الثقافة الغربية وغزوها للمجتمعات العربية
جعفر زنكنة
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
جعفر زنكنة

لكل مجتمع نمط عيش خاص به يشمل المعتقدات والسلوكيات والقيم الخاصة بالأفراد الذين يعيشون في ذلك المجتمع، وأغلب هذه المُحددات ليست اختيارية بل نتيجة لنمط العيش السائد في البيئة الجغرافية والاجتماعية والثقافية لذلك المجتمع، فالتغير في القيم والعادات والتقاليد الاجتماعية أمر لا يتم بسهولة، بل يحتاج إلى عمل بطيء ومُنظم وتدريجي.
وفي ظل العولمة الأمريكية والغربية التي غزت أغلب مُجتمعاتنا العربية، في أغلب نواحي نمط العيش عن طريق التأثر بأنماط المأكل والمشرب والملبس، أصبح من يخرج من هذه الدائرة (دائرة العولمة) يُنظر له من قبل المجتمع نظرة رجعية، ففي ظل تنوع وسائل الاتصال أصبحت الثقافة الغربية هي المهيمنة في كثير من البلدان العربية والإسلامية، ولا يمكن اعتبار نمط الحياة الأمريكي والغربي مجرد سلوكيات أو أنظمة أو أفكار بعيدة عن أهداف وغايات الهيمنة، بل هو وسيلة حرب إيديولوجية استراتيجية يتم فيها الإخضاع الثقافي والسياسي والاقتصادي، فالسيطرة على مفاصل حياة الناس هي أشبه ما تكون بـ(التدجين الثقافي) ويؤدي ذلك إلى عملية تغيير أو تبديل في المنظومة القيمية للشعوب، فتُفتّح أسواقها أمام التجارة الأمريكية وتتغير سياساتها الخارجية ومواقفها السياسية.
وقد عملت أمريكا هذا العمل منذُ سنوات وما زالت تعمل من خلال الماكنة الإعلامية والترسانة العملاقة التي تعمل في الإنتاج الفني والتلفزيوني، إضافة إلى مُختلف الصناعات الترفيهية وشركات الأقمار الصناعية فدخلت إلى كُل بيت وأثرت في كُل فرد، وتشهد اليوم مُجتمعاتنا بمختلف فئاتها وخاصة الشباب والمراهقين تقليداً أعمى لكل ما هو أمريكي وغربي من الملابس وقصات الشعر والمأكل والمشرب والهوس بعمليات التجميل والوشم... الخ.
وكل هذه السلوكيات لم تنشأ من فراغ وهي ليست وليدة الساعة وإنما عملوا عليها ضمن ماكيناتهم الإعلامية كما أسلفنا أعلاه.
ومن أبرز السلوكيات المتأمركة في مجتمعاتنا:
1. الموضة: حيث تُشكل الهاجس الأول لدى الشباب بدءاً من الملابس وقصات الشعر والوشم حيث أصبحت تُشكل جزءاً من سلوكيات هذه الفئة من المجتمع.
2. الهوس بعمليات التجميل: تشير بعض الدراسات إلى أن انتشار عمليات التجميل في مجتمعاتنا بشكل كبير، وتلهث النساء وراء هذه العمليات وتقبل عليها إلى حد الهوس إما لزيادة جمالهن أو للتشبه بالفنانات ونجمات السينما.
3. المناسبات والأعياد المُخترعة: تؤدي هذه الأعياد إلى فقدان الهوية وضياع الشخصية، ناهيك عما يصرف فيها من أموال تصل إلى حدود البذخ والإسراف من غير مسوغ ديني، من أبرزها عيد رأس السنة وعيد الحب.
4. ثقافة الاستهلاك: إن ثقافة الاستهلاك ثقافة تمّ تصنيعها من قبل شركات تجارية عملاقة ومؤسسات مالية ضخمة، تعمل على رسم سياسات مؤثرة في الشعوب هدفها الربح وتوسيع دائرة الاستهلاك وزيادة أعداد المستهلكين وتغيير الهوية الثقافية لهذه المجتمعات فهي تخطط بذكاء تقني، وبفكر عملي وعقلية إنتاجية ربحية، وبأساليب متنوعة تخلق عند المستهلك التعطش لاقتناء كل ما هو معروض من سلع وتنمي لديه حب التملك وتقدم له نوعاً من الإحساس بالتميز والتفوّق بما يعزز مكانته الاجتماعية من الوجاهة وحب الظهور والتفاخر، فتدفعه إلى الشراء المفرط بما يتجاوز حاجاته ومن المؤسف أن مجتمعنا مبتلى بهذه الثقافة فتغيير وتبديل السيارات والهواتف الذكية بات من العادات التي تغزو مجتمعاتنا. وقد نرى نوعاً من المستهلكين يلجأ إلى الاقتراض للحصول على إيرادات إضافية لأجل شراء غير الضرورات، ويصبح غير قادر على الوفاء بأقساط تلك القروض، فيلجأ إلى مزيد من الدين أو القيام بأعمال غير مشروعة لأجل حب الظهور والتفاخر.
ختاماً: كل ما ذكر من هذه السلوكيات تحتاج إلى المعالجة والتنبه إذ لا تقف عند حدودها الطبيعية، ثقافة الاستهلاك مثلاً لا تتوقف عند العوامل الاقتصادية فقط بل تتعداها إلى البعد الثقافي والسلوكي فنستهلك الثقافة الغربية التي تؤثر بتصوراتنا وتفسيرنا للحياة، كذلك بقية السلوكيات التي لها الأثر البالغ في التغيير التدريجي في نمط الحياة من كافة نواحيها الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat