ذكرى الحرب الصدامية الإيرانية... جرح العراق المفتوح ودرس لا يُنسى
وليد الطائي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
وليد الطائي

تمر علينا هذه الأيام ذكرى واحدة من أبشع الحروب التي عرفتها منطقتنا في العصر الحديث، الحرب الصدامية الإيرانية، تلك الكارثة التي لم تكن قدراً محتوماً، بل كانت قراراً فردياً لرجل واحد استحوذ على السلطة والقرار، واعتبر نفسه فوق الشعب وفوق الوطن، وجعل من العراق مسرحاً لمغامراته الدموية.
صدام حسين، بعنجهيته وطائفيته، لم يرَ في الجارة إيران دولة تربطنا بها أواصر الدين والجوار والمصالح، بل رأى فيها فرصة لتصفية حسابات أيديولوجية ومذهبية، ووسيلة لترسيخ سلطته في الداخل. زجَّ بملايين الشباب العراقيين في حرب استمرت ثماني سنوات، أكلت الأخضر واليابس، وأحرقت موارد البلاد، وخلفت مئات الآلاف من الشهداء والجرحى والمفقودين.
هذه الحرب لم تكن "معركة دفاعية" كما حاول إعلام البعث تصويرها، بل كانت حرباً هجومية استباقية باهظة الثمن، هدفها خدمة طموحات صدام الإقليمية على حساب دماء العراقيين. انتهت الحرب بلا منتصر حقيقي، لكن العراق خرج منها منهكاً، مثقلاً بالديون، مدمراً في اقتصاده، وممزقاً في نسيجه الاجتماعي. ولأن الطغاة لا يتعلمون من أخطائهم، فقد قاد صدام البلاد بعد ذلك إلى مغامرة أخرى أكثر كارثية: غزو الكويت، الذي فتح على العراق أبواب الحصار والفقر والدمار حتى سقوطه في 2003.
لقد كشفت الحرب الصدامية الإيرانية أن الحكم الفردي المطلق هو أخطر ما يمكن أن يبتلى به شعب. ففي غياب المؤسسات والرقابة والمحاسبة، يصبح قرار الحرب والسلم بيد شخص واحد، لا يهمه سوى بقاؤه في السلطة، حتى لو احترق البلد بأكمله. لقد صنع صدام من العراق سجناً كبيراً، وأطفأ أي صوت معارض، وحكم بالنار والحديد، ممارساً سياسة التهميش الطائفي والقمع الدموي.
اليوم، ورغم ما يعانيه العراق من تحديات سياسية وأمنية واقتصادية، فإن النظام السياسي الجديد الذي نشأ بعد 2003 أتاح للمواطن العراقي ما لم يكن يحلم به أيام البعث: حرية التعبير، التعددية السياسية، والقدرة على اختيار من يمثله عبر صناديق الاقتراع. نعم، الديمقراطية العراقية ليست مثالية، لكنّها على الأقل أنهت حقبة القائد الأوحد والحزب الأوحد، وفتحت المجال أمام تداول السلطة، وإمكانية التغيير السلمي.
لقد تحرر المواطن العراقي من عقدة الخوف، وصار قادراً على أن يقول "لا" للحاكم، وأن يطالب بحقوقه، وأن يشارك في رسم مستقبل بلده. هذا التحول وحده كافٍ ليجعلنا نتمسك بالنظام السياسي الجديد، ونعمل على إصلاحه لا هدمه، لأن البديل الذي جربناه في عهد صدام كان دموياً واستبدادياً إلى أبعد الحدود.
ذكرى الحرب الصدامية الإيرانية يجب أن تظل في وجدان العراقيين عبرة وجرس إنذار: أن لا نسمح بتكرار التجربة، ولا نسمح لأي حاكم أن يجرّ العراق إلى حروب عبثية خدمة لأهوائه. دماء العراقيين التي سالت على جبهات القتال آنذاك، ومعاناة الأمهات والأرامل والأيتام، أمانة في أعناقنا جميعاً لنحافظ على العراق بعيداً عن الاستبداد والطغيان.
إن العراق الذي دُمّر في تلك الحرب، وجرّ إلى الحصار والاحتلال، بدأ اليوم يستعيد أنفاسه رغم كل الجراح. وعلى العراقيين أن يدركوا أن حريتهم وحقهم في الاختيار أعز ما يملكون، وأن مستقبلهم لن يُبنى إلا على أنقاض الدكتاتورية، لا على إعادة إنتاجها.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat