( فى أعلى نقطة من مكحول )
ربما هذا الصباح الوحيد ,الذى توقفت فيه قدماي , وانا أرى تمدد العشبة القديمة التى نبتت عند الباب الوحيد الذى يلم عائلتى ,حيث قطع الآجر المعشوشب,وبعض العشبات المتيبسة ,حيث تتمدد امى ذات الاربعة والثمانين عامًا ,التى لازمتها امراض العصر,وانا ارجع الى الوراء حيث الشباك الوحيد الذى يطل على شارع منطقة الحلة القديمة .,حيث غادرت تلك النومة الهادئة وهى تلم ثيابها السود على رحيل ابى الروحى قبل اعوام ,كانت تلك الملابس توقظ فى احاسيسي نهاية الحروب التى مرت بوالدى ,وكان يجلجل بصوته ووضوءه الصباحى قبيل صبح كل ليلة ,وفجاءة يطرق الباب طرقات افزعت من فى البيت ,وجدت نفسى معلقا بين الراكضين نحوي واصوات اخرى من أعلى شباك الغرفة العلوية ,من فى الباب ,كانت والدتى تنهض على مهل كما تعودت فى كل مرة ان تزعج والدى الميت بطريقتها الخاصة . لا .مبالاة الام .. وهى تنهض.. سحبت اسمالها السود من ثنايا قدميها النحيفتين و هي تجلس تنتظر ان يفتح احدهم الباب ,لاحظ الجميع السر الكبير لنهوض والدتنا الكبيرة السن ,وهى تمط شفتيها المتيبستين من جفاف سكر الدم لليلة طويلة ,وراينا جميعا الوشم المخفى ,وهو يغطى رقبتها البلورية الشكل ,انتبهت امى لرقبتها الممدودة ,وهى تنظرها باهمال :
_ افتحوا الباب ,انظروا من يطرق الباب فى هذه الساعة !
,كانت امى زوجة لرجل يملك اقطاعيته الممتدة من الباب الخارجى حتى الشباك الوحيد الذى يطل على منطقة الحلة القديمة ,وصوت حزين من خلف الباب ,على باب الله الا من مساعدة (لخاطر الله ) ,هرعت امى بملابسها تخرج عن وعيها المعتاد ,وتدفع بيديها المرأة الكبيرة السن وهى تزمجر بوجهها ,من لايحتاج الله ؟؟ وانتبهت وانا ألملم حقيبتى للسفر الى مكحول ,رجعت امى الى جلستها العادية وبادرتنى , :
_ ياحبيبى ماذا قررت الان ,انت تسافر وانا اظل كطفلة تبكى على والديها المفقودين ؟!
,فاجبت وانا اخفى ولهى تجاه كلماتها ,
_ امى ايام ثم نعود
,.. مدت يديها ورشقت بماء قريب منها , :
_ هذا لسلامتك ارجع حبيبى ارجع الى حيث تكون ؟؟ واترك امك بلا قلق وخوف ,,
(2)
في خارج مكحول
الحياة هى نفسها داخل مكحول ,لافرق بين حياتك وموتك ,او صعود جبال مكحول ,حيث افواج المقاتلين يسيرون نحو يوم الحساب ’,كانت جبال من نوع اخر حيث تسمع اصوات المسافات البعيدة عنك ,واختلاف اصوات العصافير ,مابقى منك لايقوى النهوض وماتبقى منك لايقوى على النزول ,هكذا تحتل المساحات من بقايا اخرين انهزموا ,تركوا صدرك بلا طلقات او ازيز الاحادية المهول ,ومعك من ينظف الفوضى التى تركتها اقدام المهزومين ,كانت مكحول صافية لك ,وهذيان لاينقطع يعبر بك نحو الضفاف الاخرى بلا هوادة ,وهنا فى مكحول لاتطلب من احد شيئا ,( عيب عليك السؤال ..ولو اين الطريق فى مكحول ), ممرات رملية لاتتوقف عن الحركة والتمايل ,,هكذا ثبتت اقدام المقاتلين على الرمال المتحركة ,حيث تنتظر عدوك ان ياتى متحجرا بناره المثقوبة ,ولايجد سوى الطلقات وهى تنهب صراخه ,تترك اثرا كبيرا على وجوه اعدائك ,وهى تتقافز مهرولة عنك ,حيث لاتجد من تسال ,اين هذا الغريب ,القادم من الجنوب ,بخاصرة مثقوبة ,من جراء السيارات المفخخة ,والام مخاض زوجته المحاصرة بالفقر التاريخى الذى وسم كل شى فى تللك المناطق الجنوبية الامنة المترعة باهوار شابة ,حيث تتدحرج اقدام الفتيات على ضفاف هور الحويزة ,الآن هذا الغريب يجلس فى اعلى نقطة فى مكحول ,يسال عن اخبار زوجته الحامل ,وهو يمسك موبايله القديم ,ويتمتم ,كيف بك الان وقد ولدت امراتك وانت بعيد ,وانت تقف طول الطريق الواصل بين بيجى ومكحول ,وهى اراضى رملية رطبه صخرية باردة ,لاتملك فى تلك اللحظة سوى التفرس فى اخر مغيب للشمس فى تلك المناطق ,وهى تحز راسك بطلقات القناص ,لطالما كانت لحظات مغيب الشمس القاتلة ,كان شروق الشمس فقط من يجعل جباههم ووجوههم الملثمة تستقبل طلقاتنا الدقيقة ,انا والغريب الجنوبى ,نتلمس بقايا حقيبة السفر لعل شيئا جديد وغريبا قد دسته اصابع زوجتك الزعولة دوما ,الان من اعلى قمة فى مكحول لم نجد فى حقيبة السفر,سوى ادعية وحرز قديم لازمنى اعدته امى لابى ومازال معى ,هذا الحرز عزيز على اذ يجعلنى املك رائحة امى وهو تلفه فى ملابسى ..
(3)
أسفل مكحول...أعلى مكحول
من المحتمل ان اكون قد هويت مع كل مناطق العدو بين اصابع الطلقات ,العدو الذى لطالما ترك اثاره ,ويبتعد كثيرا ,عندما يرون كوفية الجنوبى ,وهى تتكور حول رقبته السمراء الممتلئة ,أنا والغريب نحسب الطلقات فى كل مرة ,ونتامل اى طلقة ستكون هى الفاصلة ,التفت الى الغريب ,ودفعت بين يديه ,طلقة واحدة ,مسكها من مسافة نصف قريبة ,وسحبها بقوة وهو يتاملنى ,اطمئن الطلقة لن تترك اثرا فيك ابدا ,انت حلاوى ,والحلى تميزه من بين الف شاب ,انت موشوم من صغرك ,وعينيك الزرقاوين ,ستكون طلقاتك هى الشجرة الوحيدة المتسلقة رقاب الاعداء ,وفى حركة مفاجئة قبل مابين جبهتى وانفى المزكوم ..حسن ..انت اجمل مافى مكحول ,وانا ارتب لك ترتيبًا آخر ,فى عمق الصينية ,لعلك تكون شهيدا ,او لعلك تمتطى آخر جسر للصينية قرب قصور سبايكر حيث تشم رائحة الوسط والجنوب ..أتعلم صديقى ,ان وطنى مجهول حتى تلك اللحظة التى تركت فيها البصرة .وانا غائص فى وحل الطين هذا ,كلما امتدت قدماي نحو منطقة أخرى ,كان الوحل يحاصرنى ,هكذا هى المناطق التى تحتلها داعش ,طينية ووحلة,,فقط كانت فى مكحول رملية ,كلما تقدمت اكثر زادت الطين بلة ,هكذا الحروب داخل وطن محتل ,حيث ترك الاهالى تربتهم لقادم غريب ,حول تلك الرقصات الغربية الى وحل لاينتهى ؟؟ وانت حسن ,فى هذا الهجوم الخامس ,ظللت قابعا وحيا ,حيث تبعتد الطلقات بعيدا عنك ,حسن ..ياحسن ..
(4)
آخر وشم لأمي ..
أعطنى سببا كافيا لأطمئن أن الذى فى رأسى هى مجرد أحلام ,ان تكون بعيدا وقريبا وشجاعا فى نفس الوقت ,ان تكون كذلك فى جبهة القتال المترامية الأطراف وان تعبا اسفل قدميك يستبيح كل الاراضى الموحلة البعيدة الباردة ,انه زمن التصرفات الغريبة أن تكون شجاعا ولم تختبر تلك الشجاعة بعد ,وان تكون راميا ممتازا وأنت لم ترم طلقة بعد ,أيام حبلى وانأ انتظر عدوى ان ياتى او لا يأتى ..لافرق .سيموت بين يدى ..
حسن ..حسن ..ابو فلاح ..فلاح الولد الذى لم يأت بعد .تسمع صياحه المزعج وضحكاته المجلجلة ,فى صبيحة كل يوم حيث امى ,تمط ارجل ولدى فلاح ,وتوشمه فى اسفل قدمه ,اين اجد ذلك الغريب الان لينتشلنى من تلك الوحدة ,حيث امتطى قبل الزوال قمة مكحول مع ثلة من المقاتلين ,وهاهي الشمس تغادر تلك المنطقة وقد صعد اليها الشبان ,كلما مر المجاهدون فى منطقة جديدة كلما غربت الشمس ,هكذا الغروب فى تلك المناطق الباردة الموحلة فى القدم ,تنز من اقدامنا وصياحنا وتهليلنا ورايتنا ,.. امى الان نائمة عند العتبة .تمسح عن وجهها اتربة السؤال من المارة حيث يطرقون باب الوالد ..على باب الله ..دفعت الباب بهدوء ..فاجاتنى امى ادخل ياحسن ..أحسست برائحتك منذ دخلت منطقة الحلة القديمة ..
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat