سورة النساء
بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً{137}
للاية الكريمة منحنيين :
1) خاص : يروى انها نزلت في اليهود , حيث امنوا بموسى (ع) , ثم كفروا بعبادتهم للعجل , ثم امنوا بعد العجل , فكفروا بعيسى (ع) , ثم ازدادوا كفرا برسالة محمد (ص واله ) .
2) عام : الانسان ليس بمعصوم من الخطأ , الا من عصم الله تعالى ( الانبياء – الرسل – الاولياء – الائمة المطهرين ) , لذا يتعرض ويكتسب الكثير من الذنوب في حياته اليومية , وهنا يكون احد امرين :
أ) اما ان يكون العبد يؤمن , ثم يكفر , ثم يؤمن , ثم يكفر , ثم يزداد كفرا , أي اصرارا على ركوب المعاصي والذنوب , فيكون ممن تشمله الاية الكريمة في مضمونها .
ب) وهناك ايضا عبد يؤمن , ثم يكفر بركوبه ما يستوجب الكفر , ثم يؤمن بعد ان يتوب ويعمل صالحا , ثم يكفر بركوبه بعضا من الذنوب , ثم يتوب ويعود الى حلة الايمان , أي انه غير معصوم عن الخطأ , لذا يعقب خطأه بتوبة واستغفار , وفي ذلك حديث نبوي شريف «كل ابن آدم خطاء، وخير الخطَّائين التوّابون » ((أخرجه ابن أبي شيبة 13/187 , وأحمد 3/198, والترمذي (2499), وابن ماجه (4251) والحاكم 4/272 وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه , والبيهقي في شعب الإيمان 5/420 , والدارمي 2/392 , وأبو يعلى 5/301 . وعبد بن حميد 1/360 )) , فيكون هذا النوع غير مشمولا بمضمون الاية الكريمة .
الملاحظ في الاية الكريمة , انها توعدت المصرين على الكفر بأمرين :
1- ( لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ ) .
2- ( وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً ) .
بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً{138}
البشرى هنا بمعنى الاستهزاء والسخرية , فيكون مألها ( لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً ) .
الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً{139}
الاية الكريمة لا تختص بزمان ومكان محددين فقط , بل تطلق في كافة الازمان والاماكن , ففي الامس كان المقصودين بها قليلون جدا , لكن اليوم ما اكثرهم , حيث يتزلف الكثير من المسلمون لقوى الاستكبار العالمي , بغية الحصول على القوة والدعم والعزة , متناسين صريح الاية الكريمة ان ( العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً ) , وهذا من اهم الاسباب التي تجعل الاسلام غريبا وضعيفا ! .
وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً{140}
مما يروى في سبب نزول الاية الكريمة , ان جماعة من المنافقين كانوا يرتادون مجالسا لعلماء اليهود , وكانوا يستهزئون بآيات القران الكريم , فنزلت الاية الكريمة وبينت النهاية المشئومة التي تنتظرهم .
نكتة لطيفة , الاية الكريمة كشفت عن سرا من اسرار المنافقين , فضحتهم , ودلت عليهم , واشارت الى ما كان يدور في تلك الاجتماعات .
اما اذا عممت الاية الكريمة على كافة الازمان والاماكن , وعرضت على زماننا هذا , فسنجد ونكتشف امورا وعظائم جسام , فحري بالمرء ان يعرض نفسه وعمله على منطوق الاية الكريمة ليكتشف انه من المؤمنين حقا , ام من المنافقين ! .
الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللّهِ قَالُواْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُواْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً{141}
تحذر الاية الكريمة المؤمنين من المنافقين , وتبين انهم يتربصون بكم الدوائر , فأن غنتم او ظفرتم على عدوكم , سيقول المنافقون ( أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ ) , اما في حالة هزيمة المؤمنين , يتوجه المنافقين للعدو ( الكافرين ) , فيذكرونهم بما قدموا لهم من خدمات , طمعا في الجائزة , او درئا للعقوبة , لعل من ابرز تلك الخدمات التي قدمها المنافقون للكافرين :
1- الحرب النفسية : حيث يبثون الاشاعات بين صفوف المؤمنين , بغية اضعافهم من الداخل .
2- التجسس على احوال المؤمنين , وارسال المعلومات اللازمة الى عدوهم .
3- دفاعهم عن الكافرين , وحمايتهم من بطش المؤمنين .
يلتفت المتأمل الى نقطتين :
1- ( فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) : نعم الحكم الله تعالى .
2- ( وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) : وعد رباني , هو السر الاعظم لانتصار المسلمين في كل زمان ومكان , بالرغم من تفرقهم وضعفهم وقلة مؤنتهم .
إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً{142}
تصف الاية الكريمة حال المنافقين , بأنهم يخادعون الله , بما يظهرون من الايمان , وتجزم ان الله تعالى هو خادعهم , بمعرفته بما في قلوبهم , وفضحها وكشفها لنبيه الكريم ( ص واله ) , ثم تضع علامات تميزهم عن المؤمنين , او لغرض الاستدلال عليهم :
1- ( وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى ) .
2- ( يُرَآؤُونَ النَّاسَ ) .
3- ( وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً ) .
مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً{143}
تذكر الاية الكريمة ابرز علامات وحالات المنافقين , وهي التذبذب , والتأرجح بين كفتين , فلا هم من الكافرين , فيحسبون عليهم , ولا هم من المؤمنون , فيحسبون منهم .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً{144}
احتوت الاية الكريمة على خطاب رباني , ينهي المؤمنين من اتخاذ الكافرين اولياءا من دون المؤمنين , وفي حالة حدوث ذلك , يكون له عز وجل برهانا ودليلا بينا على نفاقكم .
إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً{145}
تبين الاية الكريمة مصير المنافقين , وتحدد موقعهم في النار جغرافيا , ثم تؤكد ان ليس لهم ناصرا يدرأ عنهم العذاب او حتى يخففه ! .
إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً{146}
تستثني الاية الكريمة , من قرع باب التوبة من المنافقين , شريطة :
1- ( الَّذِينَ تَابُواْ ) : التوبة النصوح .
2- ( وَأَصْلَحُواْ ) : الصلاح , واصلاح ما افسد .
3- ( وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ ) : التمسك بكل ما جاء من عند الله تعالى .
4- ( وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ ) : تحسنت نواياهم , وتخلصت نفوسهم من الرياء وغير ذلك .
يلاحظ المتأمل امرين :
1- بعد ان استثنت الاية الكريمة من تاب واصلح وتمسك بحبل الله تعالى واخلص دينه له عز وجل من المنافقين , قالت ( فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ) , ولم تقول ( من المؤمنين ) مثلا , فلاحظ سر ذلك ! .
2- بعد ان كان منطوق النص المبارك ( فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ) , اختتمت الاية الكريمة بقوله عز من قائل ( وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً ) .
مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِراً عَلِيماً{147}
اوردت الاية الكريمة سؤالا بمعنى النفي , نفي وقوع العذاب على من شكره وامن به عز وجل , لتختتم بــ ( وَكَانَ اللّهُ شَاكِراً عَلِيماً ) , الله عز وجل يشكر عباده المطيعين بالثواب , وهو العليم بكل شيء .
يلتفت المتأمل الى موضوعين لطيفين :
1- الشكر : ما ان تقدم معروفا لشخص ما , فما اجمل ان يقول لك ( شكرا ) او ما يدل على ذلك , وسينالك الفرح والسرور , فكيف اذا كان الشاكر هو الله تعالى ! .
2- العلم بالحال : عندما تسافر , او تكون في امر مهول , ترغب ان ترسل شيئا ليطمئن عائلتك , او يعلمهم بحالك واحوالك , حيث يكونوا في قلق وشوق لاخبارك , وكم سترتاح وتشعر بالطمأنينة ان علمت ان رسالتك قد وصلتهم , وقد فرحوا بها , فكيف هو الحال اذا كان من يطلع على حالك هو الباري عز وجل , الذي هو ارأف بك من امك التي ولدتك ! .
لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعاً عَلِيماً{148}
تبين الاية الكريمة , ان الله عز وجل لا يحب المجاهرة بالكلمات البذيئة او ما شابه , الا ان تكون قد صدرت من مظلوم تجاه ظالم , وذلك قد يكون في حالتين او اكثر :
1- ان يجهر مظلوما بكلمات نابية , بحق ظالم قد اغتصب حقه , فينفعل , ويحتدم غضبه , فلا يتمالك نفسه , عندها يصدر منه ذلك الجهر .
2- ان يصدر الجهر بالسوء من مظلوم في حق ظالم , فيذكره بما فيه من رذائل الصفات .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat