صفحة الكاتب : مير ئاكره يي

الإمام علي والعراقيين !
مير ئاكره يي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
[ من خطبة موجزة بليغة للامام ألقاها على مسامع العراقيين ] 
 
كلمات مدخلية موجزة : كما يبدو لقد كان للامام علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – تجارب مرة ومعاناة قاسية جدا مع العراقيين ، ومع أهل الشام أيضا . كما وإن أولاده ، وفي مقدمتهم الحسن والحسين – رضي الله عنهما – ريحانتا رسول الله محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – لاقا نفس التجارب المرة والمعاناة القاسية ، بل أكثرها مرارة وأقساها معاناة ، وبخاصة أبي الشهداء والأحرار سيدي الحسين – رض - ! . 
إذْ مالاقاه الامام الحسين وأهله الطيبين الطاهرين سلام الله عليهم وروحي لهم ولمظلوميتهم ولغربتهم الفداء ، في كربلاء بالعراق من الظلم والجور والعدوان والطغيان ، ومن الغربة والوحدة قلّما حدث مثله في تاريخ بني الانسان ، أو انه – برأيي – لم يحدث على الاطلاق !!! . 
ان كاتب هذه المقالة مُذ أربعة عقود تقريبا يعاني من مرارة الغربة وقساوتها ، وهو خلالها هاجر من أرض الى أرض ، ومن بلاد الى سواها . وقد كان سلواي في مسيرتي الغربتية الغريبة هذه كلام الله سبحانه وتعالى وكتب أحاديث نبيه العظيم سيدي رسول الله محمد – ص - ، وبعدها كتاب [ نهج البلاغة ] ! . 
ان كتاب [ نهج البلاغة ] يحتوي على خطب الامام علي – رض – وكلامه ورسالاته ومراسلاته ، وقد جمعها ( أبو الحسن محمد بن الحسين بن موسى ) الملقب بالشريف الرضي [ 969 – 1015 ] . والشريف الرضي هذا ينتهي نسبه الشريف بالامام علي – رضي الله عنه وسلامه عليه - . 
رأيي في كتاب [ نهج البلاغة ] : بالحقيقة لاأستطيع الجزم بأن كل ماجاء في كتاب نهج البلاغة هو صحيح مئة بالمئة مما قاله وخطبه الامام علي . وهذا الشك مني لايطال ساحة الشريف الرضي ، بل مابعده من الأيام ، وحول ذلك لدي قرائن سأعرضها في مناسبة أخرى . لكن مع ذلك أعتقد بأن أكثرية محتويات كتاب نهج البلاغة من المواضيع والخطب ، ومن الرسالات والمراسلات للامام علي هي صحيحة وتتطابق مع بلاغة ومعارف وحِكَمِ صاحبها ( أي الامام علي ) ، مع تتطابقها وكتب التأريخ الاسلامي والأحداث والوقائع التي بدأت منذ النصف الثاني من خلافة الخليفة الراشدي الثالث عثمان بن عفان – رضي الله عنه - . إذن ، فإن كتاب نهج البلاغة هو كتاب هام وقيِّم على كل المستويات الدينية ، السياسية ، الاجتماعية ، الاقتصادية ، الفلسفية والحِكَمية  وانه لايجاريه كتاب إطلاقا ماعدا القرآن العظيم والسنة النبوية الشريفة . وعليه فالحق الذي لامِراء فيه ان إسم الكتاب على مسماه ، وحقا انه نهج البلاغة ومعدنها ومصدرها ! . 
لهذا فقد كان هذا الكتاب الكريم المصدر والعظيم الشأن هو أُنسي  وسلواي وبهجتي ومُهجتي – بعد الكتاب والسنة – في غربتي الغريبة ، وفي أيام هجرتي قبل نحو أربعة عقود وحتى اليوم ، وانه سيظل كذلك ماحييت ! . 
نص خطبة الامام علي للعراقيين : { ياأهل العراق فإنما أنتم كالمرأة الحامل فلما أتمت أملصت ، ومات قَيِّمُها ، وطال تَأَيُّمُها وورثها أبعدها . أما والله ماأتيتكم إختيارا ، ولكن جئتُ إليكم سَوْقا . ولقد بَلغَني أَنُّكم تقولون : عليّ يَكْذِبُ . قاتَلَكُمُ الله فَعَلَى مَنْ أكذب : أَعَلَى الله ؟ ، فَأَنا أوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ . أمْ على نبيِّه ؟ ، فَأَنا أَوَّلُ مَنْ صَدَّقَهُ. 
كَلاّ والله ، ولكنها لهجة غِبْتُمْ عنها ، ولم تكونوا مِنْ أهلها وَيَلُمِّهِ كيلا بغير ثمن لوكان له وِعَاء ، ولَتَعْلَمُنَّ نَبَأهُ بعد حين .} ! . كتاب [ نهج البلاغة ] شرح الاستاذ الامام محمد عبده ، ج 1 ، ص 83 – 84 ، دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان ، ط5 ، 2002 . 
معاني المفردات : 
______ 
1- أملصت = ألقت ، أخرجت ، أسقطت .وهو كناية عن سقط الجنين ، أو إسقاطه . 
2- قيمها = زوجها . 
3- تأيّمُها = المرأة التي لازوج لها وهي الأرملة . 
4- ويلمه = كلمة تقال في المدح والإستعظام ، وفي الذم أيضا .
الشرح : يبدو من سياقات هذه الخطبة للامام علي – رض – انه ألقاها على مسامع العراقيين بعد واقعة التحكيم المشهورة جدا في التأريخ الاسلامي . إن واقعة التحكيم الكارثية حقا كانت بين الامام ، حيث الامام المنتخب والخليفة الشرعي والراشدي للحكومة والأمة ، وبين والي الشام المتمرد على الامام والأمة والخلافة معاوية بن أبي سفيان . وان خلاصة مأساة التحكيم هي لما إقترب الامام علي – رض – من النصر المؤزر والنهائي على معاوية ، ولاحت في الأفق علامات الظفر وقع العراقيون يومها في فخ جماعة التحكيم . وذلك بعدما بعدما تم – في أجواء النصر المحقق ! – رفع المصاحف الشريفة ومستشاره إبن العاص مراوغة وخدعة لتلافي الهزيمة القريبة المحققة بهم ، فزعموا : [ إن هذا القرآن بيننا وبينكم هو الحكم ] ! . بهذا إنطلت هذه الخديعة الكبرى والمراوغة العظمى على جماعة كبيرة وكثيرة من العراقيين بلغت نحو عشرة آلاف رجل ، فقالوا للامام بأنه حرمة لرفع المصاحف ، ولأجل تحكيم القرآن في الخِلاف الدائر يجب وقف القتال الدائر بيننا . وكانت هذه الجماعة جماعة تغلب عليها طابع الجهل والأمية والقبلية والغلو في الدين والبطيء في الفهم والاستيعاب !!! .  
لقد حاول الامام أن يفهم هؤلاء بأن رفع المصاحف ، وبخاصة في الوقت الذي بات النصر المحقق مرمى الأبصار هو كيد ومكيدة ، وهو خدعة ومناورة . لذا عليهم أن لايلتفتوا الى ذلك ولايَغُرّنّهم ، لكن هذه الجماعة عاندت وركبت رؤوسها وأبت إلاّ وقف القتال وإجراء عملية التحكيم والتفاوض على أساس كتاب الله الكريم ، حتى ان عنجهية وتمرد هذه الجماعة الجاهلة وغير المتفقهة في الاسلام بلغت أقصاها ، حيث انهم هدّدوا الامام بالقتل اذا لم يأمر بوقف القتال الدائر فورا !!! . 
لذلك إضطر الامام علي على وقف القتال ، وعلى الخضوع لعملية التحكيم المفروضة عليه ، حيث بالنتيجة إنتهت بأكبر خدعة تاريخية وسياسية وتفاوضية لمعسكر الامام لصالح معاوية ومعسكره الذي كان على وشك الهزيمة النهائية والسقوط الحتمي . وبعدها خطَّأت هذه الجماعة الامام فأنقلبوا على مواقفهم السابقة وقالوا له : كيف تُحَكِّم الرجال في أمر الله ، مع انه [ لاحُكْمَ إلاّ لله ] !؟ ، فرد عليهم الامام الكثير من الأجوبة القيمة والردود الهامة ، منها مقولته التاريخية حيال كلمة الحكم والحكمية لهذه الجماعة المتدنية الوعي { كلمة حق يُراد بها الباطل } . ولم تكتف هذه الجماعة المتمردة أيضا بذلك ، بل انها أولغت في الانحراف عن الدين والتطرف الشديد فيه ، فآنشقوا عن الامام وكَفَّروه ، وكَفَّروا الأمة كلها بعد مأساة التحكيم وأعلنوا الحرب على الامام إن لم يَتُبْ ! . وهؤلاء المنشقون عن الامام علي هم الخوارج في تأريخ الاسلام ، مع ان الامام حاول كثيرا إقناعهم بأخطائهم وإنحرافهم ، لكنهم أبوا إلاّ إنتهاج دروب الضلال الوعرة التي سقطوا فيها ، فأصبحوا خطرا حقيقيا يهدد الامام والحكومة والمسلمين أيضا ، لأن هؤلاء الخوارج أفتوا بصريح العبارة بأنهم فقط الفرقة الناجية من المسلمين ، ومَنْ لايقف في معسكرهم ويصبح منهم فإن دماءهم وأعراضهم وأموالهم حلال عليهم ومباحة عندهم ، وبالفعل إن الخوارج سلكوا هذا النهج الانحرافي والمارق عن الكتاب والسنة تجاه الأمة كلها ، فقتلوا النساء والأطفال والرجال والشيوخ ، مع نهب الأموال للناس كلما استطاعوا الى ذلك سبيلا . واليوم نرى ان منظمة القاعدة الارهابية تتبنى نفس النهج الخوارجي التأريخي المذكور ! . 
ماورد حتى الآن هو جانب فقط من تناقضات العراقيين ومواقفهم السلبية والمتذبذبة تجاه الامام علي – رض - ، وان نخوض في الجوانب الأخرى فإنه يحتاج الى مقالات مفصلة لِمَا أذاقوا الامام مرارات الحنظل والعلقم ، وما أدخلوا على قلبه الواسع والشريف الأوجاع والتقرّح . لهذا كان الامام يتأوّه ألما وغُصة وحيرة من مواقف العراقيين ، حتى انه رضي الله عنه تمنى الموت لكي يتخلص ويرتاح ويستريح منهم ، ومن شديد إعوجاجهم وكثرة متناقضاتهم وسلبياتهم ، منها ماقاله الامام { اللهم اني قد مللتهم وملوني وسئمتهم وسئموني ، فأبدلني بهم خيرا خيرا منهم ، وأبدلهم بي شرا مني . اللهم مُث قلوبهم كما يُماث الملح في الماء } ! . ومنها أيضا قوله عليه السلام للعراقيين ، وكيف انه يشتكي منهم ؟{ يا أشباه الرجال ولارجال . حُلُومُ الأطفال .وعقول ربّات الحجال . لوددت أني لم أركم ، ولم أعرفكم . معرفة والله جرّت ندما وأعقبت سدما . 
قاتلكم الله لقد ملأتم قلبي قيحا ، وشحنتم صدري غيضا . وجرّعتموني نُغَبَ التَّهْمَامِ أنفاسا وأفسدتم عليّ رأيي بالعصيان والخذلان } !!! . 
لهذه الأسباب شبه الامام العراقيين بالمرأة الحامل التي لّمّا أكملت أشهر حملها بعد كل المعاناة والمخاضات القاسية والآلام الشديدة أسقطت ولدها بطريق غير طبيعية ، وإنما بحادث عارض فأهلكته ، ثم مات عنها زوجها أيضا ، وبالتالي لحقت هي الأخرى به ، ثم ورثها الأباعد . وبهذا خسرت المرأة كل شيء في وجودها : من الولد والزوج ، حتى انها خسرت نفسها وحاضرها ومستقبلها . وبعدها أقسم الامام علي بأنه لم يغادر المدينة متجها نحو العراق ومتمركزا فيه طائعا مختارا ، بل انه أتاها مضطرا ولظروف طارءة وإستثنائية ألحت عليه المجيء الى العراق . هنا يشير الامام الى واقعة الجمل المأساوية التي كانت السبب فيما قاله من طواريء الظروف ، لأنه كان مسبقا على علم ودراية بأحوال العشائر العراقية المتقلبة ومواقفهم المتلونة !. 
ثم يرد الامام على فرية العراقيين التي رموه بها عليه السلام ظلما وبهتانا وإثما مبينا ، وهي رمي جنابه العظيم بالكذب واتهامه به ، مع انه أبعد الناس وأنزههم وأتقاهم لِمَا رموه بما هو منزه عنه كل النزاهة . لهذا رد عليهم بقوله { قاتلكم الله فعلى من أكذب }؟ ، فأوضح لهم رضوان الله عليه وكرم وجهه بأنه أول من آمن بالله ، وهو كذلك أول من صدق برسوله محمد عليه الصلاة والسلام . وهذا صحيح بالقطع واليقين ، حيث الامام علي أول من آمن بالله ورسوله من الشبان ، ومن الرجال كان صاحبه ورفيقه أبي بكر الصديق – رضي الله عنه - ، ومن النساء كانت السيدة خديجة الكبرى أم المؤمنين – رضي الله عنها . 
ثم أوضح الامام بعدها بأنهم لعدم درايتهم وقلة وعيهم وقصر فهمهم لكلامه وخطبه إتّهموه بما لايليق بساحته المباركة ظلما وبهتانا ، مع توضيحه لهم بأنه عليه السلام يمتلك أكبر درجات الوعي والحكمة والعلم والمعرفة ، ولو انه وجد آذانا صاغية ونفوسا واعية لها لَزوّدهم بها ، لكنهم لأجل التخلف المجتمعي والتعليمي والسلبيات القبلية عندهم تمردوا على امامهم الحكيم والعالم ، ولم يطيعوه ويمهلوه ليؤسس لهم قواعد المدنية والحضارة والحكم العادل ! . 
من العجيب أن نرى العراق اليوم يشهد نفس المآسي والتناقضات والتناحرات الماضية التي وردت بإيجاز في هذه المقالة . وقد بحث عالم الاجتماع العراقي المعروف الدكتور علي الوردي هذه القضايا عن العراقيين ، وعن الشخصية العراقية في العديد من كتبه ، فردها الى كثرة التنوعات القبلية والعشائرية ، والى شيوع الأمية وغيرها من العوامل التي ذكرها الدكتور الوردي في دراساته القيمة عن المجتمع العراقي ! . 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مير ئاكره يي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/10/09



كتابة تعليق لموضوع : الإمام علي والعراقيين !
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net