دعم فلسطين .. وإشكالية الوجود السلفي.الحلقة 4 من 5
ايليا امامي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ايليا امامي

• ذكرنا في المقدمة أن هناك ثلاث قواعد تحكم علاقة الشيعة بالآخرين .. قد أسس لها وأكد عليها أئمة أهل البيت عليهم السلام .. وهي تدفع باتجاه الاندماج الإيجابي والحضور القوي إذا تطلب الموقف الشرعي.
• ونكرر أن ذلك الاختلاط والاندماج والمشاركة الفاعلة مع الآخر .. كله لا يكون على حساب ثوابت الشيعة العقائدية .. فإنّا نرى عبر الأزمان فئة من الشيعة .. ما أن يخالطوا غيرهم من المذاهب .. وتكون بينهم مودة وإعجاب .. حتى تخفت حالة الاعتزاز بعقيدتهم .. ويكون الآخر أكثر صلابة وزهواً منهم .. وهذا دليل عدم استحكام البناء وضعف القلب .. الذي أشارت له الروايات.
فعن ضريس الكناسي قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول - وعنده أناس من أصحابه -:
( عجبت من قوم يتولونا ويجعلونا أئمة ويصفون أن طاعتنا مفترضة عليهم كطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله ثم يكسرون حجتهم ويخصمون أنفسهم بضعف قلوبهم، فينقصونا حقنا .... أترون أن الله تبارك وتعالى افترض طاعة أوليائه على عباده، ثم يخفي عنهم أخبار السماوات والأرض ...) ؟!
والإمام هنا يقول أنهم شيعة وعقيدتهم سليمة مثلكم .. لكنهم (لضعف قلوبهم) يخفون ما للأئمة من فضل ومقام .. ويتغاضون عن هذا الأمر وكأنه أمر هامشي .. فيعيشون أمام الآخر .. حالة التناقض .. التي تنتهي بعقيدة جوفاء مهلهلة .
نعم .. من حقك أن تقدم وتؤخر في مفردات خطابك بحسب الأولويات والمتطلبات .. لكن تأخيره للخلف شيء .. ووضعه على الرف شيء آخر.
• والآن .. وبعد أن استطالت المقدمة أكثر من المقصود بالأصل .. بلغنا موضوعنا الأساسي .. وهو الحديث عن فلسطين .. وتوجد ثلاث نقاط حول هذا الموضوع:
•
أولاً: هل يصح أن نطلق عنان اللسان .. ونقول عن غزة أو فلسطين ( كلهم نواصب ) ؟
ثانياً: ما حقيقة الوضع الداخلي في فلسطين .. بالنسبة إلى وجود النواصب؟.
ثالثاً: ما هي آفاق العلاقة بين الشيعة وبين فلسطين وقضيتها؟
#أولا : أهل غزة ليسوا نواصب:
قبل أن تطلق أي كلمة من فمك .. تذكر أن هذه الكلمة ستحسب على مذهبك .. ووطنك .. وقومك .. فإما أن تكون زيناً لهم .. أو شيناً عليهم ..
ومتى ما فقد شبابنا الشعور بالمسؤولية الدينية .. والحفاظ على ضبط أعصابهم .. والتكلم بمقدار الضرورة .. وإظهار حسن الأخلاق مما يقرب الناس لآل محمد عليهم السلام .. متى ما فقدوا كل ذلك .. واسترسلوا في سب الآخرين وشتمهم وقذفهم بحجة الدفاع عن العقيدة .. فقد ورطوا أنفسهم في أمر عظيم .. وهو التصدي لأمر أكبر منهم .. وحمل الناس على رقاب آل محمد عليهم السلام .. !
ورد في الكافي عن أبي علي الجواني قال: شهدت أبا عبد الله الصادق عليه السلام وهو يقول لمولى له يقال له سالم ووضع يده على شفتيه ( يا سالم احفظ لسانك تسلم، ولا تحمل الناس على رقابنا ).
فأي مصيبة في هذا الحديث ؟ أن يتأذى الإمام من شخص يتصور نفسه مدافعاً عن الأل .. فيضع يده على فمه ويسكته .. ويقول له إنك تجلب لنا العداوة بكلامك !
تخيل معي .. شخصاً يتصور نفسه يخدم ولاية أهل البيت ويدافع عنها .. وهو يشتم أهل غزة ويتهمهم بالنصب لمجرد أنه قيل له (فيهم نواصب) .. ويقول ذلك بينما الصواريخ تتساقط على رؤوسهم وتقتل أطفالهم .. أين يريد هذا المتكلم وضع الشيعة ؟ في صف اليهود ؟ وأي وصية من وصايا أهل البيت يحترمها ؟
ألم يقل صادق العترة ( يا مدرك …… أقرأ أصحابنا السلام …… وقل لهم: رحم الله امرءاً اجتر مودة الناس إلينا ) ؟!
ألا يعرف هؤلاء أن أل البيت كانوا يحددون التوقيت الدقيق لكل متكلم ؟
فعن جابر الجعفي وهو يروي ما قاله الإمام الباقر عليه السلام وهو يسلمه كتاباً من كتبه !
يقول جابر : فدفع عليه السلام إلي كتاباً وقال لي: ( إن أنت حدثت به حتى تهلك بنو أمية فعليك لعنتي ولعنة آبائي، وإن أنت كتمت منه شيئاً بعد هلاك بني أمية فعليك لعنتي ولعنة آبائي، ثم دفع إلى كتاباً آخر ثم قال: وهاك هذا، فإن حدثت بشئ منه أبداً فعليك لعنتي ولعنة آبائي).
كلا أيها القارئ الكريم .. لا فلسطين ولا غزة فيها من النواصب .. إلا كمثل قطرة النجاسة في الكر .. أو مثل الجيفة في البحر .. وهؤلاء لا دور لهم في الأحداث .. وهذا ما سنذكر تفاصيله في النقطة التالية.
فمن ذا الذي يتحمل مسؤولية جر شباب الشيعة لاستعداء الناس هكذا ؟ .. ومن مصلحة من تصوير العالم من حولنا على أنه عالم النواصب ؟
ألا يفكر هؤلاء ولو للحظة .. أن إفلات ألسنتهم بغير حساب .. قد يجعلهم _ والعياذ بالله _ مصدقاً لقول الإمام الصادق عليه السلام ( والله ما الناصب لنا حرباً بأشد علينا مؤنة من الناطق علينا بما نكره ).
وصدق الإمام .. فكلاهما يجر العداوة .. ويحمل الناس على رقاب آل محمد.
اللهم إنا نعوذ بك من الخذلان.
*(يتبع في الحلقة 5 والأخيرة).
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat