هل توظف الرياض القمة العربية لتصفية حساباتها مع لبنان؟

يقترب موعد انعقاد القمة العربية السنوية التي من المقرر انعقادها في الرياض في مارس المقبل، حيث تأتي هذه القمة في الوقت الذي تسود فيه اضطرابات سياسية بين العديد من الدول العربية، الأمر الذي دفع نحو انهيار تحالفات وتكوين أخرى بأشكال وأهداف جديدة، ويأتي على رأس الخلافات وأكثرها بروزًا على الساحة الأزمة السياسية بين السعودية ولبنان، على خلفية محاولات الرياض التدخل في شؤون بيروت والعبث بأمنها واستقرارها، كوسيلة لمحاربة حزب الله وإنهاء نفوذه وشعبيته في المجتمع اللبناني، وعلى الرغم من أن كافة محاولات المملكة للوصول إلى هذا الهدف باءت بالفشل الذريع، إلا أنها لم تكل ولا تمل من تجديد هذه المحاولات وابتكار طرق جديدة، في سبيل تحقيق هدفها الصهيوأمريكي في الأساس.
القمة العربية.. تصفية حسابات

يبدو أن القمة العربية المقبلة ستخصصها الرياض لتصفية حساباتها مع لبنان، وخاصة المسؤولين اللبنانيين الذين أظهروا مرارًا معارضتهم لتدخل الرياض في شؤون بلادهم، وكشفوا الخطط الصهيوأمريكية التي يتم تنفيذها بأيادٍ خليجية، وعلى رأس هؤلاء وزير الخارجية اللبناني، جبران باسيل، الذي رفع خلال الأشهر الأخيرة الماضية لهجته، وخرج عن صمته الدبلوماسين وتبنى نبرة حادة في مواجهة محاولات الهيمنة السعودية على الدولة اللبنانية وجعلها تابعة للمملكة، الأمر الذي دفع الأخيرة إلى اتخاذ بعض الإجراءات لتدفيعه ثمن دفاعه عن سيادة وكرامة وطنه. “وزير الخارجية اللبناني شخص غير مرغوب فيه بالمملكة”، هكذا أبلغت السلطات السعودية قبل أيام الحكومة اللبنانية، لتقطع الحديث عن حضور “جبران باسيل” القمة العربية، حيث أكدت أنه “شخص غير مرغوب فيه”، وبالتالي فهي لن تمنحه تأشيرة دخول إلى السعودية، كما أنها لم تتجاوب بعد مع طلب منح تأشيرة دخول لرئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، لحضور القمة العربية، بل إن تأشيرات الدخول تم منحها لرئيس الجمهورية، ميشال عون، ولوزير من المفترض أن يختاره بالتنسيق مع السعودية، إضافة إلى مستشاريه والوفد الذي يهتم بشؤون رئيس الجمهورية، الأمر الذي مثّل إحراجًا للدولة اللبنانية، وخصوصًا الرئيس “عون” الذي من المفترض أن يصطحب وزير خارجيته أو رئيس وزرائه معه إلى القمة، وهو ما يجعله أمام خيارات صعبة، إما السفر وحيدًا إلى هذه القمة أو مقاطعتها، وبالتالي قطع أي محاولات لإعادة إصلاح العلاقات اللبنانية السعودية التي شابتها العديد من الخلافات خلال الفترة الأخيرة. هذه الخطوة التي أقدمت عليها السعودية قبل انعقاد القمة بأكثر من شهر ونصف توضح ما ستكون عليه أجواء القمة العربية، وتكشف ما ستحويه بيانات وخطابات الممثلين عن السعودية، حيث من المتوقع أن تخصص في خطابها جزءًا لا بأس به لمهاجمة الدولة اللبنانية واتهامها بدعم “كيان إرهابي” هو حزب الله من خلال مشاركته في الحكومة اللبنانية، فيما سيكون الجزء الأكبر من الخطاب السعودي موجهًا ضد حزب الله نفسه، الأمر الذي سيثير غضب ممثلي لبنان، سواء كان “عون” أو “الحريري”، وسيدفعهم للرد على خطاب السعودية وتكرار التأكيد على أن “حزب الله مكون أساسي من مكونات المجتمع اللبناني، وأن لبنان بحاجة إلى سلاح المقاومة لردع أي عدوان إسرائيلي، لتتحول القمة إلى حلبة مصارعة بين السعودية ولبنان، تحاول فيها بعض الدول الفصل والتحجيز بينهما، فيما سيختار البعض الآخر الانضمام إلى أحد المعسكرين، ومن المتوقع أن تكون الإمارات والبحرين على رأس المنضمين إلى المعسكر السعودي، فيما ستكون العراق وفلسطين وقطر على رأس المنضمين إلى المعسكر اللبناني.

لماذا أصبح “باسيل” غير مرغوب فيه؟

كثر الحديث خلال الفترة الأخيرة عن انزعاج المسؤولين اللبنانيين من تدخلات المملكة السعودية في شؤون بيروت الداخلية، ومحاولات هؤلاء المسؤولين اتخاذ بعض الإجراءات وإطلاق التهديدات والتحذيرات لردع الرياض ودفعها نحو التراجع عن هذه السياسة، وقد برز الدبلوماسي اللبناني على الساحة اللبنانية كمهاجم قوي وشرس عن سيادة بلاده التي تحاول السعودية انتهاكها بكافة الطرق، تارة من خلال إجبار رئيس الوزراء “سعد الحريري” على الاستقالة واختطافه لمدة 14 يومًا، وتارة أخرى من خلال اتهام القطاع المصرفي بأنه يستخدم لتهريب الأموال لصالح حزب الله، وتارة ثالثة من خلال محاولات إدخال الدولة في مأزق اقتصادي وعسكري من خلال تجميد مساعدة بمبلغ 3 مليارات دولار خصصت للجيش اللبناني وإيقاف صفقات تجارية بين الدولتين. وجه وزير الخارجية اللبناني، جبران باسيل، خلال الأشهر الأخيرة العديد من الرسائل السياسية المبطنة للمملكة السعودية، لكنها كانت واضحة الأهداف والمعاني جيدًا للمتابعين للتدخلات السعودية في الجمهورية اللبنانية، وكان آخر هذه الرسائل ما قاله “باسيل” الأسبوع الماضي في خضم حديثه عن بعض التحركات الخارجية التي بدأت للتدخل في الانتخابات النيابية المقرر إجراؤها في مايو المقبل، حيث أكد وزير الخارجية أن “الأيام التي كان يتدخل فيها السفراء ويعينون نوابًا انتهت، والآن اللبنانيون هم من سينتخبون نوابهم وليس السفراء”، وأضاف بلهجة حادة وحازمة “بعض التحركات الخارجية بدأت للتدخل في الانتخابات النيابية، وأنبه كل العاملين في المجال الدبلوماسي، ومن أول الطريق، أن يلزموا حدودهم، وأن يلتزموا بالأصول الدبلوماسية والاتفاقات الدولية”. وأوضح وزير الخارجية اللبناني في ذات الإطار أن “تدخل السفراء في الحياة السيادية الداخلية وفي الحياة الوطنية أمر ممنوع، فمهمة السفير تقتصر على أن يمثل دولته ويحمي مصالحها ويؤمن لها أفضل العلاقات مع الدولة الموجود فيها، وهو مرحب به على هذا الأساس”، وختم باسيل بالقول “نحن حريصون على أفضل العلاقات مع كافة الدول، ونريدها كذلك، ولبنان حريص على ألا يكون في أي محور، وحريص على ألا يكون في خصومة مع أية دولة تجمعه بها علاقات طيبة، ونتمنى أن يحترم الكل هذا المبدأ، لأننا لا نريد أي خلل في هذا الإطار”. هذا الموقف لم يكن الأول لوزير الخارجية اللبناني بشأن محاربته لمحاولات السعودية حشر أنفها في الشأن اللبناني، حيث كان “باسيل” على رأس المسؤولين اللبنانيين المنتقدين لاحتجاز السعودية رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، وقام حينها بجولة أوروبية إلى فرنسا وبروكسيل، حشد خلالها التأييدات لإدانة التصرفات السعودية ومحاولاتها التدخل في الشأن اللبناني، وقال حينها إن “لبنان لا يزال يعالج المشكلة مع السعودية ضمن العلاقات الثنائية الأخوية، وتأتي الجولة من أجل التوضيح للسعودية أن ما حصل غير مقبول”، وحذر “باسيل” من الحديث عن فرض السعودية عقوبات على لبنان، قائلًا: أية إجراءات سعودية لن تستهدف فقط لبنان واستقراره، وإنما سيكون هذا عقابًا للمنطقة؛ لأن أي إضطراب في لبنان سيسبب اضطرابًا في المنطقة بأكملها، فيما اختار “باسيل” عدم حضور اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب عُقد في نوفمبر الماضي، لبحث ما أسموه “سبل مواجهة إيران وحزب الله اللبناني”، تجنبًا لمواجهة استفزازات سعودية خلال هذا الاجتماع.

المصدر مرآة الجزيرة

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/01/24



كتابة تعليق لموضوع : هل توظف الرياض القمة العربية لتصفية حساباتها مع لبنان؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net