عتاب الى كل من لم يشارك في الانتخابات النيابية الأخيرة
محمد رضا عباس
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد رضا عباس

كان من المفروض ان تكون المشاركة في الانتخابات النيابية اكبر من النسبة التي أعلنتها الهيئة العليا للانتخابات والتي كانت 44.52% . الانتخابات الحرة الديمقراطية مطلب جميع الشعوب الحرة التواقة الى الحرية والانعتاق . الملايين من البشر قدموا ارواحهم فداء من اجل الحرية والديمقراطية وأبناء العراق الاحرار كانوا جزءا من هذا الحراك الإنساني . و بذلك فاني اعتقد ان عدم مشاركة بعض العراقيين في الانتخابات الأخيرة بسبب غير المرض والانشغال خارج الإرادة انما خيانة لدماء شهدائنا الذين سقطوا أيام النظام الملكي و لشهدائنا الذين قتلوا وتغيبوا في انقلاب عام 1963 المشؤوم و خيانة لدماء شهداء الانتفاضة الشعبانية والانفال و وحلبجة . العراق اعطى اكثر من مليون شهيد من اجل الحرية والديمقراطية و رفض الحكم الديكتاتوري .
العملية السياسية في العراق , وعلى الرغم من المشاكل التي تعرضت لها وتعثرها وعدم تحقيق ما كان يطمح له المواطن العراقي , الا انها تبقى هي الاحسن في المنطقة . العملية السياسية سمحت للمواطن العراقي بالتظاهر وطرح رأيه , وهو ما كانت ترفضه الأنظمة السابقة ويتعرض المعارضين للسجن والاعدام , وسمحت العملية السياسية حرية الصحافة و هي أيضا كانت من الأمور المرفوضة من قبل الحكومات السابقة ولم يستطع المواطن العراقي الا قراءة ادبيات الحكومة , والعملية السياسية أعطت الحرية للمواطن العراقي بالانضمام الى أي حزب سياسي يرغب فيه , وهي حالة كان يتعرض لها المواطن العراقي الى السجن , القتل, والتهجير .
كل من تجاوز الأربعين عاما من العراقيين يعرف جيدا طبيعة نظام حزب البعث الاجرامية في العراق والذي جعل ان يخاف الزوج من زوجته , الاب من ابنه , والجار من جاره . هذا النظام غيب مئات الالاف من شباب العراق بتهم اخطرها انضمام احدهم الى حزب سياسي او ديني . هذا الحزب , جعل من اسياد اهل المدن يخافون من رجل الامن , والذي يكون من العادة غريبا عن ثقافتهم . النظام احتكر جميع ثروات البلد تحت تصرف عائلة واحدة فلم يعرف كم دخل للعراق من إيرادات مالية وكم صرف منها . النظام لم يترك دولار في خزينة الدولة يوم سقوطه , والنظام اوصل المواطن العراقي من الفقر لا ينافسه الا فقراء الهند وباكستان . قصص كثيرة و مرعبة تركها النظام السابق لا مجال هنا لذكرها , ولكن هذه القصص موجودة وسوف تبقى مخلدة لتكن درسا بليغا للأجيال القادمة .
انصار ذلك النظام هم الذين سوقوا لأسقاط التجربة السياسية في العراق , وبكل اسف استجاب بعض المواطنين لهم بعلم او غير علم , بحجج , هم كانوا جزء من المشاكل . هؤلاء الأعداء للعملية السياسية استخدموا ورقة الإخفاقات بعضها حقيقي وبعضها غير حقيقية ليقنعوا المواطن العراقي بالعزوف عن المشاركة في الانتخابات النيابية . فاتهموا الحكومة بعمالتها الى ايران , واخرون الى أمريكا واخرون الى السعودية . واتهموا الحكومة باخفاقها بتوفير الخدمات الضرورية للمواطن وهم يعلمون ان الحكومة كانت تعاني من ازمة مالية خانقة , واتهموا الحكومة وأعضاء البرلمان بانهم جاءوا مع الاحتلال وليس باختيار ديمقراطي وطني , وان وجوه القيادات يجب ان تبدل لكونها جاءت منذ التغيير وأصبحت مستهلكة ولا يريدها الشعب العراقي . واتهموا ان تغيير وجوه القادة اصبح من المستحيل في ظل دستور "ملغوم" ونظام انتخابي "غير عادل". واتهموا ان الانتخابات قائمة على المحاصصة الحزبية وان هذه الأحزاب تملك المليارات من الدولارات ولديها وسائل اعلام ضخمة وجيوش من " المليشيات". واخير طالبو بأسقاط العملية السياسية من خلال رفض الانتخابات , لأنه لا توجد " قوات عسكرية عقائدية للانقلاب او الثورة".
وهكذا , فان من دعا الى مقاطعة الانتخابات كان هدفه ليس حبا بالعراق وعز العراق و حرقته على المواطن العراقي , وانما يريد نظام دكتاتوري يقوده "العسكر" من خلال " انقلاب" او " ثورة". انهم يريدونا الرجوع الى المربع الأول , نظام يحمل بصمة صدام حسين , وقتل وتشريد , لان لا خيار بعد النظام الديمقراطي الا التبعية والدكتاتورية والابادة الجماعية .
لقد فات على المواطن الذي بخل بعشرة دقائق من وقته والذهاب الى مراكز التصويت لاختيار من يرغب به , ان عدم ذهابه للتصويت انما كانت طعنة خنجر بخاصرة من قاد الانتصار العظيم على داعش وتخليص البلاد والعباد من شروره . ان عدم الانتصار على داعش يعني ان جميع أبناء العراق سيكونون ما بين قتيل او اسير او مشرد كما جرى لأهلنا من الايزيديين. وان عدم المشاركة في الانتخابات انما جاء صفعه على وجه من وقف ضد التقسيم و القضاء على الطائفية . هل نسى المواطن العراقي السيارات المفخخة التي كانت تنفجر على المواطنين وسط مدنهم وتحصد أرواح عشرات الأبرياء تقريبا كل يوم ؟ وان عدم المشاركة بالانتخابات كانت ضربة موجعة لمن نجح في إدارة الاقتصاد الوطني ولم يسمح له بالانهيار بعد ان وصل سعر البرميل الواحد 28 دولار بعد ان كان ما يقارب 110 دولار قبل دخول داعش الموصل .
ربما ضارة نافعة , ان نسبة المشاركة كانت قليلة وعلى الأحزاب الفاعلة و الكليات والمعاهد العلمية ومكاتب التحليل ان تدرس سبب هذا العزوف عن المشاركة ووضع حلول لها. الحملة ضد العملية السياسية سوف تشتد كلما نجحت العملية السياسية لتحقيق تطلعات المواطن العراقي . ان الحملة ضد المشاركة في الانتخابات كانت ليس بسبب الإخفاقات الحكومية ,وانما لاسترجاع ملك عقيم , وبذلك سيكون تذرع أعداء العملية السياسية بعدم المشاركة في الانتخابات القادمة مختلفة , حتى لو استطاعت الحكومة الجديدة ان تجعل من بغداد باريس , ومن البصرة الصين , ومن الانبار دبي , ومن السليمانية سويسرا , ومن العمارة هولندا .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat