حرب المياه اسقطت العراق في الهاوية
جاسب المرسومي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
جاسب المرسومي

يتصور المواطن العراقي ان تركيا وايران كانتا سببا رئيسيا لشحة المياه الواردة الى العراق كونها دول المنبع كما يرمي المختصين والمعنيين من السياسيين العراقيين تلك الكرة في ملعب الدولتين دون ان يعترف أي منهم في ضعف السياسة الخارجية للعراق ودور الحكومة السلبي اتجاه هذا الملف الخطير الذي اخذ يتردى عاما بعد عام .
تلك السياسة التي بنيت على مبدأ البراغماتية اللعينة , اخذت مأخذها من المواطن العراقي لتكون سببا في دمار اقتصاده الوطني وتصحر أرضه بعد انقطاع الشريان الحيوي الذي تعتمد عليه الانشطة الكثيرة كالزراعة والثروة الحيوانية والسمكية بل حتى الطيور والصناعات التحويلية التي تعتمد على تلك الانشطة كصناعة الالبان والزيوت النباتية والحبوب.
وهكذا رأى الجار من دول المنبع ان يضع العراق تحت رحمة الاستيراد وضياع العملة الصعبة حتى وصلت واردات العراق من تركيا للمواد الغذائية لأكثر من ( 12 ) مليار دولار سنويا ناهيك من المواد والسلع الصناعية والاستثمارات , اما الجمهورية الايرانية فالرقم مضاعف بكثير عن تركيا , وفي نفس الوقت تعطلت الآلة العراقية وتوقف النبض الصناعي ومثلها تحول الفلاح المنتج الى مستهلك بعد ان تصحرت اغلب الاراضي الزراعية وجفت غدرانها.
وبعد ان دخل العراق الى لائحة التراث العالمي في بعض من مناطقه خصوصا الاهوار ,تباشر السياسيون بان اليونسكو ستضمن حق العراق بالمياه , وصرح الكثير منهم في الاعلام والصحافة دون ان يعلموا بان اليونسكو ليست لها أية سلطة على سيادة أي بلد وان الحصص المائية ليس من ضمن مسؤولياتها بل هي مسؤولية العراق , وان دل هذا على شيء ماهو الا عدم اطلاع وفهم هؤلاء القادة لما يدور حولهم وعدم ادراكهم للقوانين الدولية ودورها في سياسة البلدان .
يظهر ان موضوع تسجيل الاهوار على لائحة التراث العالمي اثار حقد الجارتين لتنتقما من دولة كانت في مصاف الدول المتقدمة ومدين قوي لكثير من دول العالم الكبرى كبريطانيا التي كان العراق يقرضها بصادرات القطن حتى بلغت ديونها عام ( 1954 ) الى اكثر من اربعين مليون باون في ذلك التأريخ الذي كان فيه العراق يزرع اكثر من ( 13 ) مليون دونم بالرغم من ان عدد سكانه لا يتجاوز ( 4,5 ) مليون نسمة , حتى سعت الى اتخاذ التدابير الخاصة بآلة الحرب الجديدة وهي حرب المياه.
استغلت تركيا وايران ضعف العملية السياسية وترديها في العراق وولاء بعض اصحاب المناصب العالية في الحكومة والذين فضلوا مصالحهم الشخصية على مصالح العامة من الشعب حتى صاروا كالغربان الباحثة عن الجيف متناسين ما قسموا عليه , اضافة الى تلك الاجندات التي ارادت للعراقي ان يكون متوسلا لا يحظ بسويعات من هدوء ليفكر في ما هو فيه وكيف له ان يصنع الحياة لبلد يحتاج كل ما يمتلك ابناءه من كفاءة وفكر.
وموضوع المياه كان محسوما مسبقا في زمن الملوك وقبل ان يأتي الجمهوريون ومن جاء من بعدهم , فحين كان العراق تحت الانتداب البريطاني وسوريا تحت الانتداب الفرنسي وفي سنة 1923 عقدت بريطانيا وفرنسا معاهدة اسمها ( لوزان ) مع تركيا في سويسرا وهي معاهدة سلام , تضمنت عدة بنود من ضمنها ما يخص المياه وحقوق البلدين ( سوريا والعراق ) مع الدول المتشاطئة معها واهمها تركيا , التي تعترض المياه بعدة سدود وضمن برنامج شرق الاناضول المائي , ونصت الفقرة ( 109 ) من المعاهدة على حماية حق العراق وسوريا بالمياه , ولم يذكر احدا من السياسيين العراقيين تلك الفقرة من المعاهدة .
وجاء اخيرا خبر الثلاثة اشهر التي منحتها تركيا للعراق قبل مليء سد اليسو الخطير الذي سيستجدي العراق كالونات الماء من تركيا كما هي جارتنا ايران !!! وتباشر السيد وزير الموارد المائية بانه حصل على تلك الوعود التي ستأتي مع حلول الصيف وفصل الجفاف خصوصا ونحن في سنة جافة , وكأن الحكومة حصلت على منحة من قبل تركيا متناسيا ان للعراق حقا مشروعا في المياه التركية وفق القوانين الدولية .
مشكلة العراق المائية كما قلناها في كل المحافل ( قانونية فنية سياسية ) والقيادات في الدولة العراقية لا يسعى الى تطبيق ذلك ولا يحاول البعض منهم الاستفادة من خبرات الآخرين والحقيقة المهمة عندهم هو كيف يحافظ كل منهم على منصبه وكرسيه وما يستفيده من مكاسب على حساب الشعب المسكين .
فهل حقا نحن نمتلك هذا الشعب والفكر والكفاءات ولا نستطيع ادارة البلد بما يضمن حقوقه مع الجيران وحقوق شعبه ضمن قوانين العالم ؟؟
والى متى تبقى الحكومة العراقية والسياسيين تزيف الحقائق؟
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat