صفحة الكاتب : لطيف القصاب

غزوة نيويورك وتماهي مملكة القتل
لطيف القصاب

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ما يبعث على الاستفزاز في ذكرى حادثة الحادي عشر من أيلول هذا العام هو هذا التعاطف الأعمى من قبل بعض متعاطي الشأن الثقافي لدينا مع تلك الحادثة إلى حد يشعر وكأن لا جريمة في العالم ارتكبت بحق بني آدم تفوق تلك الجريمة تراجيدية ودموية. 
من جهة أخرى فإن ما يبعث على الاستغراب في أجواء ذكرى أيلول هذا العام هو درجة الاستنفار القصوى التي خرجت بها بعض جيوب القاعدة المطالبة بالتصدي الحازم للمحاولات "المشبوهة" التي ترمي الى سلب القاعدة " شرف" تنفيذ "غزوة " نيويورك، وممن ولج هذا المضمار مؤخرا الخبير في شؤون الجماعات المتشددة - باعتباره كان أحدهم في ما مضى- الكاتب السعودي مشاري الذايدي حيث ساهم هذا الشخص بشكل لافت في حملة التصدي لإرجاع شرف القاعدة السليب عبر عدد جريدة الشرق الأوسط السعودية الصادر بتاريخ 30/9/2011. فقد انبرى مدافعا عن حمى القاعدة أسوة بكتّاب مجلة (انسباير) الالكترونية الناطقة بالانكليزية والتابعة لتنظيم القاعدة. 
وبخلاف الذايدي السعودي فإن هناك عددا من الأقلام العربية ومنها أقلام عراقية تجتهد كل عام بمثل هذا التاريخ في نصب المناحات المجترة، ومشاطرة الرؤية الأمريكية الرسمية في متابعة مسارات التحقيقات اللانهائية في قضية الحادي عشر من أيلول وتصديق الاتهامات السنوية التي تطلقها أمريكا الرسمية جزافا على أطراف بعينها، وبعضها بحكم المنطق والعقل هو أبعد ما يكون صلة عما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية قبل عشر سنوات، من ذلك اتهام حزب الله الشيعي اللبناني بالمسؤولية عن تلك الحادثة مثلا على الرغم من معرفة الجميع بان المتهم الأول والرئيس في هذه القضية هو تنظيم القاعدة الذي لم يظهر من جبل جليد حقيقته حتى الآن غير ما تجود به بعض الواجهات الافتراضية، وما يُلمس على الأرض من أفعال إجرامية منسوبة لهذا التنظيم، وتستهدف من جملة ما تستهدفه قتل وتهجير المسلمين الشيعة! 
في الحقيقة ليس المقصود من هذا الطرح الإيحاء بان ما وقع في مدينة مانهاتن الأمريكية في الحادي عشر من أيلول عام 2001 لم يكن عملا جنائيا مدانا بشكل مطلق، وأن المنفذين له كانوا ممن يعانون تشوهات فكرية وسلوكية حادة. ولكن هل يكفي هذا الإقرار مسوغا للانسياق وراء الخطاب الرسمي وشبه الرسمي الأمريكي الذي دأب سنويا على توجيه تهم تحمل المسؤولية عن حادثة أيلول على عاتق جهات عربية وإسلامية كما لو أننا موظفون في البيت الأبيض الأمريكي، ولسنا في غالبيتنا عربا ومسلمين نعيش خارج الولايات المتحدة، ومن دون الالتفات إلى حقيقة أن من المواطنين الأمريكيين المستقلين من يستغرب اشد الاستغراب من بقاء علاقات بلاده في أعلى مستوياتها مع مملكة القتلة، وعدم البحث في جذور المنفذين الفكرية واللوجستية، ومن المواطنين الأمريكيين المستقلين من كان وما يزال يؤشر بأصابع الاتهام على جهاز المخابرات الأمريكية بشقيه CIA،FBI محملين إياه السبب في حدوث تلك النكبة الإنسانية على مستوى التخطيط أو التقصير. 
ومن الأمريكيين المستقلين من يتهم اللوبي اليهودي، أو الموساد الإسرائيلي بالتسبب في هذه الحادثة الأليمة. ومنهم من يتهم الحزب الأمريكي الجمهوري لاسيما جناح المحافظين الجدد بخلق هذه الكارثة من اجل تنفيذ أجندة (سياسية دينية) متطرفة تعيش أطول مدة ممكنة على يد متحمس صليبي هو جورج بوش الابن. كما يُستشف ذلك من بعض الكتب التي ناقشت هذه القضية داخل الولايات المتحدة الأمريكية، ومثل ما جرى في بعض الدول الأوربية الصديقة للشعب الأمريكي حين سطرت أنامل الفرنسي (تيري ميسان) كتاب (الخديعة الكبرى). 
طبعا لسنا أبدا مع تبني فكرة سوق الاتهامات الجزافية على هذه الجهة أو تلك لمجرد كونها مثيرة وتستند إلى بعض الشبهات أو حتى (بعض) الحجج العقلية ما لم تستكمل تحقيقاتها النهائية، لأننا لو فعلنا ذلك لكنا أشبه الناس بالمنطق الأمريكي الذي يتهم حزب الله اللبناني بالمسؤولية عن التخطيط لغزوة نيويورك طبقا لما أشيع من خبر مقاضاة محكمة مانهاتن الأمريكية لحزب الله على ضوء اتهام الحزب بالتخطيط لحادثة الاعتداء على مركز التجارة العالمية الواقع في الاختصاص المكاني لهذه المحكمة. 
وأيضا فلسنا أبدا ضد رغبة أي شعب من شعوب العالم إذا ما أراد أن يحيي مواسم أحزانه بالطريقة التي يراها مناسبة، لأننا لو فعلنا ذلك لكنا أشبه الناس بالعقل السلفي التكفيري الذي يُحّرم على الناس ممارسة مثل هذه الحاجات الفطرية؛ لكننا مع هذا كله نربأ بمثقفينا الانغماس في شؤون آخرين إلى حد التماهي الساذج مع أحداث خارجية تحت ذريعة التضامن الإنساني المزعوم. أو الاستقتال المضحك لنسبة الحدث الى مجموعة من الارهابيين بداعي حفظ الشرف والحقوق المعنوية لهذا التنظيم كما فعل مشاري الذايدي. 
إن الأوفق بمن يؤمن حقيقة بمبدأ التضامن الإنساني أن ينتهز حلول الذكرى السنوية لهذه الحادثة الدموية بالدعوة إلى إعلاء قيم العدل والتسامح بين البشر، وتأتي على رأس قائمة أولويات العدالة في هذا الموضوع المطالبة بالكشف عن وجه المتهم الأول والرئيس في هذه القضية وهو تنظيم القاعدة منعا لمسلسل العنف والإرهاب المتواصل المسند صدقا أو كذبا لتأليف وإخراج هذا المتهم العجيب، إذ لمّا يزل هذا المتهم الخطير مجرد شماعة جاهزة لتعليق المسؤولية الجنائية عن الأحداث العالمية الدامية في حين تظل حقيقته لغزا عصيا على الفهم والإدراك البشري والأمريكي الرسمي منه بوجه خاص! 
إن من الأليق للبحث السليم أن يحسم ملف اتهام تنظيم القاعدة قبل الانتقال الى أي ملف آخر يخص التعاطي مع حادثة الحادي عشر من أيلول. ومن دون حسم هذا الملف فان من المعقول جدا أن يتبنى البحث الأمني العلمي الرأي القائل: إن تنظيما بمسمى القاعدة غير موجود على ارض الواقع، بقطع النظر عن (زعل) الذايدي وأمثاله السعوديين من هذا الطرح العلمي. أو أن هذا التنظيم - في حال وجوده- فإنما هو عبارة عن وحش وهمي مصنوع أمريكيا وتقوم الإدارات الأمريكية المتتابعة بتقويته حينا، وإضعافه حينا آخر لمآرب سياسية، مثلما ما قامت به الولايات المتحدة الامريكية بتاريخ 30/9/2011 حينما أقدمت صواريخها الموجهة على تصفية (أنور العولقي) (رجل الدين) الأمريكي المولد، والماسك بخيوط لعبة القاعدة في (يمن) علي عبد الله صالح. 
* مركز المستقبل للدراسات والبحوث
http://mcsr.net
 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


لطيف القصاب
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/10/02



كتابة تعليق لموضوع : غزوة نيويورك وتماهي مملكة القتل
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net