بسم الله الرحمن الرحيم
سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلاً{15}
تستمر الآية الكريمة ( سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ ) , المذكورون اعلاه " اسلم وجهينة وغفار ومزينة ومن لف لفهم من المنافقين" , ( إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ) , مغانم خيبر , ( ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ ) , اتركونا نأخذ منها كما تأخذون انتم منها , ( يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ ) , وهو وعده جل وعلا بالغنائم لأهل الحديبية خاصة , ( قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ ) , قل لهم يا محمد "ص واله" لا يمكنكم اتباعنا في ذلك , ولم تتهيؤوا قبل الخروج الى خيبر , ( فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا ) , على مشاركتنا لكم بالغنائم , ( بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلاً ) , يختلف المفسرون في النص المبارك فمنهم من يرى :
- القليل منهم كان يفهم .
- فهمهم للدين كان قليلا .
قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً{16}
الآية الكريمة تخاطب الرسول الكريم محمد "ص واله" ( قُل ) , قل لهم يا محمد "ص واله" , ( لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ ) , للمذكورين اعلاه , ( سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ) , يختلف المفسرون في تحديد هوية هؤلاء القوم أولي البأس الشديد فتتردد الآراء حولهم "الروم او الفرس او هوازن او ثقيف او بنو حنيفة أصحاب اليمامة" , ( تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ ) , حتى يكون احد الامرين اما القتال او الدخول في الاسلام , ( فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً ) , فأن اطعتم في قتالهم يؤتكم الله عز وجل الاجر الحسن , الغنيمة في الدنيا والجنة في الاخرة , ( وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ ) , عن الحديبية , ( يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً ) , عذابا مؤلما , كان ذلك بمثابة الفرصة الاخيرة كي يتدارك المخلفون موقفهم ويثبتوا على ما يدعون والا كشفت وتعرت للناس حقيقتهم .
لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً{17}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ) , يرفع النص المبارك الحرج والمؤاخذة عن الاعمى والاعرج والمريض في عدم خروجهم للجهاد , ( وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ) , يعد النص المبارك المطيعين لله تعالى ولرسوله الكريم محمد "ص واله" بالجنات , ( وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً ) , اما من اختار الانصراف عن الطاعة فليس له سوى العذاب المؤلم .
لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً{18}
تستمر الآية الكريمة محققة ( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ ) , في الحديبية , ( تَحْتَ الشَّجَرَةِ ) , " هي سمرة وهم ألف وثلثمائة وأكثر ثم بايعهم على أن يناجزوا قريشا وأن لا يفروا من الموت" – تفسير الجلالين للسيوطي - , ( فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ ) , من الوفاء وصدق النوايا , ( فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ ) , الطمأنينة وسكون النفس , ( وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ) , هو فتح خيبر .
وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً{19}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا ) , وايضا الكثير الكثير من الغنائم في خيبر , ( وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً ) , غالبا , ( حَكِيماً ) , مراعيا مقتضى الحكمة .
وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً{20}
تستقرأ الآية الكريمة في عدة مضامين:
- وعد رباني :( وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا ) , من الفتوحات , او كل ما يغنمه المؤمنون من الكفار الى يوم القيامة , ( فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ ) , غنائم خيبر .
- أمن وسلامة: ( وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنكُمْ ) , أيدي اهل خيبر وحلفاءهم , حيث هموا بالإغارة على عيال المسلمين اثناء خروجهم , فقذف الله تعالى في قلوبهم الرعب , فكفوا وامتنعوا .
- آية ربانية من صميم الواقع :( وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ ) , لتكون هذه الغنيمة المعجلة علامة على صدقه "ص واله" , او علامة على نصرته وتأييده جل وعلا للمؤمنين .
- هداية بعد ظهور الحق في الوعد الرباني والامن والسلامة وظهور الدلائل على ارض الواقع : ( وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً ) , هو الثقة بفضل الله تعالى والتسليم وتفويض الامور اليه .
وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً{21}
تنعطف الآية الكريمة لتضيف ( وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا ) , يرى بعض المفسرين انها غنائم الفرس والروم , لم تتمكنوا منها بعد , ( قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا ) , في مخزون علمه جل وعلا انها لكم , ( وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً ) , لم يزل جل وعلا متصفا بالقدرة على كل شيء .
وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً{22}
تبين الآية الكريمة ( وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ) , لو قاتلكم كفار مكة في صلح الحديبية لانهزموا , ( ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً ) , عند ذاك لا يجدون من يحرسهم او يذب عنهم او ينصرهم .
سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً{23}
تؤكد الآية الكريمة ( سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ ) , أي انه جل وعلا سنّ سنة غلبة انبيائه والمؤمنين على اعداءهم من الكافرين في الامم السابقة , { كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } المجادلة21 , ( وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً ) , تغييرا فيها ابدا .
وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً{24}
تستمر الآية الكريمة مؤكدة ( وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ ) , أيدي وبطش كفار مكة بكم , ( وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم ) , وايديكم ان تبطش بهم , ( بِبَطْنِ مَكَّةَ ), داخل مكة , ( مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ ) , يختلف المفسرون في النص المبارك فننقل رأيين في ذلك :
- السيوطي في تفسيره الجلالين : فإن ثمانين منهم طافوا بعسكركم ليصيبوا منكم فأخذوا واتي بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعفا عنهم وخلى سبيلهم فكان ذلك سبب الصلح .
- القمي في تفسيره : أي من بعد أن أممتم من المدينة إلى الحرم وطلبوا منكم الصلح من بعد أن كانوا يغزونكم بالمدينة صاروا يطلبون الصلح بعد أن كنتم تطلبون الصلح منهم .
( وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً ) , من طاعة الرسول الكريم محمد "ص واله" في قتالهم من جهة ومن جهة اخرى , كفّ ايدي الكفار عنكم .
هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَؤُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً{25}
تستمر الآية الكريمة مؤكدة ( هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) , بالله تعالى وبرسوله الكريم محمد "ص واله" , ( وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) , منعوكم منه , ( وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً ) , محبوسا , ( أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ ) , الهدي ما يهدى الى مكة ومكانه الذي يحل فيه نحره , ( وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ ) , كانوا موجودين في مكة مع الكفار , ( لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ ) , بصفة الايمان لاختلاطهم بالكفار , ( أَن تَطَؤُوهُمْ ) , تواقعوهم او تقتلونهم , ( فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ ) , فيصيبكم بقتلهم أثم بغير علم منكم , ( لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ ) , من المؤمنين او المشركين بعد الايمان , ( لَوْ تَزَيَّلُوا ) , لو تفرقوا وتميزوا عن الكفار , ( لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً ) , بالقتل والسبي في الدنيا والعذاب الاليم في الاخرة , بمعنى ان هؤلاء المؤمنين لو انهم خرجوا من مكة لنزل العذاب باهلها من الكفار .
يرى القمي ان من الاسباب التي دعت الى صلح الحديبية هي " أخبر الله عز وجل نبيه أن علة الصلح إنما كان للمؤمنين والمؤمنات الذين كانوا بمكة ولو لم يكن صلح وكانت الحرب لقتلوا فلما كان الصلح آمنوا وأظهروا الاسلام ويقال إن ذلك الصلح كان أعظم فتحا على المسلمين من غلبهم" .
( عن الصادق عليه السلام إنه سئل ألم يكن علي عليه السلام قويا في بدنه قويا في أمر الله فقال بلى قيل فما منعه أن يدفع أو يمتنع قال سألت فافهم الجواب منع عليا عليه السلام من ذلك آية من كتاب الله تعالى فقيل وأي آية فقرأ لو تزيلوا الاية إنه كان لله تعالى ودائع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين ومنافقين فلم يكن علي عليه السلام ليقتل الاباء حتى تخرج الودائع فلما خرجت ظهر على من ظهر وقتله وكذلك قائمنا أهل البيت عليهم السلام لا يظهر أبدا حتى تخرج ودائع الله فإذا خرجت يظهر على من يظهر فيقتله ) . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" .
إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً{26}
تستمر الآية الكريمة مبينة ( إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ ) , الانفة التي تمنعهم من اتباع الحق , وهو ما قالته قريش او سهيل بن عمرو عند كتابة الصلح " لا نعرف الرحمن الرحيم" , وقولهم " لو علمنا أنك رسول الله ما حاربناك فاكتب محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله" , ( فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) , انزل عليهم الثبات فتحملوا حمية الكفار , ( وَأَلْزَمَهُمْ ) , أي المؤمنين , ( كَلِمَةَ التَّقْوَى ) , لا اله الا الله محمد رسول الله , أضيفت الى التقوى لأنها من اسبابها , وعلى اراء اخرى , ان كلمة التقوى هي الايمان , ( وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا ) , وكان المؤمنون المستحقين لها واحق بالتقوى من الكفار والمنافقين , ( وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً ) , لا تخفى عليه خافية جل جلاله .
لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً{27}
تستمر الآية الكريمة محققة ( لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ ) , حيث انه "ص واله" رأى رؤيا في منامه في عام الحديبية انه قد يدخل مكة واصحابه , ( لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ ) , آمنين من كل مكروه , وذلك متعلق بمشيئته جل وعلا , ( مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ ) , شعر الرأس , ( وَمُقَصِّرِين ) , واخرين مقصرين شعورهم , ( لَا تَخَافُونَ ) , بعد ذلك ابدا , ( فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا ) , من الصلح ما لم تعلموا من الاصلاح , او علم الحكمة في تأخير الصلح او الفتح , ( فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً ) , هو فتح خيبر وتحققت الرؤيا .
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً{28}
تستمر الآية الكريمة مؤكدة ( هُوَ الَّذِي ) , الله جل جلاله , ( أَرْسَلَ رَسُولَهُ ) , محمد "ص واله" , ( بِالْهُدَى ) , البيان الواضح الهادي من الضلالة , ( وَدِينِ الْحَقِّ ) , الاسلام , ( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ) , ليعلو على كل الاديان , او يلغيها ويبطلها , او بتسليط المسلمين على كافة اهل الاديان الاخرى ... الى غير ذلك من الآراء , ( وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً ) , على وعده بالثواب الجزيل للمؤمنين والعقاب الاليم للكافرين , او على رسالته "ص واله" .
مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً{29}
تقرر الآية الكريمة ( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ) , لا شك فيه ولا ريب , ( وَالَّذِينَ مَعَهُ ) , اصحابه "ص واله" , الذين صفتهم :
- ( أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ ) : يغلظون على الكفار , لا يرحمونهم .
- ( رُحَمَاء بَيْنَهُمْ ) : متوادون ومتراحمون فيما بينهم .
- ( رُكَّعاً سُجَّداً ) : مواظبون على الصلاة .
- ( يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً ) : ثوابه ورضاه جل وعلا .
- ( سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) : يرى اكثر المفسرين انه الاثر الذي يترتب على كثرة السجود , سواء كان هذا الاثر على الجبهة او في مواضع السجود الاخرى.
( ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ ) , ذلك المذكور من صفتهم في التوراة والانجيل , ( كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ ) , ساقه , ( فَآزَرَهُ ) , فقواه , ( فَاسْتَغْلَظَ ) , اشتد , ( فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ ) , فأستقام , ( يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ ) , بحسن منظره وكثافته وكثرته , ( لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ) , ليغيظ الكفار بكثرة المؤمنين وبهاء اطلالاتهم , ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ) , تضمن النص المبارك وعده جل وعلا للمؤمنين ذوي الاعمال النافعة بالمغفرة والاجر العظيم , وهذا لا يقتصر على مؤمني ذلك الزمان والمكان , بل يعمم ليشمل مؤمني كافة الازمان والاماكن الى يوم القيامة .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat