صفحة الكاتب : محمد رضا عباس

تحويل المشاريع الحكومية الخاسرة الى رابحة على الطريقة الامريكية 
محمد رضا عباس

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

كشف النائب سلمان الموسوي عضو اللجنة الاقتصادية النيابية , ان " القطاع الصناعي العام يتكون من اكثر من 70 شركة جميعها تحقق خسائر , بالرغم من اهتمام الحكومة بالقطاع منذ عام 2003 وحتى الان ". ودعا الموسوي , الى " تأهيل الشركات الحكومية وتحويلها الى القطاع المختلط و بعدها الى القطاع الخاص , لان مسؤولية الدولة لا تتعلق بصناعة الاسمنت او غيرها من المواد , بل هي جهة رقابية".

لا اختلف مع النائب الموسوي بضرورة تحويل هذه المشاريع الفاشلة والتي أصبحت عبئا  كبيرا و مستمرا على كاهل الميزانية العراقية الى القطاع الخاص او المختلط , لان الدولة ليس من وظيفتها إدارة معمل معجون طماطة او معمل غزل ونسيج او معمل سمنت . في الوقت الحاضر , على الدولة ان تركز على مشاريع استراتيجية عملاقة لا يمكن للقطاع الخاص من ادارتها او ان لها تأثير على الامن القومي العراقي مثل معامل البتروكيماويات , الصلب والحديد, الطاقة الكهربائية, انتاج الغاز الطبيعي, وتوفير الماء الصالح للشرب. هذا مع العلم ان حتى هذه المشاريع الاستراتيجية أصبحت تدار من قبل القطاع الخاص في الدول الصناعية , واصبحت وظيفة الدولة هو الامن والدفاع والمقاييس, و الخزينة و الخارجية. 

الظروف التي تأسست فيها هذه المشاريع كانت  ظروف خاصة , حيث تأسست على يد النظام السابق تطبيقا لمفهوم "الاشتراكية" والتي كانت احد أهدافه الثلاث : وحدة , حرية , اشتراكية. هذه المشاريع لم تأسس من اجل الربح , وانما من اجل استيعاب اكبر عدد ممكن من العمال والموظفين فيها , إضافة للضرورات الأمنية . الدولة لم تكن آنذاك تكترث بخسارتها , حيث ان الموارد المالية المتأتية من بيع نفط الخام كانت كافية لتغطية الخسارة  . ولكن بعد ان خرج العراق منهكا اقتصاديا من الحرب العراقية الإيرانية , قام راس النظام ببيع معظم المشاريع الحكومية , على أساس ان وظيفة الدولة ليست وظيفة إدارة "دكاكين", ولم يبقي منها الا القليل. 

هذا القليل المتبقي من هذه المشاريع , ما زالت تحت الخط الاحمر ,انتاج الخسائر. وان هذه الخسائر يجب ان لا تبقى بدون علاج . ما نوع الدعم الذي  تحتاجه هذه المشاريع لتحويلها من مشاريع خاسرة الى مشاريع رابحة , وبنفس الوقت تستطيع الوقوف امام الإنتاج الأجنبي من ناحية الأسعار والنوعية , بعد الانفتاح الكبير الذي يشاهده الاقتصاد العراقي؟ الجواب هو ان يكون هناك هدف لكل مشروع صناعي هو : اما   تحقيق اعلى الأرباح  او الإنتاج باقل كلفة . هذا الهدف , هو الهدف الذي تسير عليه كل شركات الإنتاج في العالم, والا يكون مصيرها الفشل والموت . 

ولكن ليس من السهل تحقيق اعلى الأرباح او اقل الكلف في  الإنتاج بدون إدارة جيدة وذات قابلية فذة. وهذا يسوقنا الى مفهوم اداري متعارف  عليه في الإدارة الاقتصادية , هي مفهوم  مشكلة ( الوكيل – المستفيد ) او بالمفهوم العراقي الدلال  . في بعض الأحيان نضطر الى تعيين دلال من اجل تمشية معاملة نقل ملكية عقار من شخص الى اخر , وباجر . وبذلك يستطيع مشتري العقار ان يتجاوز المراجعات المتكررة الى دوائر الدولة واتعابها . مفهوم (الوكيل -المستفيد) يعمل بالضبط عمل الدلال في قطاع العقارات . بموجب هذا المفهوم , هو ان ليس كل من يملك المال له القدرة على إدارة شركة , خاصة اذا كانت هذه الشركة من الوزن الثقيل , وعليه فان هذا المالك يقوم بتعيين مدير قدير و ذو خبرة لإدارة شركته , وبراتب مجزي من اجل تحقيق هدفه . جميع الشركات العملاقة  تدار على هذا الشكل ,  من قبل مجلس إدارة يقودهم رئيسا متميزا في إدارة الاعمال (الوكيل) . هذا الوكيل وظيفته هو العمل بكل طاقته وخبراته المتراكمة من اجل تحقيق اعلى الأرباح او اقل كلف للإنتاج. وطالما وان معظم هذا الشركات هي من الشركات العملاقة , فان التعويض السنوي لهؤلاء الوكلاء( رؤساء مجالس الإدارة) بالضرورة يكون كبيرا جدا , البعض منهم يصل مرتبه السنوي اكثر من 100 مليون دولار.  

على سبيل المثال , كان معدل تعويض رؤساء مجالس الإدارة السنوي  في الولايات المتحدة الامريكية عام 2013 هو 20.7 مليون دولار , ارتفع عام 2014 الى 22.6 مليون دولار. كان راتب رئيس مجلس إدارة دسكفري كمينكيشن 156.1 مليون دولار , ما يقارب 1951 مرة متوسط رواتب عمال وموظفي الشركة والذي يبلغ متوسط دخلهم 80,000 دولار سنويا. من جهة أخرى وصل رئيس مجلس إدارة سلسلة مطاعم جباتلي هو 28.9 مليون دولار , او ما يعادل متوسط راتب عماله 1522 مرة , والذي يبلغ متوسط دخلهم 19,000 دولار سنويا.  

اذن , ان الارتفاع المبالغ به في أجور رؤساء مجالس الإدارة المتواصل , يؤشر الى أهمية هذه الشريحة في إدارة القطاعات الإنتاجية , الزراعة , الصناعة , وحتى التعليم العالي . بعض رواتب رؤساء الجامعات يزيد المليون دولار سنويا , بينما يبلغ رواتب بعض مدربي لعبة كرة القدم الامريكية على ثلاثة ملايين دولار سنويا . بعض الكتاب يبرر دفع هذه الأجور الكبيرة الى ندرة هؤلاء , وان دفع تعويضات كبيرة لهم يمنعهم الانتقال الى شركات منافسة او حتى الى دول منافسة . حسب راي بعض الاقتصاديين ان هؤلاء المدراء , بضاعة نادرة , مثل الذهب والماس, الطلب عليهم يفوق العرض منه بكثير. 

هذا يقودني , بالقول , ان في العراق كفاءات إدارية جيدة وذات قابلية ممتازة , ولكن ما يتقاضونه من رواتب غير مجزية ومحكومة بنظام رواتب موظفي الدولة. هذا النظام يجب ان لا يطبق على طبقة رؤساء الشركات الحكومية في العراق , وانما يجب التعامل معهم بشكل اخر. على سبيل المثال ,  يتقاضى رؤساء بعض المشاريع الحكومية في الولايات المتحدة الامريكية رواتب اعلى من راتب رئيس الولايات المتحدة الامريكية. وهناك موظفين في دوائر الولايات الامريكية يستلمون رواتب سنوية اعلى من رواتب رؤساء الولايات. 

لا ادعو ان يدفع لرئيس مشروع حكومي راتب مليون دولار سنويا , ولكن ادعوا ان تكون رواتب رؤساء الشركات متميزا , يتفق عليه  قبل التعيين , وان تكون هناك شروط لدفع هذا الراتب منها تحقيق أرباح معينة خلال فترة معينة , توسع في الإنتاج , التنوع في الإنتاج, القدرة على التصدير , و علاقاته الجيدة مع عمال شركته. صدقوني , ان المطالبة بتطبيق هذه الشروط سوف يوقف تقاتل الأحزاب على تعيين احد انصارهم على إدارة هذه المشاريع , و هو في معظم الأحيان لا يستحق ان يكون حتى مدير مدرسة ابتدائية.  
 
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد رضا عباس
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/02/07



كتابة تعليق لموضوع : تحويل المشاريع الحكومية الخاسرة الى رابحة على الطريقة الامريكية 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net