الاحتياط في تناقل الأحاديث
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

كان شأن الرواية عند علمائنا المحدثين المتقدمين عظيماً، حيث كانوا يتعاملون معه بحذر واحتياط، وكانوا يلاحقون الراوي على روايته، من أين أخذ، وكيف أخذ، وربما طعنوا عليه إذا كان مسلكه في الرواية مختلاً، وذلك أنّ غض النظر عن طرق تناقل الرواية يوجب الاختلال في الرواية سنداً ومتناً، والشواهدُ على وقوع الأخطاء خلال النقل متوفرة، ومن هنا أصبح ديدن محدثينا هو التحرز والاحتياط، ولكننا اليوم نجد من يربي طلاب العلم على التعلق بالمسموع والمشهور بين الناس ولو لم يكن مدوناً في الكتب المعتبرة، مع شهادة الواقع على أن ما يتناقله الناس بألسنتهم على أنه روايات يكون منشؤه أحياناً حكايات وأشعار، ومن ذلك ما اشتهر على ألسن بعض الخطباء من مقولة «إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي، فيا سيوف خذيني» وهي من شعر لأحد الشعراء، ومع مرور الوقت أصبحت منسوبةً إلى سيد الشهداء عليه السلام.
ومن ذلك أيضاً، ما يروى مكرراً وتجده منتشراً على الشبكة العنكبوتية منسوباً للإمام الصادق عليه السلام وعلى ألسن جملة من الخطباء وأهل المنبر: «كلنا سفن نجاة، ولكن سفينة جدي الحسين أوسع وفي لجج البحار أسرع» وهي مقولة للشيخ جعفر التستري رحمه الله في كتابه «الخصائص الحسينيّة» ولم يذكرها روايةً، بل هي من إنشائه.
وإذا كان الأمر كذلك، تبدأ القضية بمقولة ثم يتداولها الناس وينسبونها لأهل البيت عليهم السلام، ثم تصبح من المشهورات، ثم تأخذ طريقها إلى كتب العلماء المتساهلين في الرواية، ومن ثم يُحكم عليها بالاستفاضة لاحقاً كما فعل بعض الإخوة من أهل العلم، وهكذا شيئاً فشيئاً تُذبح علوم الرواية والدراية، فإلى متى هذا التساهل والتمييع لمعايير الدقة التي امتاز بها المحدثون المتقدمون؟
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat