صفحة الكاتب : حامد كماش آل حسين

مقالات في مناقب المرتضى 4. أبو تراب
حامد كماش آل حسين

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

تمهيد:

لابد من الأشارة اننا في هذه المقالات ليس الغرض منها أضافة شيء جديد بخصوص المناقب والفضائل الخاصة بالإمام علي «عليه السلام» أو قراءة جديدة لها وأنما الغرض منها هو ذكر وتوضيح وأثبات تلك المناقب والفضائل ورفع الشبهات عنها او محاولة تفريغ تلك المناقب من خصوصيتها وذلك بالأستعانة بمختلف المصادر والنقل عنها .. فنقول:

تميز الإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» بعدة فضائل ومناقب وألقاب وقد تكلمنا في مقالات سابقة عن:

1. لقب «أمير المؤمنين».

2. لقب «قائد الغر المحجلين».

3. لقب «يعسوب الدين».

واليوم نتكلم في هذا المقال عن لقب «أبو تراب».

من المعلوم أن لقب «أبو تراب» أختص به الإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام»، وهو لقب ورد في عدة مناسبات مختلفة، وفي أحاديث كثيرة صادرة عن رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» حيث لقبه بذلك مراراً حين يراه في كل مرة متوسداً التراب وقد أثر فيه، فيقول له: أنت أبو تراب.

الأحاديث:

1. في حديث المؤاخاة، روي:

(... عن ابن عباس قال: لما آخى النبي «صلى الله عليه وآله» بين أصحابه من المهاجرين والأنصار، فلم يؤاخ بين علي بن أبي طالب وبين أحد منهم، وخرج مغضباً حتى أتى جدولاً فتوسد ذراعه فسفت عليه الريح، فطلبه النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» حتى وجده، فوكزه برجله فقال له: قم فما صلحت أن تكون إلا أبا تراب، أغضبت عليّ حين آخيت بين المهاجرين والأنصار ولم أؤاخ بينك وبين أحد منهم، أما أن ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، ألا من أحبك حُف بالأمن والإيمان، ومن أبغضك أماته الله ميتة جاهلية، وحوسب بعمله في الإسلام).(1)(2)

2. في غزوة العُشيرة (3):

(... عن عمار بن ياسر، قال: كنت أنا وعلي بن أبي طالب رفيقين في غزوة العُشيرة من بطن ينبع، فلما نزلها رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» أقام بها شهراً، فصالح فيها بني مدلج وحلفاءهم من ضمرة فوادعهم، فقال لي علي: هل لك يا أبا اليقظان أن نأتي هؤلاء النفر من بني مدلج يعملون في عين لهم، فننظر كيف يعملون، قال: قلت: إن شئت، فجئناهم فنظرنا إلى أعمالهم ساعة، ثم غشينا النوم، فانطلقت أنا وعلي حتى اضطجعنا في ظل صور (4) من النخل وفي دقعاء (5) من التراب فنمنا، فوالله ما أهبنا إلا رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» يحركنا برجله (6)، وقد تربنا من تلك الدقعاء التي نمنا فيها، فيومئذٍ قال رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» لعلي: مالك يا أبا تراب، لما يرى عليه من التراب، ثم قال: ألا أحدثكما بأشقى الناس رجلين، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: أحيمر ثمود الذي عقر الناقة، والذي يضربك على هذه «ووضع يده على قرنه» حتى يبل منها هذه، وأخذ بلحيته).(7)

3. (... عن أبي خازم أن رجلاً جاء إلى سهل بن سعد، فقال: هذا فلان «لأمير المدينة» يدعو علياً عند المنبر، قال: فيقول ماذا، قال: يقول له: أبو تراب، فضحك، قال: والله ما سماه إلاّ النبي «صلى الله عليه وآله وسلم»، وما كان له اسم أحب إليه منه، فاستطعمت الحديث سهلاً، وقلت: يا أبا عباس كيف، قال: دخل علي على فاطمة ثم خرج فاضطجع في المسجد، فقال النبي «صلى الله عليه و آله وسلم»: أين ابنُ عمّكِ، قالت: في المسجد، فخرج إليه فوجد رداءه قد سقط عن ظهره وخلص التراب إلى ظهره، فجعل يمسح التراب عن ظهره فيقول: اجلس يا أبا تراب، يا أبا تراب، مرتين).(8)

4. (... عن الإمام علي «عليه السلام» قال: طلبني رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» فوجدني في جدول نائماً، فقال: ما ألوم الناس يسمونك أبا تراب، فرآني كأنّي وجدت في نفسي من ذلك، فقال: قم والله لأرضينك، أنت أخي وأبو ولدي، تقاتل على سنتي، وتبرئ ذمتي، من مات في عهدي فهو كبّر الله، ومن مات في عهدك فقد قضى نحبه، ومن مات يحبك بعد موتك ختم الله له بالأمن والإيمان ما طلعت شمس أو غربت، ومن مات يبغضك مات ميتة جاهلية وحوسب بما عمل في الإسلام).(9)

5. (... عن أبي الطفيل قال: جاء النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» وعلي نائم في التراب، فقال: أحق اسمائك أبو تراب، أنت أبو تراب).(10)

6. روى ابن هشام في سيرته وبعد ذكره لحديث عمار المتقدم، قال ابن إسحاق: وقد حدثني بعض أهل العلم أن رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» إنما سمى علياً أبا تراب أنه كان إذا عتب على فاطمة في شيء لم يكلمها ولم يقل لها شيئاً تكرهه إلا أنه يأخذ تراباً فيضعه على رأسه، قال: فكان رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» إذا رأى عليه تراباً عرف أنه عاتب على فاطمة، فيقول: مالك يا أبا تراب، ...(11)

وجه التسمية:

ومن الروايات التي توضح وجه تكنية الإمام علي «عليه السلام»، أبو تراب، ما روي عن عباية بن ربعي، قال:

(قلت لعبد الله بن عباس: لم كنى رسول الله «صلى الله عليه وآله» علياً أبا تراب ؟

قال: لأنه صاحب الأرض، وحجة الله على أهلها بعده، وبه بقاؤها، وإليه سكونها، وقد سمعت رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقول: إذا كان يوم القيامة ورأى الكافر ما أعد الله تبارك وتعالى لشيعة علي من الثواب والزلفى والكرامة، يقول: يا ليتني كنت ترابياً، أي يا ليتني من شيعة عليّ، وذلك قول الله عزوجل: «ويقول الكافر يا ليتني كنت تراباً»(12)(13).

وعقب العلامة المجلسي فقال:

(يمكن أن يكون ذكر الآية لبيان وجه آخر لتسميته «عليه السلام» بأبي تراب، لأن شيعته لكثرة تذللهم له وانقيادهم لأوامره سموا تراباً، كما في الآية الكريمة، ولكونه «عليه السلام» صاحبهم وقائدهم ومالك أمورهم سمي أبا تراب)(14)

أبو تراب احب الكنى لأمير المؤمنين:

إن كنية أبي تراب وسام فخر وشرف أضفاه رسول الله «صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله» على وصيه وباب مدينة علمه للتدليل على زهده في الدنيا ورفضه لجميع متعها وزينتها وإنها عنده كالتراب.

لذلك كانت كنية ابو تراب من أحب الكنى إلى قلب الإمام علي «عليه السلام»، ويُسر إذا ما ناداه الناس بهذه الكنية، وكان الإمام علي «عليه السلام» يعتز بهذه الكنية، فقد كان لا يعتبر الدنيا هدفاً له، يعيش من أجله وفي سبيله، وإنما يعتبرها وسيلة إلى هدفه الأسمى، وغايته الفضلى، وإذا رأى نفسه يتصرف منسجماً مع هدفه، ومع نظرته، فإنه سوف يرتاح، وينشرح لذلك، فكانت هذه الكنية من النبي «صلى الله عليه وآله» له بمثابة إعلام له: بأنه سوف يبقى في مواقفه وتصرفاته محتفظاً بالخط المنسجم مع أهدافه، وأنه لسوف يبقى مستمراً في وضعه للدنيا في موضعها الذي يليق بها، ولن تغره بزبارجها وبهارجها، ولن يبتلي بالتناقض بين مواقفه وتصرفاته، وبين ما يدعي أنه هدف له، فمن أجل ذلك كانت هذه الكنية أحب كناه إليه «عليه السلام».(15)

وربما يكون من أسباب محبة الإمام علي «عليه السلام» لهذه الكنية (16):

1. إن فيها تذكيراً له بأنه مخلوق من التراب، وأن ذلك يشير إلى أن المتوقع منه أن يتواضع لله تبارك وتعالى، وأن يذل بين يديه.

2. إنها تذكره بمحبة النبي «صلى الله عليه وآله وسلم»، وتودده له، حين أتحفه بهذه الكنية على سبيل الملاطفة، وما تضمنته من رفع الكلفة، وزيادة الألفة.

3. إن الإمام علي «عليه السلام» يستشف من هذه الكنية، معاني عالية وأسراراً وحقائق سامية، وتفتح له آفاقاً من التفكر والتبصر، من شأنها أن تزيد من ابتهاجه بهذه الكنية، وتؤكد قيمتها ومغزاها لديه.

4. إن الإمام علي «عليه السلام»، كان يعد ذلك له كرامة ، ببركة النفس المحمدي، كان التراب يحدثه بما يجري عليه إلى يوم القيامة، وبما جرى، فافهم سراً جليلاً.(17)

موقف الأمويون من الكنية:

موقف الامويون من كنية ابو تراب موقف سلبي فقد كانوا يعيرون الإمام علي «عليه السلام» بهذه الكنية، وموقفهم أيضاً منسجماً مع نظرتهم ومع ما يعتبرونه من القيم لهم، فإن غايتهم وهدفهم هو الدنيا، وعلى أساس وجدانها وفقدانها يقيمون الأشخاص والمواقف، فيحترمون أو يحتقرون.

والإمام علي «عليه السلام» إذا كان، أبا تراب، ولا يهتم بالدنيا، ولا يسعى لأن ينال منها إلا ما يحفظ له خيط حياته، انطلاقاً من الواجب الشرعي، ويبلغه إلى أهدافه التي رسمها الله سبحانه له، فإن بني أمية سوف يرونه فاقداً للعنصر الأهم الذي يكون به المجد الباذخ، والكرامة والسؤدد بنظرهم، ويصبح من الطبيعي أن يعيروه بكنية من هذا القبيل، فإن ذلك هو الذي ينسجم كل الانسجام مع غاياتهم ونظرتهم تلك التي تخالف الدين والقرآن، ولا تنسجم مع الفطرة السليمة والمستقيمة.(18)

يقول السيد محسن الأمين في اعيان الشيعة:

(وكانت هذه الكنية أحب كناه إليه لكون النبي «صلى الله عليه واله»، كناه بها وكان أعداؤه من بني أمية وأتباعهم لا يطلقون عليه غيرها كأنهم يعيرونه بها مع أنها موضع الفخر، ودعوا خطباءهم ان يسبوه بها على المنابر وجعلوها نقيصة له فكانما كسوه بها الحلي والحلل كما قال الحسن البصري كما أنهم كانوا لا يطلقون على شيعته وأتباعه الا الترابي والترابية حتى صار علما لهم، قال الكميث:

وقالوا ترابي هواه ودينه ... بذلك أدعى بينهم وألقب).(19)

- روى ابن عساكر في تاريخه:

(... عن سماك بن حرب، قال: قلت لجابر: إن هؤلاء القوم (20) يدعونني إلى شتم علي، قال: وما عسيت أن تشتمه به، قال: أكنيه بأبي تراب.

قال: فوالله ما كانت لعلي كنية أحب إليه من أبي تراب، ان النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» آخى بين الناس ولم يؤاخ بينه وبين أحد، فخرج حتى أتى كثيباً من رمل فنام عليه، فأتاه النبي «صلى الله عليه و آله وسلم»، فقال: قم أبا تراب، وجعل ينفض التراب عن ظهره وبردته ويقول: قم أبا تراب، أغضبت إن أنا آخيت بين الناس ولم أواخ بينك وبين أحد، قال: نعم، فقال له: أنت أخي وأنا أخوك).(21)

- قال سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص:

(وقال الحاكم النيسابوري: كان بنوا أمية تنقص علياً «عليه السلام» بهذا الاسم الذي سماه رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»، ويلعنوه على المنبر بعد الخطبة مدة ولايتهم، وكانوا يستهزئون به، وانما استهزأوا الذي سماه به، وقد قال الله تعالى: «قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون، لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم»(22)، والذي ذكره الحاكم صحيح، فإنهم ما كانوا يتحاشون من ذلك، بدليل ما روى مسلم عن سعد بن أبي وقاص أنه دخل على معاوية بن أبي سفيان فقال: ما منعك أن تسب أبا تراب، .... الحديث«23»).(24)

- قال الجاحظ:

(إن معاوية كان يقول في آخر خطبة الجمعة: اللهم إن أبا تراب ألحد في دينك وصد عن سبيلك فالعنه لعناً وبيلاً وعذبه عذاباً أليماً، وكتب بذلك إلى الآفاق فكانت هذه الكلمات ينادى بها على المنابر إلى خلافة عمر بن عبد العزيز).(25)

والشواهد على ذلك كثيرة، ويكفي أن بني أمية كانوا إذا غضبوا على الرجل لموالاته لعلي قالوا له: ترابي.

- فهذا معاوية وهو أول من سن السب لعلي بذلك، قال لعبد الله الحضرمي، وقد أرسله إلى البصرة فأوصاه بقوله: ودع عنك ربيعة فلن ينحرف عنك أحد سواهم لأنهم كلهم ترابية.(26)

وقد شاع هذا اللقب على الشيعة فقد جاء في كتاب «مختصر فتح رب الأرباب بما أهمل في لب اللباب من واجب النساب: (27)

(«الترابي»: إلى أبي تراب كنية أمير المؤمنين «عليه السلام» وهو في أيام بني أمية من يميل إلى أبي تراب المذكور، وعلى ذلك جاء قول الكميت بن زيد الأسدي (28):

وقالــــــــــــــــــــــــــوا ترابيّ هواه ورأيه ... بذلك أدعـــــــــــــى فيهم وألقّب

على ذلك أجرياي فيكم ضريبتي ... ولو أجمعوا طُراً عليّ وأجلبوا).(29)

شبهات وردود:

نص الشبهة:

- قال ابن إسحاق:

(وقد حدثني بعض أهل العلم أن رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» إنما سمي علياً أبا تراب، أنه كان إذا عتب على فاطمة في شيء لم يكلمها، ولم يقل لها شيئاً تكرهه إلا أنه يأخذ تراباً فيضعه على رأسه، قال فكان رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»، إذا رأى عليه التراب عرف أنه عاتب على فاطمة فيقول: ما لك يا أبا تراب، فالله أعلم أي ذلك كان).(30)

- وقالوا أيضاً: إنه «عليه السلام» غاضب فاطمة «عليها السلام»، وخرج إلى المسجد ونام على التراب، فعرف النبي «صلى الله عليه وآله» بالأمر، فبحث عنه فوجده، فخاطبه بهذا الخطاب.(31):

- وقالوا أيضاً: كان في عليّ على فاطمة شدة فقالت: والله لأشكونك إلى رسول الله، فانطلقت، وانطلق علي بأثرها، فشكت إلى رسول الله غلظ علي وشدته عليها.

فقال: يا بنية اسمعي واستمعي، واعقلي: إنه لا إمرة لامرأة لا تأتي هوى زوجها، وهو ساكت.

قال علي «عليه السلام»: فكففت عما كنت أصنع وقلت: والله، لا آتي شيئا تكرهينه أبدا.(32)

- وقصة أخرى، تقول: كان بين علي وفاطمة كلام، فدخل رسول الله، فألقى له مثالاً فاضطجع عليه، فجاءت فاطمة، فاضطجعت من جانب، وجاء علي واضطجع من جانب، فأخذ رسول الله بيد علي فوضعها على سرته، وأخذ بيد فاطمة فوضعها على سرته، ولم يزل حتى أصلح بينهما.(33)

الجواب:

كل ذلك لا يصح: فعدا عن أننا لم نفهم سر هذا التصرف الذي انتهجه «صلى الله عليه وآله» فيما يزعمون للصلح بين الزوجين، حيث اضطجع، ووضع يديهما على سرته، كما لم نفهم السبب في أنه «صلى الله عليه وآله» قد أنحى باللائمة على بنته بدلاً من أن يدافع عنها أمام من يظلمها. عدا عن ذلك، فإننا نسجل ما يلي:

1. إن فاطمة أجل من أن تغضب علياً «عليه السلام»، وأتقى وأرفع من ذلك، وهي الصديقة الطاهرة التي أذهب الله عنها الرجس وطهرها تطهيرا، بنص الكتاب العزيز، كما أن عليا أجل وأتقى وأرفع من أن يغضب فاطمة «عليها السلام» وسيرته وتطهير الله له من الرجس، ومن كل مشين، بنص كتابه العزيز أدل دليل على ذلك.

2. لقد قال علي «عليه السلام» وكأنه يتنبأ بما سوف يفتريه عليه الحاقدون: «فوالله ما أغضبتها، ولا أكرهتها على أمر، حتى قبضها الله عز وجل، ولا أغضبتني، ولا عصت لي أمراً، ولقد كنت أنظر إليها، فتنكشف عني الهموم والأحزان».(34)

3. إن وضعه التراب على رأسه كلما غاضبها لا يصدر من رجل عاقل، حكيم لبيب، له علم ودراية أمير المؤمنين «عليه السلام»، لأنه أشبه بلعب الأطفال.

4. إن أمير المؤمنين «عليه السلام» الذي هو قسيم الجنة والنار، لم يكن ليؤذي الله تعالى والنبي «صلى الله عليه وآله»؛ لأن جزاء من يؤذي الله ورسوله ليس هو الجنة قطعاَ.

- قال النبي «صلى الله عليه وآله»: إن من آذى فاطمة فقد آذاه، أو من أغضبها فقد أغضبه.(35)

- وقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: إن الله ليغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها.(36)

5. لقد قالت فاطمة لعلي «عليه السلام»: أما عهدتني كاذبة، ولا خائنة، ولا خالفتك منذ عاشرتني، «فصدقها» «عليه السلام»، في ذلك.(37)

6. إن علياً لم يكن ليغضب من النبي «صلى الله عليه وآله»، ويعتب عليه، وهو يعلم أنه لا يأتي بعمل من عند نفسه، كما أن سيرته «عليه السلام» مع النبي لتؤكد على أنه كان يلتزم حرفياً بكل ما يصدر عنه، حتى إنه حينما أمره النبي «صلى الله عليه وآله» أن يسير لفتح خيبر ولا يلتفت، مشى «عليه السلام» ما شاء الله، ثم وقف، فلم يلتفت وقال: يا رسول الله الخ.(38)

7. أضف إلى ذلك: أن النبي «صلى الله عليه وآله» حينما كان يستشير أصحابه في الموارد المختلفة، في بدر وأحد وغيرهما، كان أصحابه يتكلمون بما شاءوا، ولم يكن علي «عليه السلام» يبدي رأياً، ولا يقدم بين يدي الله ورسوله بشيء أصلاً، إلا ما روي في شأن الإفك على مارية، حيث أشار «عليه السلام» بطلاق عائشة ليكون ذلك بمثابة إنذار لها؛ لترتدع عن مواقفها وأعمالها، وتكف عن أذى رسول الله وأزواجه.

8. وأخيرا ...

لماذا يغضب ويعتب، أليس قد آخاه بنفسه قبل الهجرة، ثم هو لم يزل يؤكد على أخوته له، كلما اقتضت المناسبة ذلك.

وعلى كل حال، فنحن لن نكذب النبي «صلى الله عليه وآله»، والقرآن، ونصدق هؤلاء، فنحن نذر هذه الترهات لهم، تدغدغ أحلامهم، وترضي حقدهم على علي وأهل البيت «عليهم السلام»، ولعل سر وضع هذه الترهات هو:

1. إنهم يريدون أن يظهروا أنه قد كان في بيت علي «عليه السلام» من التناقضات والمخالفات مثل ذلك الذي كان في بيت النبي «صلى الله عليه وآله» نفسه، مما كانت تصنعه بعض زوجاته «صلى الله عليه وآله» وليمكن من ثم أن يقال: إن ذلك أمر طبيعي، ومألوف، وهو من مقتضيات الحياة الزوجية، فلا غضاضة فيه على أحد، ولا موجب للطعن والإشكال على أي كان، فزوجة النبي تتصرف كما كانت تتصرف بنت النبي «صلى الله عليه وآله»، وكما كانت عائشة تغضب النبي «صلى الله عليه وآله»، فإن فاطمة كانت تغضب علياً، وكانت خشنة معه.

2. ومن الجهة الثانية فكما أن قوله «صلى الله عليه وآله» من أغضبها «أي فاطمة» فقد أغضبني، ينطبق على فلان وفلان، فإنه ينطبق على عليّ «عليه السلام» نفسه، إذا فكما أغضب أبو بكر فاطمة فقد أغضبها علي «عليه السلام» أيضاً، وتكون واحدة بواحدة، فلا يكون ذلك موجباً للإشكال على أولئك دونه «عليه السلام».

3. بل إنهم يريدون بذلك أن يظهروا علياً «عليه السلام» بصورة الرجل الذي لم يكن مرضياً من فاطمة، وقد تزوجته بدون رضى منها.

ولعل قبول النبي «صلى الله عليه وآله» بتزويجه قد كان لأجل دفع غائلته وشره، وبذلك يسلبون عنه فضيلة الصهر للنبي «صلى الله عليه وآله».(39)

الشواهد الشعرية:

1. قال أبو الأسود الدؤلي:

إذا استـــــقبلت وجه أبي تراب ... رأيت البدر حار الناظرينا

2. قال الصاحب بن عباد:

لم أحك إلا ما روته نواصب ... عادتك فهــي مباحة الأسلاب

عوملت يـــا تلو النبي وصنوه ... بأوابد جاءت بكل عجاب

قـد لقبوك أبـــا تراب بعد ما ... باعوا شريعتهم بكف تراب

3. الخطيب الخوارزمي:

ألا هل من فتى كأبي تراب ... إمام طاهـر فوق التراب

إذا ما مقلتي رمدت فكحلي ... تراب مس نعل أبـي تـــراب

4. مجد الدين بن جميل:

ولـــو رمق السماء وليس فيها ... حـياً لاستمطرت غيثاً ركاماً

وتلثم من تراب أبي تراب ... تـراباً يـبرئ الداء العقاماً

5. الشواء الكوفي الحلي:

ضمنت لمن يخاف من العقاب ... إذا والى الوصـي أبـا تــراب

يــرى في حشره ربا غفورا ... ومولى شافعا يـوم الحــساب

6. ابو محمد المنصور بالله:

وكم وكم جلا به الله الكرب ... فـاعجب ومهما عشت عاينت العجب

واسمع أحاديث بلفظ الباب ... في العلم والحكمة والصـواب

ولا تـــلمني بعـد في الاطناب ... فــــــي حب مولاي أبي تراب

7. شمس الدين المالكي:

وجـــــاء رســــول الله مرتضيـــــاً لــــه ... وكـــــان عـن الزهراء بالمتشرد

فمسح عنه التراب إذ مس جلده ... وقـــــد قام منـها آلفـا للتـفــرد

وقـال لـــــه قـول التلطف: قم أبا ... تراب كلام المخلص المتودد

8. قال عبد الباقي أفندي العمري:

يا أبا الأوصــياء أنـــــت لطــــه ... صهره وابن عمه وأخـوه

إن الله في معـــــانيـــك سراً ... أكثر العالمين ما عــلموه

أنت ثاني الآباء فــي منتهى ... الدور وآباؤه تعـــــد بـــنوه

خلق الله آدما مـــــن تــراب ... فهـو ابن لـــــه وأنت أبــــوه

9. ابن العرندس الحلي:

ومدحـته رغماً عــلى آنافهم ... مدحاً بـــه ربي صدا قـلبي جلا

وتـــــراب نعل أبــي تراب كلماً ... مـــس القـذا عيني يكون لها جلا

فعليه أضعاف التحية ما سرى ... ســـار وما سح السحاب وأهملا

10. ابن داغر الحلي:

فتشفعـوا لكبائــــــر أسلفــتهــــا ... قلقت لهــــــا نفـــسي وقل رقادها

جرما لــــــو أن الـراسيات حملنه ... دكت وذاب صخــورها وصــلادها

هيهات تمـنع عن شفاعة جدكم ... نفس وحب أبي تـــراب زادها

11. السيد علي خان المشعشعي:

لسر مـــا دعاك أبا تراب ... محــمد النبي المستطاب

فكان لكل من هو من تراب ... إليك وأنت علته انتساب

فلولا أنت لم يخلــق سماء ..... ولولا أنت لم يخلـــق تراب

الهوامش:

(1). كنز العمال للمتقي الهندي ج١٢ ص٢٠٦ ، المناقب للخوارزمي ص٢٢ ، الفصول المهمة لإبن الصباغ المالكي ص٢٢.

(2). من المعلوم أن المؤاخاة كانت مرتين مرة قبل الهجرة وأخرى بعد الهجرة بخمسة أشهر، وتكنية النبي «صلى الله عليه وآله وسلم»، للإمام علي «عليه السلام» بأبي تراب كانت في الثانية أي بعد الهجرة بخمسة أشهر.

(3). غزوة العُشيرة: «بضم العين مصغراً بالشين وقيل بالسين المهملة آخرها هاء» هي غير غزوة العسرة التي هي غزوة تبوك، وأما غزوة العُشيرة فمنسوبة لموضع بني مدلج بينبع، وكانت في جمادي الأولى أو الآخرة على رأس ستة عشر شهراً من الهجرة.

(4). الصور وصيران وأصوار: النخل الصغير.

(5). الدقعاء: التراب اللين.

(6). في هذه الرواية والتي قبلها ان النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» حركهم برجله، وقد عقب السيد جعفر مرتضى العاملي على هذه الروايات في كتابه الصحيح من سيرة الإمام علي «عليه السلام» ج2 ص250 فقال: (غير أن لنا تحفظاً مهماً على هذه الرواية لأجل ما تضمنته الرواية من أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد حرك علياً «عليه السلام» وعماراً برجله، فإن هذا لا يمكن أن يصح، لأنه ينافي أخلاق رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فلا بد من طرح هذه الفقرة من الرواية، أو القول بحصول تصحيف فيها، بأن يكون الصحيح: «حركنا برجلنا»، بدل «برجله»، ويبقى ما عداها على ما هو عليه من الإعتبار لتواتر روايته اذ لا ريب في ثبوت هذه الكنية التي منحها النبي «صلى الله عليه وآله» لعلي «عليه السلام»، وهي مجمع عليها من قبل أهل التاريخ والرواية).

(7). تاريخ مدينة دمشق لإبن عساكر (ترجمة الإمام علي «عليه السلام») ج3 ص285، الخصائص للنسائي ص٣٩، مسند أحمد ج٢ ص٢٦٢، المستدرك على الصحيحين للحاكم ج٣ ص١٤٠، مشكل الآثار للطحاوي ج١ ص٣٥١ ، كنز العمال ج١٥ ص١٢٣، مجمع الزوائد للهيتمي ج٩ ص١٣٦، تاريخ ابن الوردي ج١ ص٢١٩، تاريخ الخميس للديار بكري ج١ ص٣٦٤، شرح المواهب للزرقاني ج١ ص٣٩٥، فرائد السمطين للحمويني ج١ ص٣٨٤.

(8). تاريخ مدينة دمشق لإبن عساكر في «ترجمة الإمام علي «عليه السلام» ج١ ص٢٢، تاريخ الطبري ج٢ ص٤٠٩، وأخرجه البخاري في صحيحه في أربعة مواضع راجع: ج٣ ص١٣٥٨، رقم: ٣٥٠٠، و ج٥ ص٢٢٩١ رقم:٥٨٥١ وص٢٣١٦ رقم: ٥٩٢٤ ، وهذه المواضع الاربعة لم تتفق على صورة واحدة للحديث مع أنها عن راو واحد وهو أبو حازم عن سهل بن سعد مما يكشف عن عدم دقة البخاري في نقله.

(9). كنز العمال للمتقي الهندي ج١٢ ص٢٠٦.

(10). تاريخ مدينة دمشق لإبن عساكر في ترجمة الإمام علي «عليه السلام» ج١ ص٢٤.

(11). السيرة النبوية لأبن هشام الحميري ج٢ ص٤٣٤.

(12). سورة النبأ/ الآية (40).

(13). سفينة البحار للشيخ عباس القمي ج1 ص121 ، غاية المرام ج1 ص58.

(14). بحار الأنوار للمجلسي ج35 ص51.

(15). الصحيح من سيرة الإمام علي «عليه السلام» للسيد جعفر مرتضى العاملي ج2 ص264.

(16). الصحيح من سيرة الإمام علي «عليه السلام» للسيد جعفر مرتضى العاملي ج1 ص153.

(17). راجع: محاضرة الأوائل ص113، الغدير ج6 ص338 ، الإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» للهمداني ص56.

(18). الصحيح من سيرة النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» للسيد جعفر مرتضى العاملي الجزء الخامس.

(19). أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين ج2 ص10.

(20). يعني بني أمية.

(21). تاريخ مدينة دمشق لإبن عساكر ( ترجمة الإمام علي «عليه السلام») ج١ ص٢٣.

(22). سورة التوبة/ الآيات ( ٦٥- ٦٦).

(23). راجع الحديث في صحيح مسلم ج٧ ص١٢٠.

(24). تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ص٤.

(25). بحار الأنوار للمجلسي ج٣٣ ص٢١٤.

(26). تاريخ ابن الأثير ج٣ ص١٦٥.

(27). مختصر فتح رب الأرباب ص١٠.

(28). الهاشميات ص٣٦.

(29). كتاب المحسن السبط للسيد محمد مهدي الخرسان ص65.

(30). سيرة ابن هشام ج2 ص249 ، أنساب الأشراف للبلاذري ج2 ص90.

(31). البداية والنهاية ج3 ص347، والغدير ج6 ص336 عن سيرة ابن هشام ج2 ص237، وعمدة القاري ج7 ص630، والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص363 عن صحيح البخاري، والمناقب للخوارزمي ص7، وأنساب الأشراف ج2 ص90، ومعرفة علوم الحديث للحاكم ص211.

(32). طبقات ابن سعد ج8 ص16.

(33). نفس المصدر: طبقات ابن سعد ج8 ص16.

(34). مناقب الخوارزمي ص256، وكشف الغمة ج1 ص363، البحار ج43 ص134.

(35). صحيح البخاري ج5 ص36، حلية الأولياء ج2 ص40، مستدرك الحاكم ج3 ص159، الخصائص للنسائي ص120، مسند أحمد ج4 ص328 ، البداية والنهاية ج6 ص333 ، الصواعق المحرقة ص188.

(36). راجع: فرائد السمطين ج2 ص46، ومجمع الزوائد ج9 ص203، وأسد الغابة ج5 ص522، تهذيب التهذيب ج12 ص442، مستدرك الحاكم ج3 ص154، الصواعق المحرقة ص186، سير أعلام النبلاء ج2 ص132.

(37). روضة الواعظين ص151.

(38). أنساب الأشراف ج2 ص93، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» لابن عساكر ج1 ص159، وفضائل الخمسة من الصحاح الستة ج1 ص200، والغدير ج10 ص202.

(39). راجع ما تقدم: الصحيح من سيرة النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله»، للسيد جعفر مرتضى العاملي، الجزء الخامس، الفصل الرابع.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حامد كماش آل حسين
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/10/20



كتابة تعليق لموضوع : مقالات في مناقب المرتضى 4. أبو تراب
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net