يعرف التطرف بإنه : الشدة أو الإفراط بشيء أو موقف معين وهو أقصى الاتجاه أو النهاية والطرف أو الحد الأقصى.
ويضع الكثير من اصحاب الرأي التطرف غالبا في خانة الجهل وتأثيره الغالب في المتطرفين وما حولهم من اشخاص ، وهي قضية واضحة للعيان تثبتها الكثير من الوقائع في جميع المجالات السياسية والاجتماعية والدينية وغيرها.
لكن ظهور تطرف المثقف _ والذي يرجى ان يكون منه رأيا واعيا كضد للجهل _ بدا واضحا اليوم في كثير من المواقف وصار لا يقل وطأة عن الجهلة وربما أسوأ احيانا بحكم ظهور حالة الفوقية والاستعلاء والنرجسية التي يعتقد او يتعامل بها مع محيطه.
فأصبح جدال المثقفين عادة يدور في حلقة مغلقة لإنهم قادرون على المناورة واللعب بالمصطلحات والافكار واللف والدوران مع خصومهم بعيداً عن الحقيقة وأحيانا يحرفون الحقيقة رغم توفر الأدلة الواضحة على احقيتها.
وأمست الحقيقة في نظر المثقف المتطرف لا يعول عليها ما دامت خارج قناعاته الفكرية والمعرفية و مغايرة لمعلوماته وما قرأه وحفظه من مصطلحات ونظريات.
وبات المثقف منتجا تنظيريا بعيدا عن العمل الواقعي مخفقا فيه ، لإنه يعيش في عالم مثالي جدا يتنفس وهم النظريات والاطروحات بينما يفقد روح المبادرة والتطبيق ان حاول لإن ما يحاول فرضه لا يلائم الموقف او الزمن كما انه يحاول أن ينفرد بموقفه ورأيه ليعيش وهم الفهم الواسع والتميز الواعي، وربما يتناقض ليكون متطرفا ضمن خيار العقل الجمعي لا يختلف في ذلك عن الجماعات المؤدلجة إلا بالمصطلحات والقدرة على اللقلقة الكلامية.
ويتحول المثقف المتطرف هنا الي اداة لنقد كل شئ حوله ويغالي في نقده في حين ينسى أن ينقد نفسه بل يصبح ناقما عما حوله ، حتى أنه صار يشكل أزمة بعد أن كان يُنظر لصاحبه كحل.
إن أزمة التطرف الثقافي في بعض منها قد ترجع إلى عقد نفسية تنشأ بمرور الزمن نتيجة الفشل الواقعي في تحقيق ما يصبوا اليه الانسان في خضم الثورة المعلوماتية والمعرفية وقد تتدخل الاهواء والخصومات الشخصية و الفكرية والايدلوجية في رسم صورة المثقف المتطرف فضلا عن التنافس الثقافي بين شرائح المثقفين انفسهم، ناهيك عن الخلل في التنشئة الأسرية والثقافية والدينية وردود الفعل عليها ، وأزمة الثقة في رسم عقدة التطرف في ظل إتجاه معرفي واحد ، فتتكون نظرة إحادية للحقيقة والصواب لا يمكن لسواها المنافسة او حتى المناقشة ، كما يمكن ان تكون القراءة غير الواعية والمشتتة والعشوائية التي لا تستند إلى أرضية صلبة بأساسيات الثقافة وثوابتها الإنسانية والقيمية والدينية سببا في خلق حالة النقمة الثقافية على الجماعات السابقة التي كان ينتمي لها المثقف المتطرف او الجماعات التي حوله والتي تعمل ضمن نسق معين يختلف عن النسق الذي هو عليه الآن .
أن المشكلة لا تكمن في وجود هذا النمط من المثقفين فقط بل في محاولة فرض أنفسهم كخط وحيد عن ما سواه يجذب له مريدين من الناشئة وقليلي الخبرة لصناعة وعي ثقافي متطرف يتسع شيئا فشيئا وربما يسيطر على الرأي العام الثقافي يوما ما مع ملاحظة اضفاء هالة من القدسية لكل رموزهم ونتاجاتهم. لذا فإن إعادة صياغة الوعي الثقافي وفق مفاهيم حقيقية تبدأ من الإسرة التي تحافظ على القيم العامة وتحترمها كما تحترم الخطوط والإتجاهات المختلفة وتناقشها بهدوء وإحترام كضرورة اجتماعية فكرية تستدعي التحاور والاطلاع على الاخر المختلف.
كما أن على المؤسسات الثقافية ومن لهم رأي وباع في إيجاد ونشر الوعي الثقافي _ دينيا وسياسيا ومجتمعيا _ زرع ثقافة الحوار والتسامح وإحترام الرأي الآخر ومراعاة القيم قبل أي ثقافة وخط فكري، والتعامل المنهجي الحذر مع الأجيال الناشئة خصوصا في جانب المعرفة ومحاولة التغيير في الأشخاص والجماعات الفكرية التي تتخذ خط التطرف الفكري من خلال الحوار المتبادل، مع جهد إعلامي واع هادف ومسؤول ينشر ثقافة الحوار ومنهج التواضع وابراز الفكر الوسطي، والتوجه للنقد البناء لصناعة ثقافية قادرة على التحاور و تحقيق الوعي الحقيقي البناء، والوصول للهدف بعيدا عن التطرف والإنغلاق والرفض اللاواعي ومحاولة التميز العشوائية تحت غطاء الوعي والثقافة والفكر.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat