صفحة الكاتب : عمار يوسف المطلبي

طريق الآلام: زينب التي أكملَتْ ثورة أخيها الحسين !
عمار يوسف المطلبي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

هذا هو طريق الآلام الذي حُمِلَ فيه أهل بيت النبوّة مقيّدين بالأغلال و السلاسل، و قدْ غُلَّتْ يدا الإمام عليّ السجّاد إلى عنقه بسلسلة من حديد، و النساء بحبل في الأعناق و الأكتاف !!
على تلك الحال، كان عليهم أن يقطعوا ذلك الطريق الطويل ، و معهم الأطفال، جوعى و مُقيّدين بالأصفاد !!
و فوق ذلك العذاب كلّه، كانت رؤوس أحبّتهم معلّقةً تمضي أمامهم، فوق الرّماح!!
أيّة جريمة نكراء، و أيّة فعلةٍ تأنفُ منها الضواري والوحوش؟!!!
.......................................................................................
أعيش بفكري معهم في طريق العذاب الطويل ذاك .. و هو عذاب لم ينته بعد، فما وقع لإخوتنا على يد أحفادهم هو منْ جنس العمل ذاك .. الغريب أنّ طريق الأسرى يمرّ بسنجار، حيث قُطِعت الرؤوس، و وقعت الفظائع ، و مات مئاتُ الأطفال من الظمأ و الرُّعب !!
* السّجن !!
..................................
* بعد أن اكتمل تزيين الكوفة احتفالاً بالنصر على 70 مقاتلاً، دخل الموكب المؤلّف من 20 امرأة و 15 طفلاً من أسرة النبيّ ( ص) وضِعت الحبال في أعناقهم و الأكتاف، و شابّ مُشرف على الموت، هو زين العابدين (ع)، يتقدّمهم حمَلة الرؤوس على الرّماح، و بضمنها رؤوس أطفال !!
* على وقع الطبول، كان يُطاف بذلك الموكب في الأزقّة و الأسواق !!
* أُلقِيَ النساء و الأطفال أخيراً في السجن !!
إنّهُ سجنٌ رهيب .. ربّما تخيّلتهُ سجناً ببابٍ يقفُ عندهُ حارسٌ، أو مجموعةٌ من الحرّاس !!
لا هذا و لا ذاك !!
إنّه زنزانة شبيهة بغرفة تحت الأرض !!
الإتّصال الوحيد بتلك النسوة، مع الأطفال و الشابّ المريض، كان يتمّ عبر إلقاء حجرٍ مربوط بحبل، يتدلّى منْ فتحةٍ في السقف، و تُربَطُ مع ذلك الحجر ورقة، يكتبون فيها ما يُريدون !!
هل كانوا يُنزلون كِسَر الخبز و دلو الماء من تلك الفتحة للسُجناء ؟!!!
* من تلك الفتحة، نزلت رسالةٌ مربوطةٌ بالحجر الذي أُدلي بالحبل:
تقول الرسالة:
( خرج البريد بأمركم في يوم كذا وكذا إلى يزيد بن معاوية, وهو سائر كذا وكذا يوماً وراجع في كذا كذا, فإن سمعتم التكبير فأيقنوا بالقتل, وإن لم تسمعوا تكبيراً فهو الأمان إن شاء الله )* !!
* بعد ذلك بأيّام، ينزل ذلك الحجر برسالة مربوطة به، مع (موسى) تذكيراً بالذبح الذي ينتظر تلك النسوة و الشابّ المريض و الأطفال .. تقول الرسالة هذه المرّة:
( أوصوا واعهدوا فإنما ينتظر البريد يوم كذا وكذا ) !!
* كأنّ كلّ الذي مرّ بهم لم يكن كافياً .. فأيّة خِسّةٍ، و أيّ رُعبٍ أنْ تقترن صيحات ( الله أكبر ) بحفلة ذبح، أو بانتظار أوامر الذّبح، تماماً كما اقترنت اليوم بكلّ رأسٍ يُقطع على يد أحفاد مَنْ عاشوا قبل 1396 عاماً ؟!!
............................
* روى ذلك عوانة بن الحكم الكلبي: مؤرّخ و كاتب سير معاوية و بني أميّة ، و وردت الرواية في كتاب ( تاريخ الرسل و الملوك ) للطبري.

* التجويع !!
.................................................
* قال الإمام علي بن الحسين (عليه السلام):
«إن عمتي زينب كانت تؤدي صلواتها : الفرائض والنوافل . . من قيام ، عند سير القوم بنا من الكوفة إلى الشام !
وفي بعض المنازل كانت تصلي من جلوس ! فسألتها عن سبب ذلك ؟
فقالت : أصلي النوافل من جلوس لشدة الجوع والضعف ، وذلك لأني منذ ثلاث ليال ، أوزع ما يعطونني من الطعام على الأطفال !!
* و قد بلغتْ حقارة التجويع حدّاً يفوق كلّ خيال:
يذكر ياقوت الحموي في كتابه ( معجم البلدان) أنّ زوجة الإمام الحسين أسقطتْ حملها الذي دعتهُ ( مُحسناً )، حين وصل موكب السبايا إلى جبلٍ مشرف على حلب يدعى ( الجوشن )، فطلبتْ منْ عمّالٍ كانوا يستخرجون النحاس الأحمر هناك خبزاً أو ماء !!
ماذا كان جواب اولئك العمّال ؟!
يذكر ياقوت في كتابه أنّهم منعوها و شتموها !!
هل تكفي كلمة ( وحوش ) وصفاً للقوم ؟!!

* الغيرة العربيّة !!
......................................................
* قال الإمام عليّ السجّاد عليه السّلام، و كان مريضاً :
( حُمِلْتُ على بعير هزيل ، بغير وطاء ، ورأس الحسين (عليه السلام) على علم ، ونسوتنا خلفي ، على بغال ، والحرس خلفنا وحولنا بالرماح ، إن دمعت من أحدنا عين قرع رأسه بالرمح ) !!!
* لمْ يتحرّك ركب الأسرى من ساحة المعركة فوراً، بل بقي إلى ظهر اليوم الثاني، فأيّة خسّة أنْ تُبقي النساء و الأطفال بجوار أجساد أحبّتهم المُقطّعة الرؤوس !!
* كان عُمر الإمام السجّاد 22 سنة، و كان مريضاً جدّاً، و معه ابنه الذي سيتولّى الإمامة بعده، الإمام محمّد الباقر(ع)، و عمره سنتان، أو4 سنوات !!
* عدد النساء 20 امرأة ، بعد استنقاذ القبائل لنساء أبنائها الذين حاربوا مع الإمام الحسين .. كلّ قبيلة كانت تأتي فتُخرج امرأة مَنْ ينتمي إليها، حفاظاً على كرامة القبيلة، و تترك نساء أهل البيت !! فيا للغيرة العربيّة يومذاك !!
* لم يدخل موكب الأسرى الكوفة مباشرةً، بل بات ليلةً كاملة مع الرؤوس في ما يُسمّى اليوم بالحنّانة في النجف .. السبب هو منح عبيد الله بن زياد الوقت الكافي لتزيين الكوفة و مستلزمات الاحتفال بالنصر المؤزّر على جيش تعداده 70 مقاتلاً !!
* إنّها قصّة خِسّة و دناءة و عذاب، تجعلنا نفهم ما يجري اليوم على صعيد الحكّام و الحركات السياسيّة ( المُسمّاة إسلاميّة ) ، و الثقافة السّائدة، ثقافة امتهان حياة الإنسان و كرامته، و امتهان الجسد الإنسانيّ حيّاً و ميّتاً !!

* خولة التي لم تستطع إكمال المسير !!
...................................................................................
يحار المرءُ في وصف تلك الخسّة التي أظهرتها تلك المجموعة من الوحوش، تجاه ذلك الموكب من النساء والأطفال .. تخيّل طفلة دون الخامسة من العمر، تقطع تلك المسافة الطويلة، محاطةً بحرسٍ مدجّجين بالسّلاح !! تفتح ُ عينيها في الصباح على رأس أبيها محمولاً فوق رمح، و تطبقهما حين تنام عليه !!
* طفلتان، هما خولة و فاطمة ابنتا الحسين عليه السلام ، لا يريان ما يزيد على العشرين يوماً من الأب سوى رأسٍ محمولٍ فوق رمح طويل !!
ماتت خولة ذات السّنوات الثلاث في بعلبك، و دُفِنَتْ هناك ، و بقيتْ فاطمة الصغيرة، لتروي لنا شهادتَها المروعة، عمّا حدث بعد استشهاد أبيها :
( كنت واقفة بباب الخيمة، وأنا أنظر إلى أبي وأصحابه مجزّرين كالأضاحي على الرمال، والخيول على أجسادهم تجول، وأنا أفكر فيما يقع علينا بعد أبي من بني أمية أيقتلوننا أم يأسروننا؟ فإذا برجلٍ على ظهر جواده يسوق النساء بكعب رمحه، وهن يلذن بعضهنّ ببعض وقد أخذ ما عليهن من أخمرة وأسورة، وهنَّ يصحن: واجداه، وأبتاه، واعلياه، وقلة ناصراه، واحسيناه! أما من مجيرٍ يجيرنا؟ أما ذائدٍ يذود عنّا ؟ فطار فؤادي وارتعدت فرائصي، فجعلت أجيل بطرفي يميناًً وشمالاًً على عمتي أم كلثوم خشية منه أن يأتيني، فبينا أنا على هذه الحالة وإذا به قد قصدني ففررت منهزمة، وأنا أظن أني أسلم منه، وإذا به قد تبعني فذهلت خشية منه، وإذا بكعب الرمح بين كتفيّ فسقطت على وجهي، فخرم أذني وأخذ قرطي ومقنعتي، وترك الدماء تسيل على خدّي، ورأسي تصهره الشمس، وولى راجعاً إلى الخيم، وأنا مغشي عليّ، وإذا بعمتي عندي تبكي وهي تقول: قومي نمضي!... فما رجعنا إلى الخيمة إلا وهي قد نُهبت وما فيها، وأخي علي بن الحسين مكبوب على وجهه لا يطيق الجلوس من كثرة الجوع والعطش والأسقام، فجعلنا نبكي عليه ويبكي علينا" ) !!
..........
العجبُ أنْ يحدث هذا، و ما مضى على وفاة النبيّ (ص) سوى خمسين عامّاً حسب !!

* قصّة عجوزٍ أم مجتمعٍ مريض؟!
......................................................................................
كيف يستطيعُ إنسان أنْ يُفسِّر تلك النزعة العدوانيّة العصيّة على الفهم؟!
إحتفظ التاريخُ برواية سهل بن سعد السّاعدي، و هو صحابيّ كان يعيش في الشّام .
يحكي لنا هذا الرّجل حكايةَ قسوة فاقت كلّ خيال !
يقول :
( إنَّ عجوزاً قامت إلى رأس الحسين (عليه السلام) وبيدها حجر فضربت به وجهَه ) !!
الرأسُ معلّق على رمح !
و ثمّة خلفه نسوة ترسف بالأغلال و أطفال مرعوبون، فما الذي يدفع عجوزاً ترى ذلك كلّه إلى رمي حجرٍ عليه، من غير أنْ تتحرّك في قلبها عاطفة أو شفقة أو ألم ؟!
* ما الذي دار بخَلد تلك العجوز يا تُرى، و هي تسمع أم كلثوم تصرخ لمرأى ذلك الوجه المطلّ من فوق الرمح ، وهو يُقذَفُ بالحجَر ؟!
وا غوثاه، وا مصيبتاه، وا محمّداه، وا عليّاه، وا حسناه، وا حسيناه !!
* و ماذا تُرى دار بخلدها، و هي ترى أمّ كلثوم تغيب عن الوعيّ، من أثر الصدمة المروّعة ؟!
و ماذا عن الأطفال و صرخاتهم المذعورة ؟!
* أغلب الظنّ أنّ تلك العجوز الغريبة ابتسمتْ و هي تشعرُ بالانتصار!!
.......................................................................................
إنّها حكاية مُجتمعٍ مريض بالقسوة و العنف !!

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عمار يوسف المطلبي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/11/06



كتابة تعليق لموضوع : طريق الآلام: زينب التي أكملَتْ ثورة أخيها الحسين !
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net