الكعبي في حقل الإبداع
حمزة علي البدري
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
إن عراقنا الجريح المثقل بالمحن والأزمات , والذي يعاني من التطويقات والتفجيرات , ويبدو في الأفق أنها لن تتوقف . فهذا الواقع المثخن بالهموم , يحتاج وبإلحاح إلى توحد كل الجهود والأطياف والأحزاب والكتل , والى حملة الأقلام الشرفاء , الذين برزوا من رحم المعاناة اليومية , وجسدوا ويجسدون بمقالاتهم الملتهبة الجراح الغائرة , في جسد العراق المنكود . وقد برز من كوكبة الكتاب , عناصر ملتصقة بخافق الجماهير , وملتزمة بعروة الصدق الموضوعي , والنقاء الروحي , ومشاطرة المتعبين والمقهورين والمهمشين والمسحوقين همومهم وآلامهم وتطلعاتهم .
فالكاتب المتألق هو الذي ينطلق بوعي وشجاعة , ليساهم في تغبير الواقع نحو الأمثل والأفضل والأكمل , ولدى متابعتي للصحف والمجلات والفضائيات ومواقع الانترنيت , وغيرها من وسائل الإعلام والثقافة , استوقفني كاتب وصحفي لا ينتهي , برفد الوسائل الإعلامية والصحف بمقالات مثيرة للحماس , ونقية من الشوائب الذاتية والنفعية والأنانية .. مقالات تضرب مركز الأعصاب .. ! .. فهذا الكاتب والمراقب مفتوح الذاكرة , وغير حيادي , إنما منحاز للبؤساء والمحاصرين والمنكوبين , والذين يعيشون تحت سقف العوز والبهذلة والحيرة والحرمان ... وإنني أجد هذا الكاتب لا يقلد الآخرين في كتاباتهم , بل له أسلوبه الخاص والصريح والجريء , ويرص الملح بالجرح , ويختار المسير على حد السيف , من اجل إحقاق الحق والحقيقة , ولا يعرف لغة المهادنة والتزلف والاستخدام ... إن هذا المثقف والكاتب هو ( ماجد الكعبي ) الذي يمتلك أفكارا, وأراء قد لا يمتلكها الكثير من الذين يمتهنون الحرف , وعنده نزعة التزام قضايا الفقراء المثقفين وكل المتعبين , والذود عنهم , وتوفير الأجواء الأمنية , والتثقيفية والمعاشية والصحية لهم , واجده دائما يزفر زفرات المرارة والألم على ( الخسارات الثقافية ) التي تكبدها الوطن من هجرة العقول , وإهمال الرواد , وسرقة وبعثرت الكنوز الثقافية , من مجلدات و وثائق , ومصادر, وأفلام سينمائية , وأثار ثمينة .
كما انه يرفع صوته المدوي ضد سياسة التهميش المقصود , والإقصاء المتعمد , وتجاهل القامات والطاقات المبدعة . إن الكاتب المبدع ماجد الكعبي يجيد انتقاء المواضيع الموجعة التي تتكوم بمرارة على سطح واقعنا , الغارق بالمعاناة والأزمات والذي يئن تحت سياط وكوابيس الإرهاب المقيت , والطائفية العدوانية , والبطالة المرة , وانعدام الخدمات الملحة , والمحاصصة المتخصصة بتوزيع الغنائم والمصالح والمناصب , كل إلى شاكلته . فالإعلامي الكعبي في كتاباته السديدة , قد تناول هذه الأوبئة والأورام السرطانية في عدة مقالات , طافحة بالموضوعية والواقعية والصراحة والشجاعة , وأماط اللثام عن الأسباب المعلنة والخفية , عن كل قضية تنخر كاهل الوطن , وتثير امتعاض وتذمر المواطن , الذي مازال يعيش تحت مسلسل العذاب والتعذيب ... فالكعبي يحس بنبض الناس , وينزف لنزفهم , ويتوجع لوجعهم , وينبري بقلمه الذي ينفث قذائفا ضد القابعين في الأقبية , وضد المتجاهلين لهموم وعذابات وتطلعات المواطنين , والحقوق المضاعة . إن متابعاتي لكتابات الكاتب المكثفة والمتنوعة , وظهوره على شاشات الفضائيات , تبهرني وتستوقفني , طروحاته الذكية , وإجاباته الصائبة , وأفكاره التي تمتاز بالجرأة والتغيير , والصراحة العالية , والحرص الأكيد على متابعة انجاز طلبات المواطنين , وتحقيق رغباتهم المشروعة , واخص بالذكر عوائل الشهداء الأبرار , الذي مازال يتابع قضاياهم بكل مثابرة وجدية . وانه ينتبه بدقة , إلى جوهر الأمور ولن يكتفي بظواهرها , ويغوص في مسامات الواقع والنفوس , ويفاجئنا بمفاجئات مطلبية , للمتعبين وللمعوزين وللشهداء المخلدين , وفيها الزخم الهائل من الاندفاع , لتحقيقها من قبل المعنيين , ومازال الرجل يواصل مساعيه وجهوده ملتزما بمبدأ ( الإنسان بما وهب وليس بما كسب ) فالكعبي يوثر الآخرين على نفسه , علما بأنه ظروفه المعاشية كما اعرفها جيدا ظروف قاسية ومتعبة , فانه يعاني معاناة قاسية إذا لا يمتلك شبرا من الأرض في هذا الوطن , الذي تحمل من اجله هو وعائلته المزيد القهر والمضايقة والمطاردة , التي اضطرته إلى مغادرة العراق وعاش - ربع قرن - في الغربة تحت وطأة التشرد والتعاسة والحرمان , وانه مطوق بعائلة ليس لها معين سواه , وشاطرته في رحلة حياته المريرة المتاعب والعذابات وعانت الفقر والشقاء , وانه ليس عنده ولد أو بنت يتقاضى راتبا كي يساعده فيه تيسير معيشتهم وضمان مستقبلهم , فهذا الرجل الغارق حتى الإذنين بالمتاعب والمشاكل والديون والهموم , وكل هذه المنغصات لن ولم تشغله عن أداء دوره , ككاتب وإعلامي وصحفي منغمس في قلب الأحداث , يحمل صليبه على ظهره , مكابرا متحديا هذه الظروف القاهرة , التي يجتازها بصبر وتصابر , وتحدي وثبات , وهذا هو شان كل كاتب متجذر في تربة الوطن , ومعانق للقيم والمباديء , والشمائل والفضائل , ونحن بأمس الحاجة إلى مثقفين وكتاب يجعلون الوطن في أولويات وجودهم , ويتفانون ويتسابقون , من اجل صيانة وحصانة عراقنا المهموم , من كل قوى الشر وأفاعي
العدوان . وإننا نأمل من السيد ماجد الكعبي أن يسابق الزمن , ويصافح المجد والنور, ويضخ كل ماعنده من إبداعات وانجازات ثقافية وفكرية , ليبقى متألقا في حقول الثقافة والمعرفة والإعلام .
لقد وقفت مليا , أمام باقة من المواضيع , التي طرحها , والمنشورة في مختلف الصحف والمجلات , فشدتني إلى جواهر معطياتها التي تجسد الواقع , وتكشف الحقائق , وتضمد الجروح , ومن تلك الاضمامات الشيقة والتي نجدها مطبوعة , على حنايا القلوب التي تنبض بالمسؤولية , والمتابعة والكشف , عن كل ما هو مخبأ , ونجد هذه الرؤى والأفكار مجسدة في مواضيع مركزة وناطقة , فموضوع ( احمل صليب المكاشفة ) يسلط الأضواء الكاشفة على قضايا متفجرة , فمطالعتها تعطي أضواء لمن يريد أن يكشف , ما هو متواجد في الساحة , كما انه دؤوب بفاعلية وحرص على الثقافة و واقعها ومستقبلها , وقد جذبتني مواضيع ( اغتراب الثقافة وثقافة الاغتراب ) ومقال ( يوم المثقف العراقي ) وأكد بحرارة على واجبات ومسؤوليات والتزامات وزارة الثقافة , في مقاله المثير ( وزارة الثقافة الطائرة ) .
ووجدته متفانيا في الاهتمام المتصاعد بالطفولة , فطرح مقالات كثيرة ومهمة , تتعلق بتثقيف الأطفال , والأخذ بأيديهم الطرية , إلى شواطيء التفتح والإبداع , ونجد أفكاره واضحة بالمقال ( دار ثقافة الأطفال في المحافظات ) ومن يتابع الكاتب يجده مهتما و حريصا ومتفاعلا مع واقع الصحفيين والمثقفين وطموحاتهم , فتجده يطالب بحقوقهم وبإلحاح , ويناشد المسؤولين بمكافئتهم وهذا تبلور في مقالته ( أين المكافأة التشجيعية للأدباء والفنانين والصحفيين ) كما أن فعالية الكاتب , وبعد نظره , ورصده لأهم موضوع في حركة الواقع ألا وهو موضوع الإعلام , فقد وظف عدة مقالات بلور بها مسؤولية ورسالة الإعلام ففي مقالاته ( الإعلام المحموم والمواجهة المطلوبة ) و ( الإعلام الجماهيري وأدوات التأثير )نجد أفكارا واهتمامات وعلاجات دقيقة ينبغي لمن يريد الاستفادة والفائدة أن يطالعها وهي جديرة بالمتابعة والمطالعة . وانه بانشداد متصاعد إلى القضايا المركزية , التي تفسد الضمائر والنفوس, فعندما تقرا مقاله ( من المسؤول عن قضايا الفساد الإداري ) تراه يضيء لنا , الزوايا المعتمة , ويكشف جذور هذا الفساد , ومن وراءه وسبل علاجه , ويتنادى مع كل الأصوات الخيرة المتطلعة إلى عراق مزدهر, ترفرف في أفاقه , رايات الأمن والأمان , والطمأنينة والتآخي والتصافي والسلام , ومن يريد المزيد عن هذا الرجل فليتابع مقالاته وبجدية , وانه لن يغادر أي حالة أو ظاهرة إلا وتناولها بمسؤولية أمينة , وبحرص متزايد
وبأسلوب مقنع , ويطالب وبقوة , لتحقيق مطاليب وحقوق عوائل الشهداء والمسفرين والمهجرين والمتقاعدين وكل الذين ظلموا .
فالكاتب لن ينسى بمقالاته المرأة العراقية المجاهدة والمبدعة , والتي أعطت اعز ما عندها فداء للوطن, من زوج و ولد وشقيق وقريب , فهذه المرأة تحتل مكانة مرموقة في مقالاته , ويؤكد على إسعاف طلباتها المشروعة جزاء لما قدمت من عطاءات لا حصر لها , كما أرى أن الرجل لن ينسى زملاء المهنة , فقد نشر عن الصحافة والصحفيين وعن معاناتهم وتطلعاتهم الكثير, وأمامي موضوعه بعنوان ( صحفيو المحافظات ... تهميش مقصود وإقصاء متعمد ) ففي هذا المقال انعكاس لواقع الحال , ولا أريد في هذه العجالة أن اكتب المزيد , فان كتابه الموسوم ( حمى الواقع بين الألم والقلم ..!! ) يغني عما أريد قوله , فهذا العنوان المثير يعكس سخونة , وأزمة الواقع المتفجر والمتغير , وان الكاتب يؤكد بان حمى الواقع تثير المرارة والألم الذي يتطلب علاجا ناجعا وسريعا , وانه تسلح لعلاج هذه الأمراض والأزمات, المتكومة على سطح عراقنا الحبيب بقلمه الخلاق , بما يضخ من معطيات ورؤى وأفكارا واشراقات , تساهم بفعالية بتنقية الأجواء من الغبار والأدران .. وعلينا جميعا أن نشجع ونعاضد كل كاتب يعانق التطلع والإشراق , ويتمسك بعروة شرف الكلمة وكلمة الشرف والنقاء والصدق .
ذي قار – قلعة سكر 5/ 5 / 2006
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
حمزة علي البدري

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat