صفحة الكاتب : حميد آل جويبر

الجبن العراقي الابيض
حميد آل جويبر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

في احدى كتاباته التي تناول فيها المفكر العراقي حسن العلوي شخصية شاعر العرب الاكبر محمد مهدي الجواهري يشير فيها الى سوء طوية ابي فرات ويشبهه ببائعة الجبن "المعيدية" التي تعطيك مادة بيضاء لذيذة تسر الناظرين ، بينما تجدها اذا مخضتها، كتلة من الاوساخ على العكس من بضاعتها المغرية . من خلال معايشة يومية امضيتها مع الاستاذ العلوي في دمشق منتصف التسعينات فانني استطيع ان ازعم - وبلا ادنى تردد - بان العلوي كان من الذائبين في شعر الجواهري ولعلي اذهب الى ابعد من ذلك فاقول انني لم استمع للعلوي وهو يستشهد بالشعر سوى شعر ابي فرات رغم ولعه وحفظياته المتنوعة . فهو بالاضافة الى تخصصه الاكاديمي باللغة العربية ، كان من المتزمتين بالتزامهم باللغة والادب العربيين . تشبيه العلوي لنابغة النجف ببائعة الجبن ، استطيع ان اسحبه على قطاع واسع من العراقيين الذين حباهم الله موهبة ميزتهم عن اقرانهم ، متجنبا التعميم المطلق. اني اتحدث هنا عن عباقرة احدثوا شرخا في الحياة الادبية او الفنية او فلنقل الثقافية بصورة عامة ، اي مبدعين بقامة الجواهري او من يدانونه في نوعية المنتج الثقافي . ولان الرحم العراقي ولود ، فان عدد هؤلاء  الكبار لا يستهان به موزعين في بقاع الارض شرقا ومغربا . وقد اتيحت لي فرصة اللقاء او معايشة عدد من هؤلاء لفترات متفاوتة فلمست منهم ما يمنعني الحياء من ذكر الكثير من سجاياهم وتصرفاتهم التي اقسم واجزم بانها لا تبدر من صبايا باعمار احفادهم . فما ان تنتهي فترة الانبهار وتذهب سكرة اللقاء الاول وربما الثاني ، تاتي بعدها الفكرة او البدء باكتشاف الاشياء على حقيقتها وبالوانها الطبيعية دون تزويق او بهرجة. وعندما تتكشف هذه الزوايا من شخصية المبدع وهي جزء من حياته اليومية واعني بذلك هي صورة صادقة وحقيقية لشخصيته ، يتحول الانبهار الاول الى "انبهات" ان صح التعبير ، وينساب الاعجاب من عليائه الى منحدرالتعجب كما اختاره الاخ الصديق مدين الجابري عنوانا لسرد تفاصيل علاقته بشاعرنا الكبير الجواهري بعد ان عايشه على مدى اسابيع في العاصمة الايرانية طهران واكتشف فيه الجانب المظلم من "بائعة الجبن ". حينها كان الجابري يزودني بتقرير شبه يومي عن آخر تفاصيل يومياته مع الجواهري. آخر هؤلاء العمالقة العباقرة مازلت على علاقة وثيقة لصيقة به بحكم الجغرافية والغربة . وبسهولة استطيع الزعم انه فريد زمانه في اختصاصه ولا يقل عن العملاق الجواهري قيد انملة ولعله يفوقه في منجزه الثر . لكن مبدعنا هذا وهو مستودع لحزمة طويلة عريضة لاحاديث الرسول الكريم محمد "ص" وحِكَم الامام علي "علي السلام" والكثير من شواهد الشعر العربي ، كل هذا الرصيد الضخم من الثقافة الاخلاقية النظرية ، لا يمنعه من توزيع ابذأ الالفاظ واقذعها وارخصها ذات اليمين وذات الشمال ولاسباب لا تستحق حتى التعليق عليها . فيكفي ان تمتدح امامه مبدعا يمارس الابداع في نفس الحقل الذي يخوض فيه صاحبنا . حينها ليس مهما ان يكون المدح في المنتـَج . حيث سينزل صاحبنا عليه نزلة شعواء ضارية لا يوقفها الا نفاد رصيده المخزون من الكلمات البذيئة والسباب المقذع والفحش . وقد يلجأ احيانا الى اعادة بعض الالفاظ اكثر من مرة اذا وجد ضرورة تدعوه الى ذلك . والى جانب هذا - ولعله تفرعٌ منه - تنطلق مؤشرات النرجسية وتضخيم الانا ، فتنساب القصص الحقيقية وغير الحقيقية لدعم الموقف الذي يتطلب منك - انت المستمع - ان تصغي بدون اي اعتراض َوالا فانك ستكون الهدف القادم لهذا السيل الهادر من "الفشار المگشر". اتذكر عندما كنا على مقاعد الدراسة كان احدَ اساتذتي علمٌ من اعلام العراق الكبار الموسوعيين . ذات مرة قرا لنا في الصف خمسة ابيات من نظمه وقال بعدها : بكل تواضع اقول ان هذه الابيات الخمسة تستحق جائزة نوبل . انني اتحدث عن شخص ما زلت حتى يومنا هذا ومعي صفحات من الاِعلام العراقي تستعرض منجزه الابداعي والاخلاقي واثره الكبير على مسيرة التربية والتعليم في العراق. في آخر زيارة لي للعراق التقيت مسؤولا كان صديقا لي في سنوات المعارضة - رحم الله ايامها -  وذلك خلال ملتقى عام. وقد بدا لي هذا الصديق الصدوق غريبا في كل شيء وخاصة مظهره الذي انقلب راسا على عقب ولا اقصد هنا النيل منه، حيث بدا لي متوازنا وكيّسا وانيقا اكثر من ذي قبل بسبب تغير حالته المادية نحو الاحسن .ولكن عندما انفردنا معا لتناول الشاي والشأن العراقيين واصدقاء ظننتهم مشتركين ما زال الكثير منهم قريبين منه بعيدين عني، حتى انهال على كل اسم سالته عنه تقريبا بالسباب والشتائم ومن بين المشتومين طبعا كان العراق الذي قال صديقي انه يلفي "هيچي شكول" ، ولم يسلم منه الا القليل من الصحب لعله راعى في ذلك مشاعري تجاههم .طبعا ، لم يفته قبل ان يبدأ "بجرش" هؤلاء الاصدقاء ان يطلعني على اسهامه الكبير وفضله العميم الذي اسداه للعراق وللعراقيين في المحافظة على لُحمتهم الوطنية وابعاد شبح الحرب الاهلية من البلاد . وبدا لي هذا الصديق وكانه على صلة وثيقة وتاثير كبير في اي قضية حدثت في العراق بعد الفين وثلاثة . فاذا جيء باسم البصرة ، فانك ستراه هناك مع محافظها وقائد القوات البريطانية ورئيس مؤسسة نفط الجنوب لمناقشة تحويل هذه المحافظة المنكوبة الى ما يشبه مدينة البندقية الطليانية. واذا جرى الحديث عن العاصمة فانه سيكون مجتمِعا مع بترايوس والجعفري ومثال الالوسي في آن واحد للتمهيد لعقد مؤتمر مجموعة العشرين الاقتصادية في بغداد ، ومناقشة الابعاد الستراتيجية لانضمام العراق لمنظمة التجارة العالمية . واذا تطرق الحديث عن الموصل فتراه حاضرا اجتماعا امنيا رفيعا لتخليص المحافظة من شر مشعان الجبوري وسبل تطوير منطقة الغابات ودعم انتاج الكبة المصلاوية... وهكذا فهو مؤثر في كل مكان وعلى الجميع ولكنه يسب الامكنة والجميع الا من رحم ربي. امثلة كثيرة على اعلاميين برامجهم التلفزيونية هزت السي ان ان  ، واكاديميين قلصوا ثقب الاوزون وغيروا وجه العالم ، وادباء يتصاغر امامهم غارسيا ماركيز ، وفنانين بوزن سلفادور دالي او اثقل ، جميعهم يعصف بهم تسونامي النرجسية من الهام الى اخمص الاقدام. امثلة وقصص لا يسع المجال تناولها بالتفصيل، لكن جميعها يعزز هذه الفكرة واعني تفليش الآخر وعبادة الذات . وهم في الغالب اصحاب مقربون ككف اليد مضٌ قطعها بعد دائها وان قطعت شانت ذراعا ومعصما . وكما بدأتُ مع العلوي فسانهي بقصة طريفة رواها لي ونحن في الشام ولست متاكدا ان كان اوردها في مؤلفاته ام لا. يقول ابو اكثم ان من بين الحشد الكبير الذي كان يحتفي بالجواهري في بيروت ، تسلل شاب انيق واقترب من الجواهري ليعرب له عن اعجابه الشديد به . والظاهر من القصة ان الجواهري - رحمه الله - كان بلغ انذاك من العمر عتيا . فرد ابو فرات على الشاب قائلا : اعرني ذَكـَرَكَ ساعة اضاجع به تلك الحسناء التي تقف خلفك وساتنازل لك عن كل دواويني الشعرية ...تصور




 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حميد آل جويبر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/11/18



كتابة تعليق لموضوع : الجبن العراقي الابيض
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net