صفحة الكاتب : حسن العاصي

ما زلت في جنون العرائش صغيراً
حسن العاصي

تحت ثوبها

تخفي أمّي كيساً صغيراً من القماش

يتدلّى من عنقها

تحبس داخله أزهاراً جافة وأدعية

فيه يختلط الغار بالتسابيح والأذكار

طُهر الماء وعبق المسك تدلان عليها

يزهر الثوب في النهار صلاة للمواسم

عشق بلا مدى

ويصبح معجماً للأولياء ليلاً

تفوح منه شفاعة مستترة

وينبت على أطرافه ورد الأنبياء

هذا أعمق سرّ لا يعرفه أحد

تقول: في الكيس مئذنة ومزمار حزين

وفي قلبي أبواب المطر تحرسها الطيور

فوق أكتافها ننمو وتمتد أطرافنا

مثل الغراس بأصائص الصباح أو أبعد

وحده الريحان يتنزّه بالطفولة

تفرش أمي أضلاع صدرها مرجاً كيْ نلهو

نقفز صغاراً فوق أديم الضوء المتوثّب

نصرخ فتهرع ومعها يجري بيت الله

كُنّا كما أذكر أسفاري في بيت بلا جدران

تعلو فيه أشجار الرمّان فوق بساط العنبر

والعرائش تحرس حلقات النور

حين تُراقص النسمات عنق النرجس

أتذكر كثيراً فراشات الخمائل تحاصر النهر

كأنّ البستان الصاخب أثمله لون الماء

وكثيراً كثيراً ما كان قلبي يغفو فوق نجمة المطر

حين يبدأ موسم الحكايات زخّات قناديل

تجلس أمي مثل قدّيس قرب دائرة الضنك

تكابد رماح الوهن

أحياناً معنا تتقاسم الضحك كأنّما

يفرّ إيقاع العقارب الرملية

في غفلة من وتر الوقت

في كل ليلة

تعدّ لنا ما استطاعت من أحلام

تمسح أجفاننا بكيسها القماشي وتقول

ناموا آمنين

يمدّ مزمارها فِراشه على أرق التراب

وتأنس الأجساد الطرية تعبها

نغفوا مثل الحملان فوق عشب أدعيتها

وينمو من حطب أحزانها في قلوبنا

ورداً قزحياً يخفق فرحاً

نحلّق مثل عصافير الله لنرحل

صوب أهداب الفجر

حينها كنتُ أصافح خدّ الشمس جداً

وجداً جداً كنتُ أحبّ مشاكسة شعاع الماء

أخفي رأسه في سلّة النهر

وأطلقه حين يحتدم الفَراش

أمي التي تخفي تحت ثوبها كيساً قماشياً

ننام وترفع كفيها للسماء تقول:

يا رب الرّيح التائهة والخيول الساجدة

إن لي طيوراً لا ريش لها

وأرقي بازغٌ من سديم الأفق

هُم بعض بحري وبكائي

إنني أودعتهم رياضك

فلا تمتحنهم على ما لا يطيرون

هبهم يا ربي أجنحة الإيمان

في سهوة القماش اشتد ريش الطيور

أمي ما زالت تخفي كيسها تحت ثوبها

وفيه الأدعية والأعشاب

ما زالتْ كل ليلة تجثو قرب الأعشاش الفارغة

تبكي كيسها وتلقي دمعها جهات تغسل الذنوب

وأنا ضالع في المقام الماطر لا كف لي

كنت في سيل الشجر قد

أطعمت أصابعي للطيور الكسيحة

صار بيني وبين السرب لازمة

يغصّ بي من شعاعين مزمار ومئذنة

وكلّما عبرت درب الغابة غريباً

تصبح بيوت القشّ أكياساً

والأوراق الذابلة أذكاراً

رغم أنني أنام كل ليلة في الجامع القريب

تراني أبحث في عمق المروج عن سرير قماشي

ووسادة من العشب

ما زلت في جنون العرائش صغيراً

ولا زال ينبت ريش قلبي كلّما هطل المطر

أو جاعت العصافير


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حسن العاصي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/02/19



كتابة تعليق لموضوع : ما زلت في جنون العرائش صغيراً
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net