في تلك الظهيرة القائظة ، جلست منزعجا عند باب القصر بعدما طردني الحاجب شر طردة ، كنت متعبا ومنكسرا فتعاطف معي الناس ، ورغم هذا التعاطف فهم يخشوني كوني مطرودا من رحمة الخليفة ، ومما يزيد حيرتهم امر ملبسي الغريب ولهجتي ، الى ان تجرأ احد المارة فسألني وهو يحاول استنهاضي :ـ ما الذي آتى بك الى هنا ، قلت :ـ سيدي انا جئت لاقابل الخليفة المأمون ، زاد استغراب الرجل :ـ ما الذي تريده من المأمون وانت على ما يبدو غريب أزمنة ؟،قلت انا لااذهب دون ان اسأله ، فقال :ـ وما الذي تريد ان تسأله ، قلت :ـ اريد ان اسأله الأسباب التي جعلته يقتل سيدي ومولاي الامام الرضا عليه السلام ، ابتسم بوجهي وقال هنا لاتجد جوابا قم معي وسنجيب على جميع اسئلتك ، سألته ومن انت ؟ :ـ انا أحمد بن علي الانصاري وسنذهب سوية الى بيت أبي الصلت الهروي هذا الرجل سيجيب على جميع الأمور المتعلقة بالاسئلة ، قلت له :ـ انا اعرفك سيدي يا أبا الصلت الهروي ، انت من أصحاب مولاي الرضا حبسك المامون بعد موته فاخرجك كرامة مولاي الجواد ، رحب بي وقال انا بخدمتك ، قلت سيدي ابي الصلت لماذا قتل المأمون مولاي ؟ فقال مثلما تعرف ان مولاي الرضا عليه سلام الله ،عاصر عهد الخليفة العباسي"هارون الرشيد" عشر سنوات ثم ابنه "الامين" ثم "المأمون" وقد اتسمت تلك الفترة بالقسوة والظلم والإرهاب وممارسة أشر أنواع التنکيل والتعذيب والقتل بابناء أهل البيت عليه السلام.، من الاسباب التي دعت المأمون إلى سمّ الإمام الرضا عليه السلام انه لم يحصل على ما أراد من توليته للعهد، فهو كان يبحث عن عدة أمور منها توطيد دعائم حكمه ، ومحاولة اظهار الامام وكانه يبحث عن عرش وحكومة ، فلمّا لم يظهر منه في ذلك للناس إلا ما ازداد به فضلا عندهم، ومحلا في نفوسهم، ، فكان لا يكلمه خصم من اليهود والنصارى والمجوس والصابئية والبراهمة والملحدين والدهرية، ولا خصم من فرق المسلمين المخالفين إلا قطعه وألزمه الحجة.الناس يقولون: والله إنّه أولى بالخلافة من المأمون، الجواسيس يرفعون ذلك إليه، فيغتاظ من ذلك ويشتد حسده.و الإمام الرضا عليه السلام لا يُحابي المأمون في حق، وكان يجيبه بما يكره في أكثر أحواله؛ فيغيظه ذلك، ويحقد عليه، ولا يظهره له، .إضافة إلى ذلك أن بعض وزراء المأمون وقوّاده كانوا يبغضون الإمام عليه السلام، ويحسدونه، فكثرت وشاياتهم على الإمام عليه السلام، . فلمّا أعيته الحيلة في أمره اغتاله بالسم .وكانت شهادة الإمام الرضا عليه السلام في آخر صفر سنة (٢٠٣ هـ).وقال لي أحمد بن علي الانصاري اثناء العودة:ـ ان الثورة العليمة الهائلة التي قدمها الإمام الرضا عليه السلام للعالم الإسلامي بل للعالم الانساني عامة ولاتباع أهل البيت خاصة قد شملت ألوان العلوم والمعارف من فلسفة وكلام وطب وفقه وتفسير وتاريخ وتربية وآداب وسياسة واجتماع.. . وقد أتاح المأمون من حيث لايشعر فرصة ذهبية لظهور الإمام عليه السلام وبروزه إلى الساحة الاجتماعية وتحدّيه لكل العلماء الذين جمعهم لتضعيف الإمام وتسقيطه من خلال المواجهة العلمية التي جمع من اجلها علماء الفرق والاديان. واستجاب علماء الفرق والمذاهب الاسلامية لدعوة المأمون حتى طرحوا أعقد الاسئلة على الإمام الرضا عليه السلام، تحقيقا لرغبة المأمون، فسألوه عما كان غامضا لديهم، في مختلف ابواب المعرفة فأجابهم الإمام عليه السلام على جميعها، متحديا جبروت المامون والعباسيين خاصة وسائر من يجهل فضل أهل البيت عليهم السلام عامة.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat