من مكامن عظمة الإمام الحسين(ع)
ابو حسن النقوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ابو حسن النقوي

كم من الجميل أن تمتلك ثروة تحيى بها سعيداً منعّماً، وكم هو رائع أن تكون لك شهرة ووجاهة وسلطان، وكم هو أروع أن تمتلك علماً ينير لك دربك في الحياة، ولكن كم يهين هذا الانسان نفسه ويضع من قدره عندما يتبجّح مفتخراً متكبّراً بكل ذلك!
فلسبب ما جرت عليه العادة من تقدير الحاكم لحكمه، والعالم لعلمه، والوجيه لوجاهته.. جعل الناس يحسبون أن بذات النعم يكون الانسان ذا كرامة على الله، فمثلاً لأن الحاكم قد أنعم الله عليه بالحكم فلا ضير من ظلمه وجوره لأن الله قد أكرمه بنعمة الحكم، هذا هو ما نقرأه في كتاب الله العزيز عن ذلك الانسان الذي يغتر بنعم الله عليه حتى يجعل من نعمه كرامة لذاته فلا ضير أن يظلم ويضل ويلهو بتلك النعم؛ يقول تعالى بعد أن ينقل بطشه بالظالمين عاد وفرعون وثمود يخبر بالمشكلة التي يعاني منها هؤلاء: (فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ).
[سورة الفجر 15]
هكذا يكون الانسان المغترّ بنعم الله عليه، يظن أن به على الله كرامة إذ أرغد عليه من نعمه فيظلم ويقتل ويلهو ويسرف.
ويظن ذلك الانسان أن من لم يُقدَّر له من نعم الله سبحانه كان به على الله هوانه فيستحق الحياة الذليلة والمعشية الصعبة ولا ضير من تشريد هؤلاء وعبوديتهم.
ذلك هو مقياس التعامل عند الماديين الذين غرّتهم زخرف الحياة الدنيا، إذ يقيّمون أنفسهم والناس من حولهم بنعم الله عليهم؛ إذ يرون قيمتهم فيما يمتلكون من ثروة أو جاه أو سلطان أو.. .
فهذا فرعون قد جعل من نفسه إلهاً يُعبد من دون الله لما كان له من قصور وحلل وأنهار تجري من تحته، وذاك بلعم بن باعوراء الذي بلغ من التقرّب الى الله ما بلغ حتى أعطاه الله الاسم الاعظم فاغتر وراح يدعو على نبي الله موسى، وقارون الذي امتلك من الثروة (...مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ…) فجعل ينسب إلى نفسه الفضل بما قد كان له من الثروات، ولو لاحظنا أن هؤلاء النماذج قد جمعهم أمر واحد وهو أن جعلوا من نعم الله كرامة وفضيلة لهم، بينما النعم من سلطان أو علم أو ثروة ليست بحد ذاتها فضيلة، بل قد تكون استدراج من الله سبحانه كما قال الإمام الحسين (ع): *"الاستدراج من الله سبحانه لعبده أن يسبغ عليه النعم ويسلبه الشكر." [ تحف العقول]
وإنما تكون النعم تحت عنوان الفضيلة والكرامة على الله عندما يكون الانسان لديه حس المسؤولية وعلى وجل من التقصير إزاء ما قد أنعم الله عليه، كما نقرأ في مناجاة الشاكرين "إِلهِي...،هذا مَقامُ مَنِ اعْتَرَفَ بِسُبُوغِ النَّعْمَاءِ وَقابَلَهَا بالتَّقْصِيرِ، وَشَهِدَ عَلى نَفْسِهِ بِالإِهْمَالِ وَالتَّضْيِيعِ، ...، إِلهِي تَصَاغَرَ عِنْدَ تَعاظُمِ آلائِكَ شُكْرِي،..."
وأعظم نعمة يمكن أن يعطيها الله للانسان الإمامة، وقد جعل الله سبحانه وتعالى من الحسين (ع) إماماً يُقتدَى به، فمن شكر الله على هذه النعمة أن يكون سلوك الإمام ومواقفه منهجاً يتطلع إليه الناس مهما كانت التضحيات، ولقد كان الإمام الحسين (ع) بموقفه في كربلاء شاكراً لنعمائه سبحانه، إذ ضحّى بكل ما يملك عندما رأى أن صلاح أمة جده بذلك.
وهنا تكمن عظمة الامام الحسين(ع) فمع معرفته بقدر نفسه وأنه إمام مفترض الطاعة إلا أنه لم يجعل خصوصية الله له بالنعم ومنها النعمة الكبرى وهي الأمامة لم يجعل لنفسه الافتخار، ولم يسمح بأن ينسب لنفسه الكرامة من دون أن يقوم بآداء شكر الله إزاء كل ما أعطاه، وكان ذلك الشكر له بأن يبلى بلاء حسنا وأن يرى أهله وذويه وأحبابه مقتّلين صرعى وأن يقتل عطشاناً على قربه من شط نهر الفرات.
فهو صاحب النفس المطمئنة، فعندما اخبره جده رسول الله (ص) "إن لك في الجنة درجات لا تنالها إلا بالشهادة" [أمالي الشيخ الصدوق] لم نرى منه إلا التسليم وعدم الاعتراض لسبب أو لآخر مع معرفته كم قلنا سابقا أنه امام مفترض الطاعة، ونرى منه الاصرار على الشهادة عندما أتوه ملائكة العذاب يستأذنونه في إنزال العذاب على أعداءه لم يأذن لهم بذلك.
فقطع الإمام الحسين(ع) الطريق على كل من تسول له نفسه تبرير التكبر والاغترار بمجرد امتلاك النعم فيظلم ويضل ويفسد بدعوى أن الله أكرمه بتلك النعم.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat