صفحة الكاتب : علي السراي

الوضع الاوربي ومسرح التمهيد وانعكاسات الحرب الروسية الاوكرانية.
علي السراي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

حقيقة لم تشهد أوربا أوضاعاً إستثنائية كالتي تشهدها وتعيشها اليوم، حالة من الحذر والترقب الشديد يصاحبهُ استنفار أمني وسياسي ، وكأن الجميع يسير في حقل من الالغام لا أحد يعلم متى ستحل الكارثة التي ستعصف بالجميع دون استثناء، ويقيناً بنسب متفاوتة وكل حسب دوره في هذه الاحداث العاصفة. وهو ما أشارت إليه مجلة "فورين بوليسي" الأميركية بتقريرها الذي جاء فيه.

( إن هناك 4 أيام هزت العالم، فإذا كان العقد الماضي قد شهد بداية اهتزاز النظام العالمي بقيادة أمريكا فربما كان عام 2023 هو العام الذي بدأ فيه العالم ينفجر بسبب توتراته المتراكمة وفي مقدمتها مايجري بين روسيا واوكرانيا )

حيث لم يعد بخافٍ على أحد مدى

التخبط والتيه والضياع الذي تعيشه أوربا والذي تشوبه وتكتنفه حالة من الخوف والرعب من المستقبل المنظور والمجهول، وقرارٌ لايقرُ له قرار في قطار السياسة الاوربية المتخبطة، والتي هي نفسها لاتعلم أين ستكون وجهته ومحطته القادمة ، حدثٌ عاصفٌ هنا، أو تهور ٌ هناك وينتهي كل شيء… كل شيء…

فالمتتبع للاحداث الجارية الان والتي تعصف بدول القرار يتيقن وبما لايقبل الشك، أن مايجري كان ومازال خارج نطاق قواعد الإنضباط في التعامل مع بعضهم البعض، إستناداً إلى الإتفاقيات التي أُبرمت بينهم وتلك التي وقّعتْ بعد الحرب العالمية الثانية.

والحق أول، أن لم يكن يدُر في خُلد أحد يوماً في أن تصل الامور بهم إلى ماوصلت اليه اليوم من مواجهة علنية مباشرة تُنذر بفناء دول من على الخريطة وتعيد صياغة العالم وفق نظرية المنتصر الجديد.

تغيرٌ جذري في كل شيء في معادلات الجيوبوليتيك، تخندقات، تكتلات، تصريحات، وطوق من حِصار خانق فرضه الغرب على روسيا، في قُبالة قطع مصادر الطاقة الروسية عن أوربا وغلق السفارات وطرد الدبلوماسيين، متغيرات لم نجد مثيلها منذ نهاية الحرب الباردة، وهذا يعني أن الجميع قد حزّم أمره، وأيقن إنه قد وصل إلى نقطة اللاعودة، والسبب الرئيسي في كل ذلك يُعزى إلى تنصل الغرب من وعوده لروسيا بعدم توسع حلف الناتو اتجاه الشرق قيد أُنملة، في قبالة تخلي السوفييت عن حلف وارشو وحلّه، حيث بدأ الناتو بضم دولاً كانت في الأصل تابعة للإتحاد السوفييتي والتوسع شرقاً حتى وصل إلى مشارف روسيا التي كانت ومازالت ترقب كل تلك التحركات الغربية بحذر شديد، وما أن وصل الأمر إلى أوكرانيا التي أعلنت وبغباء مطلق عن نيتها في الانضمام إلى حلف الناتو ( وهذا يعني أن الصواريخ الاستراتيجية الامريكية قد باتت على حدود روسيا وطوقتها من كل جانب) وهذا ما أثار غضب وحفيظة الدب الروسي فوقف متوثباً على قدميه ( ليتغدى بهم قبل ان يتعشوا به ) . وهنا بدأت مأساة الغرب وفاتورة الثمن الباهض لاخطائهم وتنمرهم واستصغارهم للقيصر ( الحاج ابو علي بوتين ) …

والحق أقول أن سيد من يُجيد اللعب على أوتار حرب الاستنزاف هو القيصر الذي لم يبدأ الحرب بأسلحته الحديثةِ بعد ، بل جُل مايقاتل به هي ( خردة الاسلحة التي بقيت من إرث الاتحاد السوفيتي) في الوقت الذي سارع الغرب كله بإرسال أحدث أسلحته من مدافع ودبابات وغيرها إلى نظام كييف، لتكون أهدافاً سهلة لصيادي الجيش الروسي ولشاهد الايرانية، ذلك الامر الذي أدى إلى إفراغ مخازن السلاح لدي دول الاتحاد والتي باتت تعاني من نقص شديد في هذا الامر، بل وحتى في الغطاء الجوي كما هو الحال مع المانيا التي أعلنت عن ذلك مراراً ، الامر الذي أجبر الغرب على تغيير سياسته في دعم حكومة كييف بالاسلحة، وهنالك الان مفاوضات واتفاقات قد أبرمت مع كييف يتم على ضوئها تصنيع الأسلحة في داخل أوكرانيا، خشية تعرض مخازنها أي ( دول الاتحاد الأوربي ) إلى النضوب.

وحسب تقرير لصحيفة "بوليتيكو" الأميركية، فقد قررت شركات دفاع فرنسية وألمانية إنشاء مقار لها فيأوكرانيا لصيانة الأسلحة، في خطوة أولى نحو تصنيع الأسلحة هناك.

إلى جانب ذلك أعطت وكالة حكومية ألمانية الضوء الأخضر لمشروع مشترك مقترح بين شركة"راينميتال" لتصنيع الأسلحة ومؤسسة صناعة الدفاع الأوكرانية، وهي مجموعة مملوكة لحكومة كييفللمباشرة بالعمل…

كل ذلك… ولم تبدأ الحرب الفعلية بعد… وأقصد بين الناتو بقيادة أمريكا وروسيا وبقية الدول المتحالفة معها.

 

وفي خضم هذه الاحداث لابأس في أن أنقل تجربتي الشخصية كمتتبع لعلامات الظهور المقدس والاحداث المرافقة لها وما يجري في اوربا الان.

حقيقة كنت في بعض الأحيان أسأل نفسي، أنى لهذه الدول العظمى والراسخة من حيث مؤسساتها وصناعاتها ومصادرها واستقلاليتها أن تهتز أركانها يوماً وتصبح وتمسي كالريشة في مهب الريح كي تكون مؤهلة للدخول إلى مسرح التمهيد المهدوي ؟. وعلى مستوى المانيا بالتحديد كنت أقول حتى لو سقطت عشرة حكومات متتابعة لها فإنها لن تتأثر، وذلك لرصانة بُناها التحتية ومؤسساتها سيما أن المانيا تُعتبر قلب أوربا النابض وقطب رحى صناعاتها الثقيلة، إذاً كيف ستُقاد أعنتها و ( أقصد أوربا ) مرغمة وتدخل في ساحة التمهيد الالهي ؟ كل تلك التساؤلات وغيرها تم الاجابة عليها تباعاً، فأول من هز أركان دول الاتحاد وأمريكا هو (وباء كرونا) ، ذلك الجندي الذي لم يُرى بالعين المجرد، لقد فعل ما فعل بهم، وباقتصادياتهم وببرامج حياتهم ونمط العيش الذي كانوا متعودين عليه .

كيف أوقف عجلة الصناعة والحياة هنا رغم إنها ( أوربا ) قد جندت قضها وقضيضها من أجل القضاء عليه والحد من خطره في بداية انتشاره.

وأما الحدث الثاني، فهو دخول الروس على الاوكران… ذلك الحدث الذي زلزل الارض تحت أقدام دول الإتحاد الأوربي وجعلها تتخبط في كل قراراتها وفي كل خطواتها بل وتهديدها بالصميم ، ذلك الحدث الذي كان ومازال وقعهُ كالصاعقة على رؤوس الجميع دون استثناء.

وأما بالنسبة للشعوب الاوربية التي كانت مرفهة ومنعمةً ومدللة وآمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا، فإذا بها تستيقظ على وقع رعب الكابوسين كرونا وأوكرانيا، فتحولت تلك الوجوه المنعمةِ الباسمةِ المستبشرةِ إلى عابسةً مكفهرةً تقرأ في تقاسيمها الف سؤال وسؤال، قد أصابها ذهول مفاجاة ماوصل إليه حالها بسبب ذينيّك السببين، وكنت شخصياً ( أتحرش ) بهم أثناء تبضعي من هذا المتجر أو ذاك فاسألهم عن سبب تغير الحال والمعيشة والغلاء الذي حل بكل شيء دون استثناء، وهل حدث كل هذا بسبب إنحيازنا الغبي وأقصد ( الموقف الالماني ) إلى المعسكر الامريكي والتخندق خلف أوكرانيا وأرعنها زيلينسكي ؟؟؟

حقيقة كان يستفزهم هذا السؤال، ويكاد يكون جوابهم واحد مع حاجب مرفوع مقضوب

( أنا لم أقل ذلك بل أنت قلت ذلك) ويعني ( إني ماحچيت شي أنته اللي گلت بسبب موقفنه الغبي وراء أوكرانيا ) لانهم كانوا يخشون في بداية الامر الحديث عن هذا الموضوع.

وهكذا هو لسان حال بقية شعوب دول الاتحاد الاوربي والتي وضعت كل بيضها في سلة الارعن زيلينسكي بأمر أمريكي، وخاصة في بداية الحرب. وأما في مسألة نزوح الاوكران إلى بقية دول الاتحاد، فقد تعامل الالمان حكومةً وشعباً معها وكأن أوكرانيا هي الولاية السابعة عشر الالمانية، ففتحت المانيا كل أبوابها مشرعة لهم وأسقطت كل قوانين الهجرة واللجوء لهم وتعاملت معهم كأنهم ألمان عائدون إلى أرض الوطن ، ناهيك عن أن الشعب الالماني نفسه فتح كل بيوته لهم وزودهم بكل وسائل الدعم اللوجستي، فكان إندفاع غير طبيعي من قبل الالمان لإستقبالهم، حتى جاء ذلك اليوم الذي وقفتُ فيه أمام الاصدقاء الذين كانوا معي وقلت لهم تذكروا ما ساقوله لكم الان… ( سيأتي يوماً على الشعب الالماني يكفرُ فيه بتلك اللحظة الاولى التي استقبل بها أول لاجيء أوكراني وفتح له أبوابه، وسيتمنى لو أن بينه وبين ذلك اليوم بعد المشرقين) وفعلاً …فلم تمضي سنتين إلا وتحققت صحة كلامي، فالشعب الالماني يئن الان من وطئت اللاجئين الاوكران الذين تسببوا بالكوارث في المانيا بسبب غلاء كل شيء … كل شيء… فحرب أوكرانيا قد وضعت الاقتصاد الالماني على صفيح ساخن،حيث يواجه الاقتصاد حالة عظيمة من الركود، وتراجع مخيف وسط إرتفاعلمعدلات التضخم، وتباطؤ معدلات النمو.

لتبدأ المعاملة العكسية، فترى اليوم وانت تسير في شوارع العاصمة برلين وبعض مناطقها جملة مكتوبة على هذا الجدار وبالقلم العريض

( Das ist nicht UNSER Krieg! WIR sind nicht im Krieg )

وتعني هذه ليست حربنا، نحن لسنا في حالة حرب ) ويقصدون مع روسيا. ناهيك عن تلك المظاهرات الشعبية العارمة التي جابت كل شوارع أوربا وهم ينادون بالذي يمكنه أن يخلصهم مما هم فيه فتراهم يردون ويهتفون بأسم ( المسيح المسيح )ويقصدون به ( المنقذ المنقذ) هم يرنون، ويتمنون ذلك اليوم الذي يأتي به بعد ان يأسوا من حكوماتهم التي أصبحت تابعة ذليلة في الركب الامريكي .

كل تلك الاحداث التي عصفت بدول الاتحاد والعالم لم تكن سوى المكر الالهي على مسرح التمهيد …

فالعالم كله اليوم يئن من سطوة الظلم الذي ملأ الاركان،حتى ضجت الارض بما يفعله الإستكبار العالمي بقيادة الشيطان الأكبر، وما يحدث الان في غزة المذبوحة الصابرة المنتصرة ماهو إلا غيض من فيض الظلم السائد في العالم.

ويقيناً كل هذه الاحداث وماسيحدث في أوربا تباعاً يدخل في باب التمهيد الالهي ومشروع السماء الذي يعده الله لوليه. فلن تبقى أمريكا كأمريكا ولا أوربا كأوربا، كل هذه القوى العالمية سيأكل بعضها بعضاً كالفخار الذي يكسر بعضهُ بعضاً، حتى يأذن الله لوليه بالخروج ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجورا

إنهم يرونه بعيداً

ونراه قريبا.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي السراي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/02/22


  أحدث مشاركات الكاتب :

    • المنظمة الدولية لمكافحة الارهاب والتطرف الديني تدين وبشدة جريمة إعدام الكيان الوهابي السعودي للناشط السياسي القطيفي الشهيد عبد المجيد النمر…  (أخبار وتقارير)

    • ولزينب كربلائها...  (المقالات)

    • إليك...  (ثقافات)

    • والله ما رأيتُ أصحاباً…  (المقالات)

    • المنظمة الدولية لمكافحة الارهاب تُدين التصريحات الاخيرة للنائب في الكونغرس الأمريكي مايك والتز، بحق رئيس مجلس القضاء الأعلى الدكتور فائق زيدان.  (نشاطات )



كتابة تعليق لموضوع : الوضع الاوربي ومسرح التمهيد وانعكاسات الحرب الروسية الاوكرانية.
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net