الانتخابات، تكرار.. ام الارتقاء لعقل الدولة؟ (2)
د . عادل عبد المهدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . عادل عبد المهدي

مما يؤسف له ان الغالبية الساحقة من القوى السياسية ومراكز القرار، بما في ذلك الرأي العام والشعب والقوى الاقليمية والدولية ما زالت ترى ان ازمة الحكم هي في الشخص او الاشخاص.. وليس مسألة مؤسسات واطر وسياقات والتزامات وتشريعات. فصار البحث عن الشخص او الالتفاف حوله هو الهدف.. وليس الالتفاف حول المشاريع والخطط والمؤسسات والاطر. فالاهم اليوم هو معالجة عدم كفاءة عمل منظومة الدولة والمجتمع، رغم التضحيات والجهود والنوايا الطيبة. لذلك استشرى الفساد، واعمال الهدر، وبقيت الخدمات رديئة وتأخرت ادوار المجتمع والدولة على حد سواء. مما دفع لمطالبات متخبطة وكأن الحل هو بالتكنوقراط او المستقلين او مزيد من الحزبيين، بينما الحل هو بتفعيل عمل المنظومة بشرطها وشروطها. قبل اشهر من انتخابات 2014 كتب الاستاذ الاعلامي المعروف فلاح المشعل مقالاً بعنوان "انتظروا.. عادل عبد المهدي".. ومباشرة شكرته واجبته في 25/7/2013 بافتتاحية عنوانها "لا تنتظروا عبد المهدي لموقع رسمي". اعيد نصها للفائدة، فما اشبه اليوم بالبارحة.
["اشكر الاستاذ فلاح المشعل على ما كتبه بعنوان "انتظروا.. عادل عبد المهدي"، وعبره اشكر غيره من مواطنين وقادة ومحلليين كتبوا وصرحوا، وجاءوا على ذكري، لاحتلال مواقع رسمية مرتقبة.. ومنعاً من اعطاء رسائل خاطئة، اؤكد ما قلته مراراً بان استقالتي، وتركي موقع نائب رئيس الجمهورية، جاءت بعد تفكير معمق ومشاورات مع من اكن لهم احتراماً ومحبة كبيرين.. فالاستقالة لم تكن زهداً وتكتيكاً وخوفاً وتنصلاً من مسؤولية.. فقبل عقدين كتبت بحثاً ان الموقف الصحيح، إن لم يقترن، بموقع صحيح سيكون مجرد ثرثرة.. وكتبت ايضاً اهمية ثقافة الاستقالة، وانها مسؤولية، خلاف التهرب، فهو التنصل عن واجب تتوفر فيه شروط الايفاء، ولو بادنى الحدود.. ففي المعادلة الراهنة، واية معادلة تشابهها، سأرى نفسي مُعطَلاً ومُعطِلاً، وهو ما لا ارتضيه.
قناعتي ان مجالات العمل واسعة والحكومة ليست اهم او كل شيء. ولبناء دولة ومجتمع معاصرين، فالعراق بحاجة ايضاً لبناء رأي عام، ما زال ضعيفاً بدوره.. فهو اليوم انطباعات وردود افعال اكثر منه قضايا وحقوق فردية ومجتمعية.. وبنى وتقاليد راسخة.. وقوى حزبية تجاوزت عقل المعارضة، وارتقت لعقل الدولة ودربت خبراتها لصياغة وتنفيذ برامج الاصلاح والتقدم، وليس مجرد احزاب ترى نجاحها وفشلها في احتلال المواقع.. وإعلام مترصد للحقيقة بمسؤولية ومهنية ووجدانية لتحسيس الرأي العام، وليس ترديد الاشاعات والتسقيطات المتبادلة للخصوم السياسيين.. واتحادات حاملة لمصالح قطاعاتها، والمالكة لقابليات نقابية لصناعة الرأي للدفاع عن المهنة واعضائها.. ومؤسسات مجتمع مدني ومنظمات غير حكومية فاعلة.. ومجاميع الضغط وصناعة سياسات وبناء رؤى مستقبلية. فالعمل في هذه الجبهة -بالنسبة لي- اكثر جدوى.. دون التقليل من اهمية النشاطات الرسمية وقواها وشخصياتها ومواقعهم. فانا داعم لخط معروف وساستمر على ذلك.. واتحمل مسؤوليتي فيه ومع كل من يقترب منه كلياً او جزئياً، في السلطة او خارجها.
شرحت قراري، قبل سنوات، لكل اصحاب العلاقة.. ومنذاك اكتب افتتاحية يومية وابحاث واشارك في اجتماعات وفعاليات ولما فيه فائدة ورقي بلادي.. ورفعة وسيادة شعبي.. ونصرة القضية التي دافعت وادافع عنها، لحماية الثوابت الدينية والوطنية.. ولترسيخ الديمقراطية واللامركزية والفيدرالية، ودستورية المؤسسات ودولة المواطن.. ومنع عودة الدكتاتورية.. والعمل على التنمية البشرية والاقتصادية.. والانفتاح على دول الجوار والعالم.. واحلال الامن والاستقرار والتعايش، بمساواة وسلام وعدل.. بدون محاصصة وطائفية وعنصرية وارهاب."]
سيقول قائل عن حق، لكنك استوزرت في ايلول 2014، وجوابي ان هذا صحيح اعتقاداً مني، وكثيرين غيري، اننا ذاهبون لتغيير معادلة الانكفاء والشخصنة واللامؤسساتية.. لكنني بعد اشهر قليلة، تأكدت –ورغم النوايا والجهود الطيبة لكثيرين- ان المناهج والوسائل المتبعة لن تحقق، ما الزمنا به انفسنا، وما نعد به الشعب.. لذلك جمدت في نيسان/ايار 2015 علاقاتي التنظيمية، وقدمت استقالتي من الوزارة.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat