صفحة الكاتب : خالد محمد الجنابي

صريع العبرات وسيد الشهداء الامام الحسين عليه السلام
خالد محمد الجنابي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

من بوابة كربلاء ، ومن الرغبة في الإصلاح ، وضمن التدرّج في تحقيق الهدف النبيل ، وضع الامام الحسين عليه السلام الآلية التي يسعى من خلالها الى توطيد ركائز الدولة الاسلامية .
من تلك البوابة ، وبذلك العمق الرباني الذي فاض به قلب الامام الحسين عليه السلام مضافا له التطلع دائماً نحو ما هو أفضل وأصلح لأمة الاسلام ، وبما ينسجم مع أوضاعها وظروفها ، ووسط كل الخطوب التي تكالبت عليه من قبل يزيد بن معاوية اللعين ومن لف لفه لعنهم الله جميعا ناضل الامام الحسين عليه السلام من اجل ان تكون رسالة جده المصطفى صلى الله عليه واله وسلم كما اراد لها الله سبحانه وتعالى ان تكون لا كما اراد لها يزيد الفاجر الفاسق اللعين .
وفق هذا التصور والقراءة الصحيحة لكل خطوة يخطوها في طريق جهاده العظيم أعطى الامام الحسين عليه السلام  كلّ مرحلة من مراحل الجهاد حقها في تحقيق اعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى .
الاصلاح كلمة عظيمة لها دلالاتها ومعانيها الكثيرة وقد تحققت تلك الدلالات والمعاني من خلال ثورة الامام الحسين عليه السلام .
كتبتُ من قبل عن تلك الثورة ، وكتبَ كثيرون غيري ، وسيكتب آخرون غيرنا ولن نتوقف عن ذلك حتى الرمق الاخير من الحياة ، لكن هل نتمكن من ان نستوعب دروس تلك الثورة ؟ الجواب ، لا ، كونها اكبر من كل طاقة استيعابية نمتلكها مما يتوجب علينا ان نفهم وبشكل دقيق كل ما  سعى اليه الامام الحسين عليه السلام خلال تلك الثورة ، ليس نحن فقط ، بل إن الأمتين العربية والإسلامية ، على امتداد المساحة التي تقيم عليها ، وبكل هذه الكثافة السكانية التي تتواجد في هذا الجزء الهام من العالم ، مطالبة الآن أن تراجع وتستذكر ثورة الامام الحسين عليه السلام لمعرفة مدى علاقتها بالظروف التي تمر بها ، على أمل أن تتضح الرؤيا لما غاب طويلا أو غُيّب عنها ، وان لاتنسى تلك الفاجعة الكبيرة والمؤلمة ، في دمويتها ، ومشاهدها المروعة ، كي تتعلم كيف تبني المستقبل وفقا لذلك التاريخ العظيم الذي كتب بالدماء الطاهرة التي سالت من جسد الامام الحسين عليه السلام ومن تلك الاجساد الطاهرة التي شاركته بكتابة ذلك السفر الخالد .
ولد الامام الحسين عليه السلام يوم 3 شعبان سنة 3 للهجرة واستشهد في اليوم العاشر من محرم الحرام سنة 61 للهجرة وعمره 58 سنة ، لقد دخلت السنة الثالثة من الهجرة لتشهد الولادة المباركة للإمام الحسين عليه السلام في بيت الامام علي عليه السلام وفاطمة عليها السلام في المدينة المنورة ، وتدرّج الإمام الحسين عليه السلام في كنف جدّه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ينهل من منبع علمه الفياض ويقتبس من أنوار أخلاقه ومعارفه ، وشملته الرعاية المحمدية ست سنوات "حسين مني وأنا من حسين" ثم انتقل إلى مدرسة والده العظيم علي بن أبي طالب عليه السلام مقتدياً بنهجه مدّة ثلاثين سنة في حفظ الدين وإدارة شؤون الأمة ومشاركة والده في حروب الجمل وصفين والنهروان ، هو سيد الشهداء وسيد شباب أهل الجنة أبو عبدالله الحسين بن علي بن أبي طالب "عليهما السلام"، وهو خامس أهل الكساء وأمه سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء بنت رسالة الله صلى الله عليه واله وسلم ، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه واله وسلم أنه قال : ( حسين مني وأنا من حسين ) ، ولما ولد سماه جده حسينا وكان دائما يعظه ويحمله ويعرف به المسلمين ويقول : ( هذا ابني أحب الله من أحب حسينا ) ، كان عليه السلام على جانب عظيم من مكارم الأخلاق والشجاعة والإباء ، ما قصده أحد بحاجة ورجع خائبا وكان يتفقد الفقراء والمساكين ويكرمهم ويحسن إليهم ، وكيف لا يكون كذلك وهو ابن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وسبطه .، وبوقفته في كربلاء يضرب المثل في علو نفسه وإبائه وشممه وشجاعته ، وهو القائل في ذلك اليوم لأنصار بني أمية ( لقد منتكم شوكتكم أني أنقاد لطاغيتكم الملحد أبى الله ذلك لي ورسوله وجدود طابت وحجور طهرت لا نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام ) ، وهو القائل ( إني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما ) ، وأما عبادته ، فقد كان أعبد الناس وأتقاهم وقد حج خمسا وعشرين حجة ماشيا على قدميه من المدينة المنورة إلى مكة والنجائب تقاد معه ، وكان الناس إذا رأوه يترجلون معه هيبة منه ، وأدعيته المشهورة تشهد له بعبادته ، إن الحديث عن الامام الحسين عليه السلام ليس مجرد سرد تاريخي لقضية احتلت مرتبة الصدارة في صحف التاريخ البيضاء ، بل هو حديث عن أروع الأمثلة المقدمة للبشرية في الدفاع عن الحقوق المغتصبة وأهمها وفي مقدمتها ( سرقة قيادة الأمة من أصحابها الشرعيين ) إن الامام الحسين بن علي عليه السلام لم يكن في يوم من الأيام حكرا على فئة من البشر أو لطائفة معينة دون أخرى فهو عليه السلام مثل جده الرسول الأعظم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وهو رسول الإنسانية اجمع ، ولم يكن أيضا حكرا لجهة دون أخرى فهو الامتداد الطبيعي وبشهادة الموافق والمخالف لرسول الله ( صلى الله علية وآله وسلم ) ، وهذا ما صدحت به حنجرة الرسول الأكرم في عدة أمكنة وأزمنة حيث يقول رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ( حسينٌ مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسيناً) وبالرجوع إلى إن رسول الله لا ينطق عن الهوى فهو يبين تعاليم السماء على بسيطة الأرض ولك بعد ذلك أن تقرا ما تشاء من هذا وغيره من الأحاديث ، إن ثورة الامام الحسين عليه السلام منذ انطلاقتها من المدينة وما بدا منه في بيان الحجة للتحرك إلى العراق والحكم الشرعي الذي ظل ملازما له طوال حركته ولم يغب عنه لحظة ، ثورته كانت تقع في نظام تجسيد إقناع الأمة بضرورة العودة إلى حكم الله في خلقه ووضع الأشياء موضعها الطبيعي والترفع عن مغريات الدنيا وترك غصب الحقوق وظلم الإنسان لأخيه الإنسان ، وبعيدا عن كل ما جرى من الإحداث التي سبقت خروج الإمام الحسين عليه السلام إلى كربلاء وحتى استشهاده ، فان في ثورة الحسين عليه السلام عبر كثيرة ما أحوجنا اليوم لتطبيق ما جعلناه خلف ظهورنا  والتزمنا بالنزر اليسير من غيره ، فهل ينكر أحد بان ثورة الإمام  عليه السلام كانت نظاما اجتماعيا متكاملا ؟ وهل يرفض أحد بان الحسين عليه السلام كانت نهضته نهضة الأحرار ؟ لقد تحرك حسين (الإنسانية) بطريقة التذكير لكل إنسان على وجه الخليقة من اجل احقاق الحقوق ومواجهة محاولات تغيٍر معالم الكتب السماوية ، فما كان منه إلا أن يلقي الحجة على كل من سمعه أو شاهده ( بان الحق لا يعمل به وان المنكر لا يتناهى عنه ) ، ولم يكن في ذلك مجبرا لأحد بل استخدم نظام التثقيف العلمي وترك حرية الاختيار لصاحب العقل الرشيد ، ولم يسلك مسالك الترغيب والترهيب  لأحد بقدر ما نصح ووعظ وبين الضلالة من الهدى  (  ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيا على بينة ) ، وبعد ذاك وقبيل ليلة العاشر من محرم عاد من جديد ليطرق أسماع من تبعه بان ثورته ليست ثورة الجبابرة التي تحرق الأبرياء من اجل عروش زائفة أو منافع زائلة بل هو تكليف شرعي يرى فيه إقامة الحق ونصب منبرا لكل مظلوم سيبقى يرتقيه المطالبين بحقوقهم مرور الليالي والأيام ، ورغم معرفته بمن تبعه  فقد ذكّر أصحابه  بحق الاختيار  وخيرهم بين البقاء وبين تركه يقود ثورته في ساحة الوغى لوحده حيث يقول سلام الله عليه مخاطبا أصحابه ( ألا وان هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا فان القوم يطلبوني فان ظفروا شغلوا عن غيري ) ، وهذا يصور قمة حرية الاختيار بلا تزيف أو تلبيس الحقائق بثياب غير ثيابها رغم كون تلك النهضة هي نهضة الحق كله ضد الباطل كله


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


خالد محمد الجنابي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/12/03



كتابة تعليق لموضوع : صريع العبرات وسيد الشهداء الامام الحسين عليه السلام
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net