شبكات التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين
منتظر صيهود

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 يعتبر هذا العصر عصر الثورة المعلوماتية، وعصر التكنولوجيا التي تعمل على خدمة البشرية، وذلك بمختلف الاختراعات التقنية، خاصة في مجال الشبكة العنكبوتية وآخر صيحاتها (شبكات التواصل الاجتماعي)، وهي كغيرها من المكتشفات تعد سلاحاً ذا حدين، فبفضلها أضحى العالم قرية صغيرة, وصار بالإمكان الإحاطة بأي معلومة بسرعة فائقة، وتكوين شبكة معقدة لا حصر لها من العلاقات والمعلومات، حتى اجتاح بتقنياته العالية الكثير من المجتمعات الشرقية المحافظة والملتزمة على المستويين الديني والعرفي؛ لذلك أصبحت تشكل خطراً يهدد دفء وترابط الأسر، وتفكيك تلك الأواصر الاجتماعية المتوارثة - والتي استمرت لعشرات المئات من  السنين، - من خلال الاستخدام غير الصحيح  وغير المبرمج، لذلك نلاحظ الكثير من الفئات العمرية ولكلا الجنسين، يقضون أكثر أوقاتهم منكبين على ارتياد تلك الشبكات، ليشكل ذلك سبباً في تعرضهم لمجموعة من السلوكيات المقلقة التي لا تمت بصلة لأخلاقيات مجتمعنا، والتي تؤدي بالنتيجة الى التهاون في أداء ما عليهم من واجبات أمام ربهم ومجتمعهم ووطنهم...
 ونرى أيضاً بعض الفتيات قد خلعن جلباب الحياء والعفة، بكثرة الاختلاط بالرجل الأجنبي، وتضييع الوقت في تبادل الكلام غير المفيد، وتوسعت دائرة الخيانات الزوجية، وكثرة مشاكل الطلاق، وأيضاً التقصير في أداء واجبات كل من الزوجين اتجاه أسرته... جريدة صدى الروضتين أطلت على هذا الموضوع المهم؛ لما له من تماس مباشر بشريحة واسعة من المجتمع، وكان لها عدة لقاءات بهذا الشأن، أولها مع الأستاذ (كاظم عباس عبد الحسن) المتخصص في علم الاجتماع، فتحدث قائلاً:
 من الضروري النظر إلى العوامل التي تؤثر تأثيراً مباشراً في المجتمع؛ وذلك للتعرف على أسباب التغيرات الاجتماعية التي تصيب أفراده، ولعلني لا أبالغ إن قلت: إن الكوارث الطبيعية والتي قد تدمر مدناً مليونية كبيرة، ليست أكثر ضرراً على المجتمعات من الفكر الهدام الذي لا يتلاءم مع طبيعة تلك المجتمعات.
 وقد تقدم العالم الغربي بتقنيات الاتصال إلى الحد الذي جعل كل شيء ممكناً، وصار بالإمكان أن نرى ونسمع كل ما يجري في العالم من أحداث ومواقف - وكان هذا الأمر عسيراً في السابق – وبفضل هذا التطور، أصبح بإمكان أي شخص في العالم الاتصال بأي شخص آخر في الجهة الأخرى من العالم، ويراه ويسمعه... وقد انعكس ذلك على نوع العلاقات بين البشر، وأمسى لكل فرد مجموعة من العلاقات، وبالتالي أحدث ذلك خللاً في التوازن الاجتماعي والأسري، من خلال الاكتفاء بتلك العلاقات غير المنضبطة، وتناسي الروابط الواقعية الحقيقية بالعائلة، مما تسبب بالكثير من المشاكل الأسرية، كان نتيجتها الطلاق وانهيار بيت الزوجية، وزج العديد من الضحايا إلى الشارع، مما هدد كيان المجتمع برمته، بانتشار المجرمين والمنحلين خلقياً...
 ومما تجدر الإشارة إليه، ذلك الدور الكبير الذي لعبته المواقع الاجتماعية في إحداث حالة الثورة والغضب الشعبي في مختلف أرجاء الوطن العربي؛ بسبب مواقع التواصل الاجتماعي، وإيجادها لحالة الحراك الشعبي التي شهدتها المنطقة العربية في الآونة الأخيرة, فكانت الأداة المحركة والداعمة لكل الثورات العربية، والتي سميت بـ(الربيع العربي) بغض النظر عما أتى به ذلك (الربيع) من إيجابيات أو سلبيات.
صدى الروضتين التقت بسماحة السيد (عدنان جلوخان) من قسم الشؤون الدينية التابع للعتبة العباسية المقدسة، للتعرف على أهم الأسباب التي تؤدي إلى الطلاق، فتحدث قائلاً: 
 قال تعالى: (ومِن آيَاتِهِ أَن خَلَقَ لَكُم منْ أَنفُسِكُم أَزوَاجاً لتَسكُنُوا إِلَيهَا وَجَعَلَ بَينَكُم موَدةً وَرَحمَةً إِنَّ فِي ذَلكَ لَآيَات لقَومٍ يَتَفَكرُونَ). تشير هذه الآية إلى حكمته تعالى في بناء الأسرة، وكيف جعل سبحانه الجمع بين الزوجين بالسكن, الزوج يسكن إلى زوجته، والزوجة تسكن إلى زوجها، وجعل هذه المودة والرحمة بين الزوجين، فلابد من اجتماع المودة والرحمة حتى ترتقي الأسرة إلى أعلى مراتب السعادة.
  هذا البناء المهم الذي يشير إليه الله سبحانه وتعالى، له مقومات وأسس كبناء الدار لها أساسيات وعناصر مهمة، حتى يشيد ويعلو قوامه... ومن خلال عملنا في قسم الشؤون الدينية، لاحظنا وجود أسباب عديدة للطلاق - وكما تعلمون أنه من الأشياء المنبوذة في الشارع المقدس، فهو أبغض الحلال عند الله سبحانه – ومن تلك الأسباب العولمة، وجميع وسائل الاتصال, وما يشاهدونه من برامج ومسلسلات تهدد وتهدم الكثير من البلدان، وتدخل البيوت بسلبياتها وإيجابياتها، وتحدث أثراً واضحاً ينعكس على بيئات المجتمع.
وكذلك شبكات التواصل والانترنت بصورة عامة يعد سلاحاً ذا حدين، إذا استخدم بصورة مبرمجة وجيدة يمكن أن ينتج ثماراً, وإن كان غير ذلك، فهو الضياع بذاته، حيث الفرد يضيع وقته ليجلس ساعات متواصلة, ولا يطرح على نفسه أن يخصص  دقائق قليلة أن يفتح القرآن الكريم، ويقرأ جزءاً صغيراً منه، ليتصل بالله سبحانه وتعالى, ولينمي عقله بهذا البناء المطهر والمقدس. ويجب على الأب أن يكون المراقب والعين الساهرة على أسرته، لتوخي الحذر بعدم الوقوع في أي مأزق قد يؤدي إلى هلاك أبنائه، وتفكك أواصر تلك الأسرة بصورة عامة. 
أما الأستاذ الجامعي (علي حبيب) باعتباره من المستخدمين، تحدث لنا قائلاً: 
لا يخفى أن وسائل الاتصال الاجتماعي سلاح ذو حدين، ولكن الأمر تابع للمستخدم لهذه التقنيات الحديثة، حيث إنه يستطيع أن يستخدمه في أمور حسنة مفيدة ومبرمجة لتطوير نفسه بالفكر والثقافة, وأيضاً يستطيع أن يستخدمه في أمور مخلة بالأخلاق الدينية، والعرف الاجتماعي... وبالنسبة لي فهي تعد وسيلة مهمة ونعمة أتواصل بها على الدوام مع أفراد أسرتي الذين يعيشون خارج العراق. 
 إن سبب وجود العديد من المشكلات العائلية يرجع إلى المستخدم, فهناك من يضيع وقته بأمور غير مجدية، وآخر يمكن أن يستثمره في آفاق علمية واسعة.
كما تحدث لنا أحد أصحاب مقاهي الانترنت الواقعة في مركز المدينة، فقال:
 الشباب هم عماد كل أمة وسبيل نهضتها, وهم القوة البناءة في سلمها, ووقود لدفاعها عن نفسها, وفي مقابل ذلك هم الهدف الذي يصوب عليه الأعداء سهام مكرهم للنيل منهم, وأهم تلك الأسلحة وأخطرها الإنترنت, الذي يتطور في هذا العصر بخطوات متسارعة مذهلة, فهو القوة المهيمنة على عقول وأفكار الناس عموماً, والشباب على وجه الخصوص ولكلا الجنسين, فهم الفئة الأكثر تفاعلاً وتأثراً بهذه الوسائل الحديثة التي انتشرت في جميع بلدان العالم, بما فيها بلدان العالمين العربي والإسلامي بالأخص, لتشكل خطراً كبيراً على هذه الشريحة؛ لما تحمله في طياتها من معايير غير أخلاقية ومخلة بمبادئ ديننا الحنيف، حيث إنهم يقضون في ذلك أوقاتاً طويلة تستنفد فيها طاقاتهم الجسمية والمعنوية, وتوتر علاقاتهم الأسرية والمجتمعية.
 إن حالة الفراغ الفكري والعقائدي، تشجع الشباب على الدخول إلى عوالم (الانترنت) للتسلية والإمتاع، وضياع الوقت الثمين, وهذه الميزة جعلته سلاحاً ذا حدين، كالمشرط بيد الطبيب، فإما أن يستعمله لإجراء عملية جراحية ينقذ بها المريض, وإما أن يستعمله لإلحاق الضرر بأشخاص آخرين... إن شبكات التواصل عبارة عن آلة يمكن للإنسان أن يستخدمها في مجالات إيجابية شتى: كالدراسات، والبحوث العلمية، والاطلاع على حميع العلوم بسرعة فائقة. 
 وختاماً... يبدو من خلال هذه الجولة أن الأمر متعلق حقيقة بالمستخدمين، فهو تارة يعد فرصة حقيقية للاطلاع على شبكة واسعة من العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وتبادل الآراء في مجالات شتى، حتى لا ننسلخ ونبتعد عن عالمنا كثيراً بهمومه ومشاكله وتطلعاته... فالعالم يتغير، ولم يعد بالإمكان التواصل مع الإخوة والأحبة والأصدقاء؛ بسبب زحمة العمل وتراكم الأولويات... لذا جاءت شبكات التواصل الاجتماعي حلاً ناجعاً من خلاله نحافظ على لحمتنا وتواصلنا... أما الاستخدام السيء، فهو يأخذنا بعيداً عن أهدافنا وطموحاتنا، ويحطم قدراتنا سريعاً، والتي يجب أن ندخرها لبناء أنفسنا وأبنائنا ومجتمعنا.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


منتظر صيهود

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/07/25



كتابة تعليق لموضوع : شبكات التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net