صفحة الكاتب : راميار فارس الهركي

حوار وسط الانقاض 
راميار فارس الهركي

سار الطفل بخطوات ثقيلة وسط الأنقاض ، أنقاض المدينة التي احالها خلاف نشب بين وحوش الغاب الى ركام ، وهو يرتعد من شدة البرد والصفرة تعلو وجهه النحيل من شدة المرض ، كان يجول بنظراته رغم البرد والرياح القوية والمطر الذي بدأ بالتساقط منذ حين ، باحثاً عن شيء ما يؤكل بعد ان انشب الجوع أظافره في جسده الضعيف . اثناء سيره شعر بالمطر البارد يضرب وجه النحيل بين حين واخر . خطواته ثقيلة متعثرة غير منتظمة ، كل خطوة يخطوها تعقبها عثرة واحيانا سقطة مؤلمة . اثناء سيره شاهد من بعيد شيخاً  كهلاً جالساً على ارض عارية مططأ الرأس يضع على كتفيه معطف بالي اسود اللون ، عندما اقترب منه تنبه الى ان الرجل كان يتنفس بصعوبة وعلامات الاعياء بادية على قسمات وجهه المتعب ، ابتدره قائلا :
- هل انت مريض ياعماه ؟ 
رفع الشيخ رأسه بصعوبة ونظر الى مصدر الصوت وقال بعد ان تنهد طويلاً :
- وانت مالذي جاء بك الى هنا ؟ 
- انا ابحث عن طعام فأنا لم اكل شيء منذ ايام . 
- الا تخاف الخروج ليلاً ؟
- وممن أخاف ؟
- من الحرب من الرصاص من القنابل من الناس من كل شيء .
اجاب بحماسة طفولية :
- صدقني ياعماه انا لا اخاف ، يوميا اخرج في مثل هذا الوقت . 
-الا تشعر بالبرد ؟ 
- كثيراً ، فكما ترى ، ملابسي ممزقة ولا املك ما أقي به نفسي من لسعات البرد القارس . 
مد الرجل ذراعه الطويلة نحو الطفال ودعاه قائلاً : 
- تعال وضع رأسك على صدري كي أظمك . 
نظر الطفل بأستغراب واضح وتردد قليلاً قبل ان يبتسم الرجل ليقول :
- لا تخف ياصغيري ... لاتخف .  
عندما صار في حظن الشيخ ، شعر الطفل بدفق الحرارة وهي تسري الى جسده ، قال بلهفة :
- صدرك دافىء ياعماه . 
- ستشعر بالدفىء والراحة اعدك بذلك . 
- ماهو أسمك يا عماه ؟ 
- لا تسألني عن أسمي ، لان جميع البشر يتشأمون منه ، فأنا ما دخلت بيتاً حتى اخرج منه مخلفاً ورائي الخراب والسواد . الجميع يشيرون ألي وكأني سبب مصائبهم . 
تنهدء بعمق وواصل كلامه : تعبت من هولاء البشر ، مللت حروبهم ونزاعاتهم التي لا تهدأ ، منذ ان خلقوا وهم يخوضون في بحار الرذيلة مابين حروب ونزاعات وقتال وسفك دماء واثارة فتن وحبك مؤامرات ، تراهم يتحابون ويتزاورون ويتناصحون في العلن ، اما في بواطن نفوسهم النتئة فهم اعداء يضمرون الحقد والكراهية والحسد فيما بينهم . لا ادري ما جدوى خلقهم اذا كانوا على هذه الشاكله . 
صمت قليلاً ، كان يلتقط انفاسه بصعوبه .        
سأله الطفل بصوت ضعيف يكاد لا يسمع وسط عويل الرياح :
- لماذا لا تهجرهم ياعماه وتعيش بعيداً . 
نظر الى الطفل نظرة حنو واشفاق وراح يمسد على شعره بحنان :   
- حتى وان تركتهم ورحلت بعيداً فهم لن يتركونني وشأني  . 
بدأت أنفاس الطفل تتقطع والبرودة القاتلة تتسلل الى جسده الضعيف حتى تحول في نهاية المطاف الى كتلة من الجليد ، كان اخر ما سمعه الكهل قبل أن تخمد انفاسه نهائياً : انا جائع ياعماه . 
نهض الشيخ من مكانه بصعوبة ، بعد ان مدد الجسد على الارض وقام بتغطيته بمعطفه،  وقبل ان يهم بالرحيل أمسك بيده الباردة كالثلج ونظر الى ذلك الوجه الملائكي ، قائلاً له بصوت حزين : هذا قدرك ياولدي في عالم يحكمه البشر .  


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


راميار فارس الهركي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/12/16


  أحدث مشاركات الكاتب :



كتابة تعليق لموضوع : حوار وسط الانقاض 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net