صفحة الكاتب : د . محمد تقي جون

إلى الحكومات كافة
د . محمد تقي جون

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

هذا كلام استوحيته من القرآن والسنة النبوية وأقوال التقاة، أضعه بين يدي الحكومات كافة في العالم أجمع للعمل بموجبه:

إنَّ عمر الإنسان على الأرض قصير جداً لا يتجاوز مئة سنة إلا نادراً، وهو أمر يعرفه الجميع ويعتقده الكل. وهذا يعني أن الإنسان لم يخلق للأرض، بل هو يمرّ بها للاختبار فقط، ثم يعود لموطنه الأصلي الذي جاء منه (السماء) وحسب نتيجة الاختبار يذهب لجنة أو لجهنم. وسبب الاختبار الإثم الكبير الذي جناه آدم فأوجب خضوع جنسه البشري كافة لهذا الاختبار.

 حين نزل الإنسان إلى الأرض ودَّع اتكاليته التي ولد عليها في جنة الخلد، وصار عليه أن يكدح لملء معدته الفارغة. فكان أول شعور تولد عنده (الندم) ثم القلق والخوف والتشبث. كان عليه أن يجاهد كي لا يقع في الاستسلام، فتضخم عنده الأمل حتى أطغاه على كل مشاعره وعواطفه. وحين اكتشف أن العقل هو وراء عواطفه السلبية: الندم، القلق، الخوف، الألم... وهو الذي أخرجه من الجنة، صار يبحث عن إلغائه أو تعطيله، فاكتشف مبكراً (السكر) وصار جزءاً من يومياته.

وبغياب العقل تسيّد عليه (الأمل) بشكل لامنطقي، وصار أساس لحياة خطها لنفسه، لا علاقة لها بالسبب الذي أرسله الله من اجله إلى الأرض، وتجاهل قضية الاختبار ومحدودية وقته، وصار يرى الحياة واقعه لا غير، وحياته الأولى مجرد ذكرى وفردوس مفقود. فكان الأمل ألد أعداء الإنسان وأكبر مضلّيه وفيه يقول الله (جل جلاله) (ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (الحجر: 3)).

 وكان عليه أم يتغلب على أقسى حقيقة وأكدى عقبة وهي (الموت) فقرر التعامل معها بالتجاهل والنسيان في أقواله وأفعاله فاستحق اسمه (الإنسان = الناسي)، قال أبو تمام: (سُمّيتَ إِنساناً لِأَنَّكَ ناسي). وقد وردت لفظة الإنسان في القرآن بمعنى الضعيف، الآثم، الجاحد (إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (المعارج: 19))، (قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (عبس: 17)، (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (الانفطار:6)).

 وكان الله (سبحانه) بتقديره قد جعل الموت محطة من محطات يجتازها الإنسان ليعود أدراجه بعد الحياة الدنيا والنجاح في الاختبار إلى الجنة، إلى حياة لا قلق فيها، ولا زمن يحسب عليه، ولا حاجات يسعى إليها. وبإلغاء تقدير الله، وتقدير شيء كيفي بديل، وقع الإنسان في الفوضى والتيه والضلال، فأقصر وجوده على الدنيا فقط مع علمه أن وجوده قصير فيها، وتشبث بها وبفكرة الخلود. وجعل الموت سلبياً، وسماه (هادم اللذات ومفرق الجماعات)، وصورت مخيلته عزرائيل شخصاً مخيفاً مروّعاً، بينما هو (عزرائيل) – انطلاقاً من مفهوم الله -  كان يرى موت الإنسان بمثابة شخص أدى الامتحان في الأرض وحان وقت ذهابه لأخذ نتيجته ومكافأته حسب النتيجة ليس إلا، وجعل الله (عز وجل) الموت علامة المؤمن (فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (البقرة: 94)). وقد عدّ الشاعر معروف الرصافي الموت من أعظم نعم الله.  

 من الترتيبات التي حرص عليها الإنسان في حياته الارضية إنشاء الدول ووضع القوانين، وكان غرضها (التنظيم) فقط. الا انها خرجت عن هدفها وطبيعتها، وصارت الحكومات تسخّر الشعوب، وتلعب بمصائرها فأنتجت الضحايا والمعدومين والضالين. ووضعت قوانين على شاكلتها، لا أسعدت الانسان في الارض، ولا سمحت له بالإيمان والعمل الصالح لتسهيل حياته الأبدية في الآخرة. وتقولبت الحياة على هذه الشاكلة من الدول، منذ اول دولة والى ايامنا هذه، لذا لم ينجح الصالحون الاتقياء في مجاراة هذه الشاكلة، وصارت الدول حكرا على نمط الرجال الدنيويين.

كما أنتجت الدول قديما وحديثاً طغاة ملاعين. ومن المروي أن امرأة طالها ظلم عاد، فناجت الله مستكينة معاتبة قائلة " اللهم ما غثني عاد، بل غثني حلمك على عاد". وشبّه أحد الشعراء الحكومات بالصنم الذي يصنعه الإنسان بنفسه ثم يقع عليه ساجداً. وهكذا الحكومات يشكلها الشعب، ثم تتحكم بأمره، فتضطهده، وتصدر قرارات ليس بصالحه الدنيوي ولا الاخروي. ورسم كتاب (الأمير) لميكافيلي خارطة طريق للحكومات الجائرة تتصدره (بسملة السياسة) وهي عبارته (الغاية تبرر الوسيلة)، وصارت السياسة (فن الممكن). فانتقضت العلاقة بين هذه القوانين ومفاهيم الدين الحنيف، وبين الله والإنسان إلا بشكل شاحب، ورددت السياسة ومعها المحكومون المغلوبون (إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (المؤمنون: 37)). وصارت الأرض كما عبر الكاتب المصري مصطفى محمود (يحكمها الشيطان).  

وبناء على ما تقدم على الدول أن تمارس عملها المناط بها وهو تنظيم شؤون حياة الناس بسلمية تامة، ووضع قوانين تحفظ سعادة الإنسان وتراعي انه جاء ليختبر ويمضي، وانه سيحاسب على افعاله ثم تتقرر له حياة أبدية جزاء ووفق ما قدم الجنة او جهنم. إذن على الحكومات مراعاة الآتي:

  1. الإنسان وقتي غير دائم على الأرض.
  2. جاء ليؤدي امتحانا ويغادر قاعة الحياة بعد زمن محدد.
  3. تهيئة كل الظروف المناسبة لنجاحه في الامتحان، وعدم جعل تكاليف الحياة شغله الشاغل بحيث يترك الامتحان وينشغل بالقلق والخوف والألم فيها، فيرسب ويخسر حياته الأبدية من اجل حياة فانية.
  4. مراعاة الإيمان بالله والحياة الدينية الصحية، التي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.

واذا طبقت الحكومات ذلك ستنتهي الهيمنة والاحتلالات، واستعباد الشعوب، وظلم الأفراد، وينتهي الفساد، ويعم الصلاح، وتعمر دور العبادة وتهدم دور الضلال، وتقترب الإنسانية من الكمال الالهي ويصحَّ عليهم قوله تعالى (كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (سبأ 15))، وقوله (لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم (المائدة 66)).


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . محمد تقي جون
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/09/19



كتابة تعليق لموضوع : إلى الحكومات كافة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net