مداخلة الأستاذ عبد الله الجبوري الطائفية، لصالح من جاءت؟
صالح الطائي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
صالح الطائي

تحت عنوان: (مغزى واقعة الطف في قول الرسول الأعظم (ص) "حسين مني وأنا من حسين") كتب الأستاذ الفاضل عدنان عبد النبي البلداوي موضوعا حسينيا نشر في الرابط
http://www.kitabat.info/subject.php?id=11779
في موقعنا الموقر (كتابات في الميزان، وحسب ما تعودتك عليه وتبعا لتخصصي البحثي أتابع عادة مثل هذه المواضيع لأعرف مدى جديتها وإبداعها، وقد رجعت لهذا الموضوع تحديدا أكثر من مرة فوجدت في إحداها مداخلة للأستاذ عبد الله الجبوري كان فيها الكثير من التجني والتطاول ليس على الكاتب وحده ولا على الموقع وحده ولا حتى على الحسين عليه السلام وحده وإنما كانت في منتهى التطاول على الإسلام كله بسنته وشيعته، وهو المر الذي دعاني لكتابة هذا الموضوع الذي كان بالأصل مداخلة للرد عليه ولكنه تشعب وطال فارتايت نشره مستقلا، والله من وراء القصد.
بداية أقول للأستاذ الجبوري: من حقك أن تدافع عن معتقدك الديني بالطريقة التي تراها مناسبة والتي لا تستلب حق الآخر او تتطاول على مقدساته، ولن يعترض عليك معترض ما دام ما تأتي به قائم على مبدأ العلم والبحث الرصين والعدالة، ولكي تكون منصفا كما يريدك الإسلام المحمدي وليس الإسلام السياسي او المذهبي التحزبي يجب أن تكون عادلا، وهو ما افتقرت إليه للأسف الشديد، والظاهر انك لم تطلع على القصة الحقيقية لثورة ونهضة ومسيرة واستشهاد الإمام الحسين عليه السلام ولذا جاء شقك مائلا (كما يقول أبو هريرة) لأنك لم تعدل، والدليل انك ضخمت ما تراه أو تفهمه (باطلا) وأغفلت وجانبت ما تراه (حقا) ولو كنت تمتلك نزرا يسيرا من الأعلمية لما تجاهلت الحق الذي جاء به الباحث، وهذه أولى هفواتك التي تفضح مقصدك من المداخلة.
ولو عدنا إلى نقاطك التي أردت أن تثبت من خلالها باطلك المزعوم والتي وصفت فيها كلام الأستاذ الباحث البلداوي وفقه الله وسدد خطاه بقولك: "كلام يخلط الحق بالباطل ومن الباطل" سنجدك بعيدا عن الحق ومجانبا للصدق، فتعال لنسير مع البحث ومع نقاطك خطوة خطوة لنعرف مكمن الحق في أي جهة، هل سنجده في تجنيك ومهاتراتك الخالية من العلمية والمسؤولية والحرص الديني ام سنجده في الحديث الموزون للباحث البلداوي.
1- وصفت في النقطة الأولى ما جاء به الباحث على أنه: " جرأة عجيبة تدل على تهور الكاتب******** حين يصف أمة الإسلام في تلك العصور النيرة بمثل هذه الأوصاف." [النجوم في الاقتباس من وضع المتداخل] وكأنك تريد استهلال نقاشك بهجوم يضعف الجانب الآخر، وهذا أول ما تؤاخذ عليه لأن من ديدن المتعصبين أنهم يرمون من يحاورهم بالرفض والكفر والتهور والجرأة غير المحمودة حينما يعجزهم قولا حتى ولو كانت مسمياتهم منافية للواقع،فالرجل لم يتحدث عن الدين العقدي الذي يؤمن به الشارع الإسلامي، وإنما تحدث عن الدين السياسي الذي كان يقود الحياة في حقبة مضطربة من عمر الإسلام، وهو الدين السياسي الأموي المبني على المَلكية الوراثية الكسروية التي تحدثت عنها وعن صفتها وصيغتها ومخالفتها للمألوف الأحاديث النبوية التي وصفت عصر الخلفاء الراشدين بأنه (خلافة ورحمة) ووصفت عصر الأمويين بأنه (وراثية كسروية)، وهذا الدين السياسي هو المؤسس للنظام القائم على مبدأ الخروج على الخليفة الشرعي الذي أسهبت كتب الأحكام السلطانية بالحديث عنه وعن عواقبه، فمؤسسه معاوية خرج على مجموع كلمة الأمة وقاتل الخليفة الراشد الذي اختارته الأمة طواعية، ولكن للأسف لم يتبرع أحد من المسلمين لقتله استنادا إلى الحديث الصحيح (فأقتلوا الآخر منهما) ثم ما رأيك بيزيد الفاسق الفاجر (باعتراف كل المدارس الإسلامية) الذي أنتجته هذه المنظومة السياسية الدينية وجعلته (أميرا للمؤمنين)؟ ألا يكفي ذلك وحده ليكون دليلا على صدق ما جاء به الباحث وكذب ما افتريته عليه أيها الأستاذ؟ نصيحتي لك أن تذهب وتقرأ ما في كتب المدارس الإسلامية كلها عن يزيد عسى أن تعرف بعض الحقيقة.
2- أما النقطة الثانية فأقول بشأنها: إن الباحث الفاضل أراد القول أن في قول رسول الله صلى الله عليه وآله (وأنا من حسين) الوارد في الشق الثاني من حديث (حسين مني وأنا من حسين) تأكيد ضمني على أن الإمامة ستئول إلى الحسين عليه السلام بعد انتهاء عصر إمامة أبيه وأخيه الحسن عليهما السلام وهو الأمر الطبيعي، ولذا قال الباحث: "حتى آن أوان الممارسة الميدانية في تفعيل النصف الثاني من قول جده ( وانا من حسين) ، فبدأ بذلك بعد استشهاد والده الإمام ، ثم استشهاد أخيه الحسن عليهما السلام" أي أن عصر إمامته بدأ بعدهما. وقد أراد الأستاذ الجبوري لي عنق النص ليحرف الكلم عن مواضعه وللآسف، وألا فالإمامة أقرت من خلال مئات الأحاديث النبوية التي ترويها المدرستان الإسلاميتان، وفي الأقل ما ورد بشأنها في قصة حديث الغدير، علما أن منهج التحريف والتدليس الذي اعتمده المتداخل ليس جديدا ولكني أرى أن زمانه قد انتهى بعد أن أصبح النت واسطة لإيصال المعلومة السريعة إلى غرف النوم. ثم هل أن السائل قليل فهم أو جاهل لكي يستفسر بقوله: (فلماذا سبقه علي والحسن) وكأنه يريد القول أن ما فهمه من قول الباحث أن النبي صلى الله عليه وآله أقر بالإمامة للحسين وحده وهذا مخالف لما هو شائع بين المسلمين، ثم أليس في سبقهم دلالة على أن النبي (ص) هو الذي أقر الإمامة لعلي ومن بعده الحسن؟ وأن عليا والحسن عليهما السلام أرادا ممارستها فتصدى لهما الإسلام السياسي ومنعهما، ومع ذلك مارساها في حدود المتاح ثم مارسها بعدهما الإمام الحسين. وهذا هو التدرج الطبيعي لوصول الأئمة الاثني عشر من قريش إلى سدة المسؤولية الشرعية، وهم الأئمة الذين ذكرهم النبي كما في البخاري وغيره.
3- في الفقرة الثالثة يحاول الأستاذ الجبوري خلط الأوراق والقفز على الحقائق، فهو قبل غيره يعرف أن عدم إعطاء البيعة ليزيد يعني رفض الاعتراف بتنصيبه كسرى للمسلمين، والامتناع هو أول مقدمات الثورة، فالإمام يرفض المبايعة لأن أخلاقه التي نشأ عليها تلزمه بالوفاء بها في حال إعطائها ولا يجوز له نكثها، كما أن البيعة تلزمه بعدم الخروج مطلقا لتصحيح الأوضاع المحرفة مما يسهم في تنامي حالة الفلتان والتهتك، ولذا حاول التملص منها لكي لا يتهم بأنه ناكث للبيعة، ولأنه الإمام المنصوص عليه من الله تعالى فالأولى به أن يمارس إمامته بالخلق الإسلامي وليس من خلال نكث البيعة سواء كانت قسرية أم اختيارية، وعليه خرج الإمام ليتخلص من إشكالات البيعة ليزيد، ولكي يثور ويرفض تعيين الدعي ابن الدعي على رقاب المسلمين وليس في عنقه بيعة له أو لغيره.
4- المتداخل الأستاذ الجبوري يتحدث في النقطة الرابعة عن كتب أهل الكوفة، وكان الأحرى به قراءة ما جاء في أقوال الأستاذ الباحث قبل وبعد هذه الجملة ليفهم معناها ومعنى ما أراده منها، أما أن يوردها بهذا الشكل الغامض فهو التدليس بعينه، فقد جاء في أقوال الباحث ما يبين أسباب اختيار الإمام للكوفة مقرا دون غيرها، ومنه قوله: " فمهما كان التفنن في التحليل فإن تحصيل حاصل جميع خطبه وأقواله عليه السلام قد أكد بأنه أكثر دقة وأبعد نظرا من جميع هذه الاستنتاجات، لأنه عليه السلام قد ذكر من أول يوم طلب منه أن يبايع ليزيد بأنه مقتول لا محالة ، سواء اتجه إلى العراق أو إلى غيره، ولكنه آثر الاتجاه إلى الكوفة ، لإلقاء الحجة على من بعث إليه بالكتب والوفود" وفي هذا القول الرد الأوفى على تخرصات المتداخل.
5- في النقطة الخامسة حاول الأستاذ الجبوري استخدام أسلوب ابن تيمية الاحتمالي الساذج، فمضمون الرسالة لا يدل لا من بعيد ولا من قريب على وجود هذه الرؤية العشائرية الضيقة، وألا ما ذا يفهم من مضمون الرسالة التي جاء فيها: " من الحسين بن علي بن أبي طالب إلى بني هاشم . أما بعد : فان من لحق بي منكم استشهد ومن تخلف لم يبلغ الفتح"؟ غير أن الإمام كان يثبط عزائمهم ويخوفهم من الخروج معه، ولا يطلب نصرتهم بدوافع العصبية القبلية التي أحياها بنو أمية ولا زال محبوهم يسيرون على نهجها، والفرق كبير بين أن يقعدهم عن النصرة أو يطلب منهم النصرة عصبية.
6- في النقطة السادسة خرج الجبوري عن مباديء الحوار المؤدب وبدأ يستخدم الألفاظ النابية والجارحة التي تدل على الجهل والعصبية فاتهم الباحث بان أقوله بحق معاوية وجماعته: " رجم بالغيب ورمي بالباطل وتعميم يدل على جهل الكاتب وتعصبه الاعمى" لمجرد أن الباحث ذكر حقيقة يعرفها الجبوري قبل غيره، فالباحث لم يدعي أن جميع الأمويين كفار، وهذا ما لا يدعيه أحد من المسلمين بله الشيعة أنفسهم لا يقولونه، ولكنه وهذه حقيقة لا خلاف عليها أراد توضيح التحريف الذي قام به الحكام الأمويون المتطرفون الذين خرجوا على تعاليم الإسلام فقاتلوا الخليفة الشرعي وقتلوه وأسهموا بقتل مئات الصحابة الكرام وفيهم من بايع تحت الشجرة أو كان من أبطال بيعة الرضوان، ومن تبعهم بإحسان، فزرعوا الفرقة والبغضاء التي لا زالت تداعياتها تقود الجبوري وأشباهه من المتعصبين إلى اليوم. وبهذه المناسبة أدعو الأستاذ الجبوري إلى متابعة ما كتبه المؤرخون عن معاوية وحكمه ويزيد وحكمة ولاسيما في كتب مدرسة الخلفاء الموثوقة ليعرف جسيم الخلل والتدمير الذي أوقعاه في الإسلام والمجتمع الإسلامي، وان لا يظل حبيس نظرية المؤامرة في عصر الانفتاح والتقدم، أو حبيس الطائفية والتعصب في الكونية والعولمة والحداثة والتواصل.
7- أما صلح الإمام الحسن عليه السلام مع معاوية فلا يعني بأي حال من الأحوال أن ما بينهما قد انتهى وأن الوئام والمحبة حلتا مكان العداوة والبغضاء، بل كان الصلح مرحلة من مراحل المشروع الحسني وممكن للمتداخل مراجعة أمهات الكتب ليعرف أن الإمام الحسن وجميع مناصريه وكل البيت العلوي بل والإسلام المحمدي كله كانوا سيتعرضون إلى الإبادة البترية الكلية لو استمرت الحرب بين الجانبين، ومع وثيقة الصلح التي نصت على: أن يتوقف معاوية عن اعتقال محبي الإمام علي وأتباعه وان يعهد بالحكم إلى الحسن بعد وفاته وان لا يورث ابنه الحكم وان لا يسمي نفسه أمير المؤمنين وان يأمن أصحاب علي على أرواحهم، ولكن معاوية كعادته، نقض المعاهدة، وعليه ليس مستغربا أن نجد أن أول عمل قام به بعد قدومه إلى العراق بعد الصلح انه ما إن وصل إلى النخيلة حتى أعلن أمام الأمة: (أن كل عهد أعطيته الحسن فهو تحت قدمي هاتين)
8- في الفقرة السابعة يقول الجبوري: " ولماذا لم يصفه [أي يقتلوه في إشارة إلى الإمام الحسين] بنو أمية لمدة خمسين عاما إذا كانوا ينوون ذلك كما يزعم الكاتب" فتعالوا نبحث عن هذه السنوات الخمسين التي يدعيها الأستاذ الجبوري لنعرف مدتها الحقيقية ونعرف فيما إذا كان هناك ما يستوجب قتل الحسين عليه السلام.
ولد الإمام الحسين عليه السلام في الثالث من شعبان في السنة الرابعة (4) للهجرة
وعاش في كنف جده النبي الأكرم صلى الله عليه وآله في زمن كان فيه معاوية وكل بني أمية وأغلب القرشيين لا زالوا على شركهم ومحاربتهم للإسلام، فكيف يصلون إليه؟
وبعد موت النبي صلى الله عليه وآله في السنة الحادية عشر (11) للهجرة كان الحسين عليه السلام في كنف والده علي أسد الإسلام وقديسه الضرغام الذي ساق قريش وبني امية ليسلموا إسلام الطلقاء، وهو الهزبر الذي يرتعب الأمويون من سماع اسمه فكيف يصلون إلى الحسين ليقتلوه؟
وعندما قتل الإمام علي عليه السلام في سنة (40) هجرية بات الحسين في كنف أخيه الحسن الثائر، وهو العام الذي عقد فيه الصلح بين الإمام الحسن ومعاوية، فكيف يصلون إليه؟ هذا فضلا عن كونه لم يظهر نية الخروج في هذه الحقبة.
وفي 7 صفر سنة 50 هجرية قتل الإمام الحسن عليه السلام مسموما، وهنا فقط كان من الممكن للأمويين لو أرادوا قتل الحسين أن يصلوا إليه، ولكنهم كانوا في هذه الحقبة مشغولين بأمور أخرى وكانت الأمور مستقيمة لمعاوية ولا يشعر بتهديد أحد، كما انه عليه السلام ما كان معلنا عن اعتراضه الفعلي وليس القولي على حكمهم، وكان قتله مجازفة كبيرة لا يقدم معاوية بدهائه ومكره وخبثه وشدة حيلته على مثلها فيثير المسلمين عليه، ولكن بعدها يوم أن نوى معاوية مبايعة يزيد للخلافة بعد شعوره بقرب يومه وقرب موته، أدرك أن وجود الحسين سيكون العقبة الكبيرة بوجه بيعة يزيد تلك الصفقة الخسيسة التي أراد تمريرها، ولذا أمر ابنه أن يأخذ البيعة القسرية من الحسين لكي تستقيم له الأمور، وفي هذه المرحلة بالذات أصبح الإمام الحسين في المرمى وصار هدفا حقيقيا، وهي سنة (61) هجرية، السنة التي استشهد فيها. معنى هذا أن ما قاله الجبوري هو عين التدليس والخلط، وانه جاء بهذا الرقم ليوهم الناس وليدافع عن أجداده الذين قتلوا الحسين، اما المدة الفعلية فلا تزيد على اربعة أشهر إلا بقليل وهي المدة بين خروج الإمام الحسين عليه السلام من المدينة إلى مكة إلى الكوفة. وقد كانت كافية لهم ليقتلوه وليهدموا ركن الإسلام الوثيق وموئله العتيق والثقل المعادل لكتاب الله بدلالة قول النبي المتفق عليه: "تركت فيكم ما إن تمسكتم بهم لن تضلوا بعدي أبدا: كتاب الله وعترتي اهل بيتي"
اما النقطتين الأخيرتين فلم اجدهما أهلا لأشغل نفسي بالرد عليهما لأنهما مجرد سفسطة فارغة لا معنى لها.
في هذه المناسبة وعراقنا الأبي يعيش اخطر مرحلة تاريخية تتهدد وحدة أرضه وشعبه ووجوده وتراثه كان المفروض بالمتداخل عبد الله الجبوري ان يجبر الخواطر بكلمة طيبة أو حديث في حق الحسين يستخرجه من صحاحهم، وكان لهذه الكلمة التي لو خرجت من فمه بدل كل تلك القوال المتجنية التي يصل بعضها إلى حد الإسفاف والتبذل، أن ترتق فتقا وتقرب القلوب وتحنن الأنفس وتشعر الشيعي بأن أخاه المسلم السني يناصره في محنته ويتعاطف معه في شعائره، وكانت لتكون أقوى من ألف محاضرة وأنفع من مليون محاورة، وكانت الملائكة ستباركها والشرفاء سيعظمونها، ولكنه أبى أن ينال هذا الشرف الرفيع فاتخذ من موضوع الأستاذ البلداوي حجة ليعلن تعلقه وحبه لمعاوية ويزيد ومن تبعهم من الحكام المتهتكين، فإنا لله وإنا إليه راجعون، والحمد لله رب العالمين الذي ابتلانا بمثل هؤلاء المتعصبين.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat