صفحة الكاتب : إيزابيل بنيامين ماما اشوري

محكم ومتشابه ، ظاهر وباطن ، التفسير الظلي في المسيحية. 
إيزابيل بنيامين ماما اشوري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

التفسير الباطن ميدان يجول فيه المفسر برأيه فيأتي بالاعاجيب التي لا دليل له عليها وهذا من اخطر ما يُحارب فيه ظاهر الكتب المقدسة. فهو الباب الذي تلج منه الزندقات والهرطقات فتخلق لها آلهة لا تشبه تلك الالهة الموجودة في الكتب المقدسة اوهام واصنام تعيش في عقول المفسرين يستخدمونها متى شاؤوا للتأثير على الناس.

التفسير الباطن فيض يحل ضيفا على العقل فيُلهمه ما تعجز عن ادراكه بقية العقول. هي وحي وايحاءات وايماءات واشارات يجهد العقل نفسه من اجل الوصول إلى كوامنها وهذه الميزة لا يمتلكها اي احد بل هي تاتي عن طريقين لا ثالث لهما .

الطريق الاول : الاحاطة المعمقة لمعاني الكلمات واستخداماتها وفك اسرارها والنظر لها بعين الباطن لا الظاهر الملوث باكدار هموم الحياة.

الثاني : فيوضات واشراقات وومضات قد تأتي متفرقة او مجتمعة ، فإذا اتت متفرقة عليك لملمة شتاتها لكي ترى الصورة واضحة ، واذا جاءت مجتمعة فهذا يعني انك ضمن فيوضات الرب.

المشكلة في المسيحية انها تستخدم (التفسير الظلّي).وهو تفسير كيفي يزعم فيه المفسر بأن تحت ظل كل فقرة او كلمة يوجد تفسير آخر لا تُدركهُ العقول وحجته في ذلك تنوع مقاصد الرب في كل كلمة ، وهذا النوع من التفاسير يطلق عليه المسلمون : التفسير الباطن.

ولعلنا نرى مثالا على هذا النوع من التفاسير في قول القديس (اندرواس الكريتي) الذي يقول : (في قصة لوط وسدوم وجبل صوعر هناك قصد وتصميم الهي وهو الذي ورد في سفر(تكوين 19). (فلوط يحمل معنى أعلى منه وقد يكون غير واع له).

أندرواس هنا يجعل لهذا التفسير باطن فيجعل من لوط شخص يهذي (يهجر) لا معنى لكلامه ولذلك فهو غير واع لما يحمله من شرف النبوة فشرب الخمر لكي يتخلص من ضغط الضمير وسمح لأبنتيه بالزنا معه من اجل هدف اسمى وهو انجاب بشرية جديدة.

وقد اعتمد المجمع التريدنتيني – ترنت سنة (1542-1563) هذا النوع من التفسير في تبرير عملية الخطيئة الاصلية فبنوا عليها عقيدة الاعتراف وهي اخطر عقيدة عرفتها البشرية حيث يتم تبرير كل الجنايات والجرائم والموبقات على انها كانت نتاج سذاجة الانبياء وحماقتهم ، وبما ان الرب غفر للانبياء خطاياهم تلك ، فهو اذن سوف يغفر لبقية الناس لو اعترفوا بذنوبهم امام القس ، ومن هنا نشأت أيضا صكوك الغفران ، وبيع قطع اراض في الجنة.

يقول القديس ثيوفيلوس الانطاكي مبررا وجود امثال هذه الرويات وتفاسيرها العجيبة : (ولمّا كان الكتّاب الملهمون ساميين فانهم يسردون التاريخ لا بموجب قواعدنا العصرية، بل وفق الطرق السامية الشرقية القديمة القائمة على جمع (الذكريات). فلا عجب أن نجد أموراً لا تتوخّى الواقع التاريخي كأرقام غريبة،وروايات مزدوجة، واوصاف ملحمية بشرية ، هذا هو شأن الكتاب المقدس في معناه الباطن. ولأن كاتبه (بشري) يمكنني أن ابحث فيه، سواء أكنت مؤمنا أم لا. لكن لا استطيع أن أدرك المعنى الحقيقي الذي قصده الكاتب المقدس بالهام الروح القدس، فيجب مراعاة التقليد الحي للكنيسة جمعاء، لأنها المستودع الحقيقي الاوحد للتعليم فلا يحق للمؤمن أن ينكر ما توصل إليه العلماء استناداً إلى الدين، ولا يحق للعلماء إنكار معطيات الدين استناداً إلى العلم). طبعا من هنا ترى اصرار الكنيسة ولقرون عديدة بأن الارض مسطحة وهي واقفة على قرني ثور او ظهر سُلحفاة واعدمت حرقا بالنار من يقول بغير ذلك . وانطلاقا من التفسير الظلي ــ الباطن ــ فإن المفسرين يقولون بأن عملية الطوفات لم تكن بالماء ، بل هذا معنى ظاهري واما التفسير الباطن هو غرق البشرية بالذنوب ولذلك لابد من وجود سفن نجاة وهي الاعتراف الذي سوف يجرف الذنوب والخطايا بمساعدة الكاهن. وإبراهيم لم يكسر الاصنام بل ازال الاوهام. وهكذا

تحت ذريعة لا يحق للعلماء إنكار معطيات الدين استنادا إلى العلم.ولذلك نرى البابا كيرلس اول من افتى بقتل العالمة المصرية الاسكندرانية (هيباتيا) التي كانت عاملة بالميكانيكا وغيرها من علوم .

فرأي كل العلماء نيوتن ، فرويد ، باسكار ، نيتشه ، ماركس ، لا يُساوي وجهة نظر قسيس صغيرة لانهم لا يفهمون بواطن كلامه لانه مسدد بالروح القدس.

لا تقل لي الكنيسة اليوم والعلم اليوم . فلا وجود لكنيسة الكنائس اداة بيد السياسة وهي اطوع لها من بنانها. وهي المبرر الأوحد لكل السياسات الفاسدة في هذا العالم الذي ينحدر نحو الهاوية ، وإلا بماذا تبرر سكوت كل كنائس العالم عما يجري من اعمال مخيفة تكاد تتسبب بهلاك الأرض ومن عليها.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


إيزابيل بنيامين ماما اشوري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/05/06



كتابة تعليق لموضوع : محكم ومتشابه ، ظاهر وباطن ، التفسير الظلي في المسيحية. 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 2)


• (1) - كتب : عامر ناصر ، في 2018/05/18 .

ألأخ محمد حياك الله وحيا السيدة آشوري ، إن ألإدراكات العقلية نسبية ، أي أن ما يدركه ألأنبياء عليهم السلام غير ما يدركه العلماء وما يدركه هؤلاء غير ما أدركه أنا مثلاً ، فنفي ألإدراك ليس تغييباً للعقل دائما وإنما هو تحديد القدرات العقلية المختلفة عند الناس ، ومن ألأمثلة على ذلك أن العقول لا تستطيع إدراك ماهية الله سبحانه أو حتى بعض آياته مثل قوله سبحانه ( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21)الحجر ، فقد إحتار العلماء في تفسير خزائن ألأشياء كيف تكون وما طبيعة هذه ألأشياء المخزونة وكيفية الخزن وما هو ألإنزال ، كذلك إحتار العلماء وحتى العلم أيضاً في تفسير معنى الروح ، إذاً العقول محدوة ألإدراك أصلاً ، تحياتي .

• (2) - كتب : محمد مصطفى كيال ، في 2018/05/07 .

السلام عليكم
القصد من "معنى لا يمكن ادراكه" هو اغتيال العقل او تغييبه تماما في فهم نص معين
يمكن القول ان مدينة بغداد داخل الخرزه الزرقا تبعة الحريري واقناع الناس بذلك!
بتعييب عقلهم وتحويلهم الى قطيع من البهائم.
ما يحتاجه الحريري لكي يؤمن الناس بذلك هو شخص كالقرضاوي يقول لهم "بكيفيه لا يعلمها الا الله".
عمليا "الكيفيه" هي احد اهم الاسس العقليه للفهم
دمت بخير مولاتي




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net