضارية والدينية والتاريخية والقومية والاقتصادية والاجتماعية ستكون أيضا ضعيفة وهشة وخاوية على عروشها ، مع إفتقادها للهيبة والوقار والاحترام ، بل ربما ستكون عرضة للتجاوزات والانتهاكات ! .
وبالتالي ، وبسبب ذلك فإن هذا الشعب سينجذب مباشرة ، شاء أم أبى الى أنواع كثيرة من القابليات السلبية الخطيرة كالاحتلال والعدوان المستمر والاستعمار والاستغلال والتشرذم المجتمعي والعصبيات الواهية والخلافات الكارثية وغيرها من نكبات الضعف والاستضعاف ومصائبه . وقد أجاد من قال شعرا حكيما في هذا الشأن :
اذا أنت لم تعرف لنفسك حقها * هوانا بها كانت على الناس هوانا
إيّاك والسُكنى بمنزل ذلّة * يُعَدُ مسيئا فيه من كان محسنا !؟
وكما هو معلوم إن الضعف هو بعكس القوة تماما . ذلك ان الضعف هو مَجْلَبة للعدوان والمكاره والصغائر ، الخلافات والتفرقة والتخلف الاجتماعي المهالك ومطامع الأعداء ، المذلة والهوان ، التقسيم والاحتلال الاستعماري ، وربما السقوط والنهاية في آخر المطاف ! .
إذن ، إن قوة الشعب – أيّ شعب كان – وعزته تكمن في دولته السياسية القومية المستقلة . وإن هذه القوة لدولته تتعزز في مؤسساتها السياسية والاقتصادية والعسكرية والادارية والثقافية والعمرانية والتعليمية والصحية والصناعية وغيلاها من مستلزمات الدولة المؤسسية ؛ أي الدولة المؤسسة والقائمة على النظام والإنتظام والقانون والمؤسسات .
والقلب النابض لهذه القوى جميعا بشكل عملي وواقعي هو قادة الشعب ونخبه المثقفة والواعية والمخلصة والمتفانية في سبيل الحق والحقائق والشعب والوطن ومصالحهم من جميع الجهات . والحقيقة هي – برأيي – ان كل ذلك مرهون بمدى إخلاص هؤلاء ووحدة صفهم وتكاتفهم ودرايتهم ودقة تنظيراتهم وخططهم ، مع إستعدادهم وحبهم في التضحية والايثار بالخاص لأجل الصالح العام وهوالأمة والوطن ومآربهم . . لذلك فإن تفوّق الحق وإنتصاره مُعَلّل بالدرجة الأولى الى القوة لا الضعف والإستضعاف ، أو الخِلاف والتمزق المجتمعي ، أو التبعية الفكرية والتنظيمية ، أو التحزب والتحزيب والفرقوية والمغالاة في العلاقات القبلية والعشائرية والمناطقية والجهوية واللهجوية وغيرها ، لأنه اذا ماتم التشدد والتطرف فيها فإنها تفسد ولاتصلح ، وإنها تباعد ولاتقرّب ، وانها تفرّق ولاتجمع ، وانها تؤخّر ولاتقدّم ! .
مع هذا كله من مزايا القوة ينبغي أن نعلم ان الحق والعدل والانسان هو القوة الحقيقية من النواحي المعنوية والوجدانية ، الأخلاقية والانسانية ؛ أي ان الحق هو القوة ، وليست القوة هي الحق كما نشاهد ذلك مسطورا في قواميس المستبدين الظالمين والمستعمِرين المحتلين ، حيث ممارساتهم أشد ,اطغى . وقد أشاد بالقوة وأهميتها أيضا الشاعر العربي الجاهلي ( الجاهلية هي الفترة التي كانت سائدة قبل الاسلام كما هو معروف ) زهير بن أبي سلمى ، فقال فيها :
ومَنْ لم يذد عن حوضه بسلاحه * يهدّم ، ومَنْ لا يتّقي الشتم يشتم !
لكن بالرغم من ذلك يجب أن تكون القوة مقيّدة بمعايير الحق ، وفي سبيله ، وفي سبيل العدالة والفضيلة والكرامة الانسانية ، وفي سبيل الحقوق الانسانية . أما اذا اذا كانت القوة سببا للعدوان والاستكبار والاستبداد والطغيان والاستعمار ، أو اذا كانت القوة لأجل نشر الرعب والارهاب بغية التحكّم بالسلطة ، أو للاستغلال والنهيبة فهي – بلا شك – قوة غاشمة وغادرة وغير أخلاقية وغير إنسانية ، وانها مدانة بكل الحالات الانسانية والقانونية . ذلك ان الحقيقة هي ان القوة هي وسيلة ، وانها ليست الهدف والغاية بالنهاية ، بل الغاية والهدف من القوة هي لتحقيق قيم الحق كالعدالة الاجتماعية وحقوق الانسان ودفع المظالم وتحقيق الحرية والقسط بين الناس ! .
ان القوة لها مكانتها الكبيرة وأهميتها البالغة لدى كافة الأديان والآيديولوجيات ، ولدى المذاهب السياسية ، ولدى القوميات الحية الطموحة الى الازدهار والرقي والتقدم . ذلك ان قيام الحضارات ونشوء الدول وإنتصار أصحاب الحق والحقوق والمظالم في الماضي ، كما الحاضر لايتم إلاّ بالقوة والمعرفة وحسن الدراية والتخطيط في كل المجالات . لهذا فإن التجارب والوقائع التاريخية قديمها وحديثها قد أثبتت كلها بما لايدع للشك مجالا ان أية قضية مهما كانت عادلة ومشروعة ، بل حتى إن كانت على حق مطلق في دعاويها ومظالمها اذا لم تساندها قوة ذاتية عالية التخطيط والتنظيم ، ودقيقة في البرمجة والرؤى على المستوى العلمي والمعرفي والثقافي والاعلامي ، وعلى المستوى المالي والاقتصادي والعسكري والقيادي فإنها – بدون ريب – ستظل قضية نظرية وتاريخية ووجدانية ! .
وإستطرادا لما ورد ، حتى الآن فإن القضية الكوردية المغدورة ، لأجل حرمانها من الدولة المستقلة الخاصة بها ( أي القوة ، ذلك ان الدولة تساوى القوة والمَنَعَةِ ! ) تعرّضت ومازال ، بسبب ضعفها وإستضعافها الى حملات منظمة كبرى من التشويه والتزييف والتزوير على الصعيد التاريخي والقومي والوطني والجغرافي والسياسي ، بالإضافة الى حملات القتل الجماعي ومحاولة الإبادة والدمار الشامل ضد الأمة الكوردية ! .
لذلك ، في هذا السياق جاء هذا البحث الموجز ليتحدث عن الأخطاء الشائعة كثيرا والتزويرات والشبهات المثارة دائما ، ومنذ وقت طويل جدا حول الكورد مفادّها انهم ( ايرانيون ) ، أو انهم من جملة الشعوب ( الايرانية ) ، أو ان اللغة الكوردية هي من شعبة ( اللغات الايرانية ) ، إذن ، هل حقا ان أرومة الكورد وأصله وأساسه العرقي هو ( ايراني ) ويعود للمرجعية ( الايرانية ) ؟ وهل ان لفظة ( ايران ) كمصطلح وكتسمية لها حقيقة تاريخية وجغرافية ولغوية وقومية ، أو أقوامية ؟ ، ثم هل ان ( ايران ) هي من حيث التسمية تعادل ( الآرية ) ، أو الهندو – أوربية وغيرها كالأفريقية على سبيل المثال ؟ وبالتالي هل ان ( ايران ) كانت ومازالت قارة ، أو شبه قارة مثل شبه القارة الهندية ، حتى تكون مصدرا ومنبعا وأصلا إنبثق عنه مجموعة من الشعوب والقوميات ؟ وأخيرا هل ان ( ايران ) كانت في التاريخ الغابر والماضي جامعة للشعوب ولغاتهم وأصولهم ، أو هل انها كتسمية تاريخية وجغرافية ، أو كتسمية قومية ولغوية كانت معروفة بها قبل ميلاد سيدنا عيسى المسيح ( ص ) وبعده ، أو في العصور الاسلامية وبعدها كذلك ؟ ! .
لذلك كله أفردت هذا البحث الموجز وخصصته للإجابة على هذه التساؤلات والشبهات والتزييفات وغيرها أيضا المثارة عن قصد ، أو بدون قصد حول ما زعم ويزعم عن ( ايرانية ) الأصل الكوردي ولغته وتاريخه ووطنه . بحيق ان هذه كلها ساعدت وساهمت – بون شك – في تشويه حقيقة الأمة الكوردية ، وفي تشويه حقيقة تاريخها العريق ولغتها الثرية الحية ! .