دعم فلسطين .. وإشكالية الوجود السلفي.الحلقة 3 من 5
ايليا امامي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ايليا امامي

س3 : إذا بنينا على أن غالبية العالم من حولنا مصنفون ظاهراً على الناس الطبيعيين ( القسم الثالث ) .. ولم يكن تكليفنا استكشاف بواطنهم حول حب أهل البيت عليهم السلام .. فكيف تكون الطريقة الصحيحة للتعامل معهم ؟
• الجواب:
هناك نوعان من التعاليم نجدهما بوضوح في وصايا أهل البيت عليهم السلام .. وفي أفعالهم:
أولاً .. الاهتمام القلبي والحقيقي .. بأمور المسلمين .. وليس المؤمنين الشيعة فحسب.
أورد العلامة المجلسي قدس سره .. نقلاً عن الكافي .. عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(( قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم )).
ثم يعلق الشيخ المجلسي بقوله : ( بيان: " من أصبح " أي دخل في الصباح " لا يهتم بأمور المسلمين " أي لا يعزم على القيام بها، ولا يقوم بها مع القدرة عليه ....." فليس بمسلم " أي كامل الاسلام، ولا يستحق هذا الاسم ).
وإذا ثمة محاولات لتفسير كل ما ورد بلفظ المسلمين .. بأنه يشير إلى المؤمنين الشيعة خاصة .. من باب قول النبي إبراهيم عليه السلام ( رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ ) ثم تفسيره للإسلام بقول تعالى ( وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ) .. فإن تلك المحاولات _ على سلامة الكثير منها _ لا ترتبط بموضوعنا.
فالحديث هنا ليس عن معنى مفردة (مسلم) عقائدياً بل فقهياً .. وفي الموقف الفقهي نجد أن قواعد (يد المسلم) و ( سوق المسلمين) و ( أرض المسلمين) شاملة لعموم المسلمين لا الشيعة فقط.
إن الذي هو محور كلامنا .. أمر فقهي .. يرتبط بإدارة الوضع العام للمسلمين .. والموقف الشرعي للأقلية الشيعية .. من تقوية هذا الوضع الإسلامي أو تضعيفه أو التنحي جانباً .. ودورها في الأحداث العامة التي تمر بعموم المسلمين .. ومن الواضح أن منهج أئمتنا وتعاملهم مع الحكومات .. والنصائح التي كانوا يقدمونها لملوك عصرهم .. ومساهمتهم في حل الكثير من المشاكل .. كل ذلك يعبر عن اهتمام حقيقي ورغبة صادقة بسلامة المجتمع واستقراره .. مع عدم إضفاء الشرعية على الباطل .. وتحمل مظالمه والمشاركة فيها.
إن نظرة سريعة على طريقة علمائنا .. تكشف بوضوح ارتباط مواقفهم بمواقف أئمة الهدى عليهم السلام ..
فما جهود العلامة والحلي والسيد ابن طاووس والخواجة نصير الدين الطوسي .. لكبح جماح هولاكو .. إلا خدمة للمسلمين الذين كانوا يشتمون العلامة وهو يحميهم!!
وما جهود العلماء في التصدي للدفاع ضد الإنگليز عام 1914 رغم كل المآسي التي تسبب بها العثمانيون .. إلا دفاعاً عن المسلمين جميعاً.
وما فتوى العلماء بحرمة التعاون مع المحتل الأمريكي عام 2003 رغم كل جرائم صدام ضد الشيعة .. إلا تأكيداً على أولوية الموقف الإسلامي العام.
وما فتوى الجهاد الكفائي .. ودماء أهلنا التي روت أرض المحافظات السنية .. إلا استجابة لهذا الموقف الإسلامي الموحد.
ولو استرسلت بالتعداد لبلغت آلاف المواقف .. وكلها مستمدة من طريقة الأئمة عليهم السلام في التعاطي ما المجتمع الإسلامي بعمومه.
هذا الاهتمام الذي يريده أهل البيت .. يضمن للشيعة اندماجاً حقيقياً بالمجتمع الإسلامي .. ولا يقودهم إلى العزلة بسبب اختلاف مبانيهم العقائدية ..
ثانياً .. التعامل معهم بالحسنى .. وهو التعامل المبني على حفظ ثوابت المذهب بدون مجاملة أو تذويب من جهة .. وإبداء المودة والأخوة الإسلامية للمسلمين والإنسانية لغير المسلمين .. من جهة أخرى.
ثم الأهم من كل ذلك عدم تحويل علاقتنا بالآخرين إلى مسرح للصراعات العقائدية..!
• والروايات في ذلك أكثر من أن تحصى .. لشدة تواترها وتكاثرها .. وإليك اثنين منها:
1. عن عبد الله بن سنان، قال: سمعت أبا عبد الله الصادق عليه السلام يقول: أوصيكم بتقوى الله، ولا تحملوا الناس على أكتافكم (تتحملوا عداوتهم) فتذلوا، إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: " وقولوا للناس حسنا " ثم قال: عودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، واشهدوا لهم وعليهم، وصلوا معهم في مساجدهم).
2. قول الإمام الصادق عليه السلام في جوابه لحمران بن أعين (وما عليك أن تخلى بين الناس وبين ربهم؟ فمن أراد الله أن يخرجه من ظلمة إلى نور أخرجه ثم قال: ولا عليك إن آنست من أحد خيرا أن تنبذ إليه الشئ نبذا ).
وهذه الروايات تشير إلى التعامل بإحسان .. وعدم الاستغراق في النقاش العقائدي دائماً مما يورث العداوة .. وتقديم المعرفة والعلم لمن كان مستعداً فعلاً (تنبذ إليه الشيء نبذا).
• (يتبع في الحلقة4).
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat