التاريخ يُعيد نفسُه
زوزان صالح اليوسفي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
زوزان صالح اليوسفي

قبل أيام كنت أرتب مكتبة صغيرة لوالدي رحمه الله من غبار أربعون عاماً مضت عليه, كان يحتفظ بها والدي كأرشيفه الخاص من كتب وصحف سياسية ومقالات بقلمه على الأوضاع السياسية والاجتماعية والثقافية السائرة في وطننا العراق حينها, حيث كان والدي رئيسا لتحرير جريدة التآخي.
من بين العديد من تلك المواضيع والكتابات السياسية أثار انتباه كلمات أحسست من خلال قرأته وكأن التاريخ يعيد نفسه، فلنعيد إلى الأذهان ما كتب عن الحرية والديمقراطية قبل حوالي أربعون عاما مضت, فالتاريخ يعيد نفسه في اغلب المواقف وقد يستفيد قادتنا من هذه الكتابات ليتداركوا من تكرار نفس الأخطاء والأحداث السلبية في تاريخ هذا البلاد ..
أكثر العبارات شدني في مقالاته كانت هذه الكلمات التالية :
في بلادنا أزمة .. تتعلق بالأخلاق وبالإخلاص وبالضمائر , في بلادنا تبلع جمال .. وتلحس دماء .. وتشاد قصور .. وتهدم دور .. وتقام تجارات .. وتنجز معاملات .. في بلادنا ثراء .. وإثراء .. قنوط وحرمان .. متناقضات عجيبة وغريبة لا حل لها إلا بحل الأزمة الخلقية .
لا يمكن أن نتطور إذا لم نقلع جميعاً عن أنانيتنا وأحقادنا ومطامعنا وان نتحلى بالإخلاص للواجب والتفاني في سبيل هذا الوطن وخدمة الشعب الذي نتغنى كلنا باسمه وندعي الوصل به إلى غد مشرق ...
تجتاح عقولنا وعواطفنا وسلوكنا وكل ما تحيط بنا من عواصف عاتية من الازمات المدمرة .. تعصف بنا وتطوحنا في دوامة من التخبط تشدنا في فلكها شدا محكما كانه لا يمكن الافلات من جاذبية قدرتها الخارقة .
تتجلى فصول هذه الرواية السحرية بصورة جلية فوق مسرح مجتمعنا بما يحتويه من الانظمة والاوضاع والتقاليد والتصرفات .. كلها نتيجة عوامل وظروف وتفاعلات سياسية واجتماعية واقتصادية ونفسية شائكة معقدة ورثناها من تركات مكدسة وتوجيه سقيم وتربية كسيحة ودراسة عليلة اضفنا فوقها حصتنا من هذا التخبط الموروث .
فمن الطبيعي ان يكون نتيجة حصادنا كوارثا واضرارا ننشرها ونبذرها في طول البلاد وعرضها .. نجرع كؤوس علقمها ونحن مع ذلك نمضي بعمد واصرار ولا نحسب للعواقب الوخيمة حسابا .
لقد تطرقنا كثيرا وفي مناسبات عديدة عن المشاكل المعقدة التي تعاني منها الامرين وتتطلب حلولا صحيحة حازمة تنبع من حقيقة واقع حياتنا ومصلحة شعبنا وبلادنا .
لكي نتجاوز هذا التاريخ الذي يتكرر في بلادنا وكأننا نتوارثها عبر الأجيال في جيناتنا، يجب أن نستأصل هذا الواقع المر الذي يتكرر باستمرار عبر تاريخنا، ولا يجوز ذلك إلا بعد دراستنا وبتعمق عن الأخطاء السياسية الماضية التي نسجها من احتكر بالحكم والنظام في البلاد, ولكي لا نكررها لا بد أن نعيد حساباتنا ونوضح معالم أهدافنا اتجاه هذا الوطن وهذا الشعب .
الآن وبعد أن خضنا تجربة جديدة في سياسة البلاد ما زلنا نعيش عقدة الوهم والأنانية والاحتكار والشك وحب السلطة .
فكم سمعنا من خلال التصريحات بأن العملية السياسية ناجحة وأن المصالحة الوطنية تجري في البلاد لكننا نجد خلاف ذلك بالضبط !؟
حيث بصراحة نلاحظ إن أغلبية هذه القوى السياسية لم تكن مستعدة للعملية السياسية في البلاد وليس لها هم إلا المكاسب الذاتية ومصالحها الحزبية وان أغلبية هؤلاء السياسيين يسعون وراء المناصب وما يحقق لهم مصالحهم .
لكي نهيئ بلادنا على استيعاب هذه التحولات الصعبة التي تمر فيها العراق وكأنها في حالة مخاض مستمرة يجب السعي لتعبئة كوادر سياسية وإدارية وفنية ذو قدرة كافية ومسلحة بالعلم والنزاهة والإخلاص للإسهام والمشاركة الفعالة في النهوض للبلاد من هذه الأوضاع الصعبة لنتجنب النكسات والكوارث في حاضرنا والمستقبل , يجب العمل بالتسامح والتقارب والتفاهم والمشاركة الفعالة في القضايا المصيرية التي تهم الجميع والانفتاح الكامل على الواقع الذي نعيشه , والعمل الجدي المتواصل بأفكار نيرة وبقلوب متفتحة وإرادة موحدة من اجل بناء وطن عراقي متطور متكامل يعيش في ظله كافة أبناء شعبه بأقلياته المتآخية , ولنعمل سوية على إزالة آثار كل أنواع الظلم والأنانية والحقد والبؤس والتخلف والفساد واجتثاث كل ذلك من جذوره.
يجب أن نكرس أوقاتنا وجهودنا العملية والفكرية والمادية من اجل تعزيز وحدتنا وتطوير ثقافتنا وأفكارنا ونشر الوعي الوطني القائم على أساس التعايش الأخوي والتساوي في الحقوق وإيجاد أفضل الطرق وإنجاحها لإعادة أعمار البلاد وإنجاح العملية السياسية , وخلق كوادر ثقافية وعلمية وإدارية في مختلف المجالات وعلينا المثابرة الجدية الفعالة من اجل انجاز المرحلة الراهنة وامتدادها بالمرحلة المتطورة القادمة .
يجب إفساح المجال لكل قوى الشعب من تعبير آرائها وتمكينها من طرح وجهات نظرها بحرية ليخلق في البلاد روح الديمقراطية الحقيقية , ويبصر السلطة بكل أراء المواطنين وإرادتهم واتجاهاتهم ويقضي على نتائج الكبت الفكري الذي يولد الانفجارات والعنف والإرهاب في البلاد .
ولكي لا يعيد التاريخ نفسه فعلينا أن نعود إلى الوراء ونستفيد ونتعلم من الأخطاء ونقدم حلولاً صحيحة ونافعة لكل خطواتنا القادمة وفي كافة المجالات الحياتية في بلادنا .. وأولاً وأهمها العمل الجاد والسعي المتواصل لإرجاع الأمن والاستقرار لأبناء هذا الوطن والبحث المتواصل على أفضل الحلول لهذه النقطة المهمة والرئيسية والتي بحلها سوف تتعاقب حلول جميع المعضلات والمشاكل المتواجدة في بلادنا والتي فرضتها الظروف .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat