صفحة الكاتب : زينب العارضي

 يالها من أيام صعبة هذه التي قضيتها مع والدتي في المستشفى، هنا الدنيا مختلفة، وخلف كل شخص ألف قصة وحكاية، لقد رأيت في هذه الايام القلائل حوادث كثيرة وقصصا مروعة، وأدركت جيدا كم هي ثمينة نعمة العافية، لقد عايشت في هذا الأسبوع قصصا عدة: فأم وولدها، وزوجة وزوجها، ووالد وابنته، لكن اكثر ما أثار ألمي واقرح فؤادي هو منظر شقيقين كانا يبدوان وكأنهما شخص واحد، حب عجيب جمع بين قلبيهما، صورة فريدة لم ارَ لها في واقعنا القاسي الذي نعيشه مثال، إنهما أحمد وهادي، هكذا سمعت الآخرين ينادونهما، كان أحمد شابا في الثلاثين من عمره تبدو على وجهه آثار الصلاح والتقوى، وهادي كان يكبره قليلا، رأيتهما في منظر رهيب لم أستطع محوه من ذاكرتي رغم خروجي من المستشفى مع والدتي منذ أسبوع، لقد هالني منظر هادي وهو يحمل أخاه جريحا إلى المستشفى وعينيه تسيل الدموع.
 نعم فلقد حصد الانفجار الذي وقع في سوق المدينة أرواح الكثيرين، لكن أحمد بدا وكأنه لوحة ملونة بالشظايا، لقد كان قريبا من الإنفجار لكنه لم يمت بل قطعت يداه و فقد أحد ساقيه، وامتلأ جسمه بالشظى والجراحات.
 أنا لا أنسى ذلك اليوم الذي لم تهدأ فيه صفارات الإسعاف ولم يتبق فيه مكان في المستشفى على الرغم من أنها المستشفى الأكبر في المدينة؛ فمنذ ساعات الصباح الاولى والردهات تغص بافواج الجرحى والمصابين، كان منظرهم يقطع القلب، وكان صراخ الأمهات وعويلهن قد ملأ أركان المستشفى، استأذنت من والدتي لاقترب أكثر وأعرف ماذا حدث؟ ولمَ تعالى فجأة الصراخ والنحيب؟!
 ذهبت إلى خارج الردهة فرأيت أخا يحتضن أخاه والدموع تسيل من عينيه كأنها حبات المطر، انه هادي نفس الشاب الذي جاء بأخيه صباحا لاسعافه، يبدو أن أحمد قد مات!
نعم رحل احمد وخلف في قلب أخيه حسرة لا تنتهي، لقد رأيته وهو يكتوي بنار فقد أخيه ويصيح بصوته المبحوح: سندي .. أخي... أحمد... من لعيالك؟ كيف ساخبرهم بموتك؟ ماذا سأقول لابنتك الصغيرة فاطمة؟ ألم تعدها أن تشتري لها دمية في هذا اليوم؟ لا شك أنها الآن واقف خلف الباب تنتظر عودتك، وترسم في مخيلتها صورتك، وانت تحملها وتحتضنها بلهفة لتطبع على وجنتيها قبلتك الأبوية اليومية، أخي ماذا سأقول لأبي.. لأمي.. لأختي؟ لقد كسرت ظهري يا أخي......
 هكذا ظل هادي ينوح أخاه الذي غادر الحياة وهو في ريعان الشباب، و رغم بشاعة المأساة التي حلت في ذلك اليوم، وكثرة الموتى في المستشفى، إلا أن كلمات هادي الحزينة ابكت كل من سمعها....
 عدت إلى غرفة والدتي لأروي لها قصة حزن يبدو أنها ألفت بيوتنا وشوارعنا، واعتادت أن تسرق منا أحلام حياتنا الهانئة، عدت وكلمات هادي ترن في أذني: أخي كسرت ظهري...
 وهنا طاف بي خيالي إلى كربلاء إلى حيث العباس وأخيه سيد الشهداء سلام الله عليهما، حلقت بروحي بالقرب من خيمة معجزة الاخاء والوفاء، أبي الفضل عليه السلام؛ لأرى من احتار بكماله وجماله الواصفون، وتعجب من جوده وحنانه كل العالمين، انه العباس معجزة الإخوة التي حفرت في ذاكرة الزمن معنى التضحية والإخلاص والايثار.
 لقد رأيت شبل حيدر يلوح البأس على اسارير جبهته، وهو لم يفتأ عن مناصرة الحق في شمم واباء، رأيت رمز البطولة الذي ارتضع لبان البسالة من صدر أمه التي ذابت في حب الزهراء، رأيت من تربى في حجر الإمامة وترعرع ونصب عينيه أمثلة الشجاعة والتضحية والفداء دون النواميس الإلهية، فأما فوز بالظفر، أو ظفر بالشهادة والعلياء...
نعم لقد رأيت العباس عليه السلام وهو يستبشر بالموت تحت مشتبك الأسنة، ويراه أحلى وألذ من الحياة في ظل الذل والاضطهاد..
 هكذا رأيت سيدي العباس عليه السلام وهو بين نزوع إلى الكفاح لمواجهة الباطل، وبين تأخر عن التقدم والحركة استجابة لإمامه وأخيه الحسين عليه السلام؛ الذي كان يراه أنفس الذخائر، فهو صاحب اللواء وحامي العيال وكفيل الحوراء.
ولكن لما بلغ الأمر نصابه وتعالى أنين الحرم والأطفال من العطش تارة، ومن البلاء المقبل تارة أخرى، ولما رأى العباس عليه السلام أن مركز الإمامة وسبط النبي صلى الله عليه واله قد دارت عليه الدوائر وتقطعت عنه خطوط المدد، وتفانى أصحابه وذووه في ساحة المواجهة، هنالك هاج صاحب اللواء وضاق صدره وسئم الحياة، وجاء طالبا الاذن بالقتال...
 ها أنا أراه يقترب من ريحانة الزهراء ويقول لأخيه راجيا: هل من رخصة؟
 نزلت دموعي دون إذن مني لما رأيت الحسين عليه السلام يبكي بكاء شديدا وهو يخاطب أخاه العباس عليه السلام بألم قائلاً: "أخي أنت حامل لوائي وكبش كتيبتي، إذا مضيت تفرّق عسكري"،  وهنا رأيت مولاي العبّاس قد انحنى على يدي أخيه يقبّلهما وهو يقول: "سيّدي، لقد ضاق صدري وسئمت الحياة، أريد أن آخذ بثاري من هؤلاء الأعداء"، عند ذلك أذن له الإمام عليه السلام، وطلب منه ان يروي العطاشى ويطلب للعيال والأطفال قليلا من الماء.
ذهب ابن الكرار عليه السلام إلى الميدان واعظا ومذكرا ومحذرا غضب الجبار، فلم ينفع مع أولئك المتوحشين النصح، ولم يؤثر فيهم الوعظ، وكشفت ساحة


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


زينب العارضي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/07/16



كتابة تعليق لموضوع : قصة فداء
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net