دعم فلسطين .. وإشكالية الوجود السلفي.الحلقة 5 من 5 / ج 2.
ايليا امامي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ايليا امامي

7. خلاصة النقاط المتقدمة .. أنه لا يوجد حضور اجتماعي كبير للسلفية في فلسطين .. رغم أنها أثرت فعلاً على بعض أطياف المجتمع .. وغسلت أدمغة بعض أفرادها بالعداء للشيعة .. أكثر مما هي مغسولة.
وأرجو أيها القارئ الحصيف .. أن تكون ركزت على النقطة التي أريد تأكيدها:
حماس إخوانية سنية .. والإخوان كتيار سياسي وديني .. لم يكن خالياً تماماً من وجود بعض التكفيريين وربما النواصب أيضاً .. والحركة تشعر بالإحراج أمام السنة من علاقتها بالشيعة مع كل الشيطنة التي يتعرض لها الشيعة .. فتجد مثلاً (صالح الرقب) وهو شخصية دينية تنتمي لحماس .. ألف كتاباً بعنوان ( الوشيعة في كشف شنائع وضلالات الشيعة) !
لكن مع كل ذلك .. لا يمكن اعتبار حماس حاضنة للنواصب مثل السلفية .. وإذا ثمة نتوءات وخروجات من داخل الحركة تأثرت بالموجة السلفية .. فلا يمكن اعتبارها حالة عامة لأهل فلسطين.
وتذكر أن لديك سلفية ونواصب في العراق .. ومصر .. ولبنان .. وأغلب الدواعش عراقيين .. ولكن لا نجد من يرمي هذه الشعوب بأجمعها بتهمة النصب .. كما نجد بالوجدان والواقع كيف يحب أكثر السنة أهل البيت عليهم السلام .. ولا عداء لديهم للشيعة لولا السياسة قاتلها الله.
تذكر ذلك كلما رأيت فلسطينياً يشتم الشيعة .. لأنك سترى الكثير من هذه النماذج .. والتجميعات الفيديوية .. لأن وراءها من يجمعها ويروج لها .. كما يروجون لبعض الشيعة المضادين.
8. حاولت بعض الأطراف السلفية اللعب على وتر العلاقة بين حماس وإيران .. فتجد العشرات من أصحاب اللحى الوهابية والإخوانية يخافون أن يتأثر الشباب الفلسطيني بإيران الشيعية .. بسبب تقاربها مع حماس .. فأسسوا لخطاب مكثف لتبرير هذه العلاقة .. بأنها علاقة مصالح اضطرارية .. وأن حماس تكره الشيعة .. بل نسب بعضهم في كتاب له .. كلمة لأحمد ياسين مؤسس حماس .. بأنه عندما شاهد بعض كوادر حماس فرحين لانتصار الثورة الإسلامية في إيران .. فقال لهم ( على مهلكم يا أولاد هؤلاء شيعة ).
فإلى أي مدى تصح هذه الكلمة المنسوبة ؟ وما أسهل أن تكون من دس أحد السلفية ؟ ما دمنا لا نعلم فلن نرتب عليها أي أثر .. بل حتى لو ثبت أن أحمد ياسين قالها .. فرأيه فينا أهون علينا من تغيير مواقفنا.
صحيح أن الشق الأول (العلاقة مبنية على مصلحة فلسطين ومساعدات إيران) هو شق واقعي قاله أحمد ياسين بلسانه في برنامج شاهد على العصر .. لكن الشق الثاني (حماس السنية في حقيقتها تكره الشيعة) هو ادعاء محل شك .. وحتى لو ثبت في بعض صوره لدى فئة منهم ( وقد ثبت فعلاً للأسف ) فعلينا أن نتعامل مع ذلك نفسياً .. ونفهم الواقع ونتقيد بالموقف الشرعي الذي يطلبه أئمتنا عليهم السلام .. كما مر سابقاً .. وكما سيأتي.
أعلم أن كلامي يبدو لبعض القراء مشوباً بالتناقض .. لكننا منقادون لروايات العترة الطاهرة والموقف الشرعي .. وهو كله منطلق من الوضع المعقد الذي يعيشه الفرد الشيعي في زمن الغيبة .. وحساسية التوازن المطلوب.
إن الله تعالى كفانا وأغنانا بولاية آل محمد صلوات الله عليهم .. ولا يهمنا لو أنكر ولايتهم من في الأرض جميعا .. لكن سادتنا _ أرواحنا فداهم _ هم من رسموا هذا المسار المتوازن والدقيق كما أسلفنا .. ونحن لهم مسلمون.
#ثالثا : ما هي آفاق العلاقة بين الشيعة وبين فلسطين وقضيتها؟
يحدثنا التاريخ الحديث أن الشيعة كان لهم وجود في ثمانية قرى فلسطينية قبل إعلان دولة الصهاينة .. ثم اختفت هذه القرى وتوزع أهلها بعد سيطرة الصهاينة على أرضهم .. وكانوا يُسمون (المتاولة) ويقال أنها تسمية تطلق منذ القدم _بقصد الانتقاص _ على شيعة الشام .. ولكن سمعت من أحدهم أنها جمع (متولي) بمعنى موالي.
وعلى كل حال فإن الوجود الشيعة في الوسط السني في الشام صعب جداً .. فقد رأينا ما حصل مع قرى كفريا والفوعة ونبل والزهراء في سوريا .. لكن السؤال .. إلى أي مدى كان للعامل العقائدي دور في هذه الكراهية والإصرار على الإبادة ؟ وكم كان للسياسة دور في تأجيج الوضع؟
• عموماً .. لا يوجد قدر محتوم من الله .. أن يبقى العراق شيعياً وتبقى الشام أموية إلى الأبد .. بل الأمر كله مرتبط بالظروف والجهود التي تدفع حركة التاريخ .. وقلة وجود الشيعة في الشام ليست قضاءًا مبرماً .. بل ترتبط قبل كل شيء بالوضع السياسي .. وما تعرضوا له من مجازر دموية على يد أمثال صلاح الدين الأيوبي وأحمد باشا الجزار العثماني وغيرهم.
قد يعجبنا الانسياق وراء القراءات الجاهزة .. فنقول مثلاً أن الشام كانت أموية وستبقى أموية .. بدليل من الماضي وآخر من المستقبل!
فأما الماضي .. فهو مدح أمير المؤمنين عليه السلام لأهل العراق وذمه لأهل الشام .. في رسالته الجوابية لمعاوية حيث قال عليه السلام ( وأما استواؤنا في الحرب والرجال فلستَ بأمضى على الشك مني على اليقين. وليس أهل الشام بأحرص على الدنيا من أهل العراق على الآخرة ).
وقوله في ذم أهل الشام ( جفاة طغام، وعبيد أقزام. جُمعوا من كل أوب، وتُلُقِطوا من كل شوب ... )
وأما المستقبل .. فهو الروايات المصرحة بأن السفياني إذا ظهر يستولي على الكور الخمس، مما يعني أنها حواضنه الاجتماعية التي تتقبله.
روى النعماني في كتاب الغيبة عن عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: (إذا استولى السفياني على الكور الخمس فعدوا له تسعة أشهر ).
قال: وزعم هشام أن الكور الخمس: دمشق وفلسطين والأردن وحمص وحلب.
فكأن من يستشهد بهذه الروايات يريد القول أن بقاء الشام في هوى بني أمية أمر حتمي لا مفر منه .. ولكن يمكن الجواب على هذا الطرح بشكل مختصر:
• أما الماضي .. فذم أمير المؤمنين لأهل البصرة لا يقل حدة وشدة عن ذمه لأهل الشام .. فقد قال في أهل البصرة ( كنتم جند المرأة. وأتباع البهيمة، رغا _ أي الجمل_ فأجبتم. وعُقِر فهربتم. أخلاقكم دقاق وعهدكم شقاق، ودينكم نفاق .... )
فهل هذا الكلام يشمل البصرة كلها أم المشاركين في حرب الجمل ؟ بالتأكيد يشمل المعسكر المعادي فقط ( كما قصد معسكر أهل الشام في جميع رسائل ذم الشام )
ولو كان الإمام يتكلم عن وعد حتمي ببقاء الذم .. فكيف نرى _ وهو الصديق الأكبر _ البصرة اليوم وهي طوفان التشيع والولاء ؟ ولو كان المجال يناسب لفصلت الحديث عن أهمية البصرة للتشيع في العالم كله .. ولكني أكتفي بالقول أني سمعت من بعض الأصدقاء كلاماً بأن المرجع الأعلى دام ظله في الأزمات الكبرى يعول على موقف العراقيين عموماً .. وبغداد والبصرة على وجه الخصوص في رسم التوازن للمجتمع الشيعي.
فلو كان الذم يعني حتمية العداء .. كيف أصبح التشيع اليوم قرير العين بالبصرة وأهلها ؟
ولو تعمقنا أكثر لوجدنا الإمام عليه السلام يمدحها منذ ذلك الوقت .. مما يعني أن الذم كان مختصاً بمعسكر الجمل .. يقول عليه السلام لابن عباس عامله على البصرة ( وقد بلغني تنمرك لبني تميم وغلظتك عليهم، وإن بني تميم لم يغب لهم نجم إلا طلع لهم آخر، وإنهم لم يُسبَقوا بوغم _ أي قهر وغلبة_ في جاهلية ولا إسلام. وإن لهم بنا رحماً ماسة وقرابةً خاصة، نحن مأجورون على صلتها ومأزورون على قطيعتها ).
وإنما طلبت الاختصار بهذه الشواهد .. وإلا فهي كثيرة جداً.
• وأما المستقبل .. فسيطرة السفياني على الكور الخمس _على فرض ثبوت الرواية وفرض صحة التفسير بأنها المدن المذكورة _ لا تلازم ولا تعني بأن أهلها نواصب حتماً .. كيف وهو يسيطر على الكوفة بعض الوقت كما تشير إليه روايات كثيرة ؟! .. ولا دليل عندنا أن سيطرته هنا بالقوة وهناك طواعية.
(يتبع في الحلقة 5 ج 3)
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat