لم يكن فان خوخ منشغلا بالأحذية في العراء معزولة في لوحة الضوء والألوان . إنها ليست شيئا منعدم الكينونة والوجود٬ إذ سرعان ما تفجر الأحذية صخب الحياة ٬فتدب الحركة في المحيط ..حركة الناس وهم يصارعون من اجل العيش والحياة والبقاء ...
والأحذية كالكرسي والسرير...ليست رسومات مكتفية بذاتها ولذلتها٬ إنها مفاتيح لرؤية العالم بشكل دقيق٬ أو لإعادة إنتاجه بصورة ينعدم فيها الغبش والالتباس . يقال عادة وراء كل كرسي سرير مولع بعشق الصمت والتكتم على سحر وأسرار قوة النفوذ .صحيح أن تاريخ السرير مغمور إلى درجة جعله الكرسي مرحلة مظلمة في تاريخ البشرية .انه جزء من التاريخ المنسي والمسكوت عنه بإصرار٬ لم يسمح بتجليه أو تدوينه ٬مما جعله عرضة للوصاية والاستعباد والسخرية والبخس والاستهزاء . رغم الخدامات الجليلة التي يقدمها في الترويح عن النفس٬ ونزع تعب اليومي وصخب الحياة ٬فهو مهمش ومنبوذ إلى ابعد حد على طرف اللسان٬ كأسلوب في الشتم والتقليل من قيمة الإنسان . لهذه الأسباب وغيرها مما يعتبر ضمن المجهول٬ أو في صعوبة الوصول إليه٬ أبدع السرير لعبة الزوايا المعتمة والغرف المظلمة والانبساط في حضن الليل٬ انه أشبه بسرير بروكست كما يقول في حقه أهل الدين. لذلك اتهموه بأبشع الأعمال في المكر والدس والغدر٬ في وقت تغنى الشعراء بروعة انبساطه فيما يشبه البساط السحري لسندباد. يصل القمر بنجومه ويخفف آهات آخر الليل٬ ويطهر النفس من الرذائل والأحزان٬ ويشق الصدر ليغسل القلب مما علق به من شوائب الخوف والقتل والكراهية . لكن ما يزعج الجميع هو تلك الهوة السحيقة التي لا تكف عن اندلاع النيران٬ وكأنها تقول هل من مزيد٬ وهي تترصد الحفاة والأحذية لكن غالبا ما تنتقم بشراسة من الكرسي لأنه المورط الأكبر في الغبن والحيف والازدراء الذي عايشه ويعيشه السرير٬ فكلما تمكن من الكرسي يقذف به إلى تلك الحفرة العميقة التي لا تكف عن تجديد جلد الكرسي عند احتراقه٬ وهو لا يقوى على الصعود كلما تململ إلا وازداد غرقا في الحفرة الحارقة ٬وقديما قال بعض الحكماء من أهل الرواية والدراية والنبش في القبور لكل كرسي ليلاه من بلقيس .. فكتوريا ..ومن شهرزاد ..ليلى..وسوزان ... ولأهل الفلسفة حديث و رأي آخر قد تجود به الأيام ...
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat