يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ
صادق مهدي حسن
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
صادق مهدي حسن

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ المائدة:54. أشارت الآية المباركة إلى جوانب مختلفة ومن أبرزها أنْ ذكرت قوماً وَوصفتهم بحبِّ الله لهم وحبِّهم إيّاه، فما المقصود بهذين المفهومين وكيف يتحققان؟
أطبق جمع كبير من المفسرين أنَّ الآية المباركة نزلت في فضل أمير المؤمنين وآله الأطهار (ع)، وحديثنا يدور فقط حول مفهوم المحبة بنحو عام؛ جاء في تفسير مجمع البيان للطبرسي أن (محبة الله تعالى للعبد هي إرادة ثوابه ومحبة العبد لله هي إرادته لطاعاته). والحُب لغةً كما يقول ابن منظور في معجمه (لسان العرب): (هو الوداد والمحبة والميل الشديد، ويقابله البغض والتنفّر)، ويقول صاحب كتاب (مجمع البحرين): (هو الميل القلبي والباطني نحو المحبوب، فلا يكون الشيء محبوباً إلا إذا مالت النفسُ إليه، وهذا الميل ذو درجات ومراتب، فإذا قوي هذا الميل واشتد سُمّيَ عشقاً).
ويذكر جملة من علمائنا في كتب الأخلاق أن المعرفة هي أساس الحب، ويتفاوت الحب بتفاوت مراتب المعرفة، فكلما ازدادت معرفة العبد بالله ازداد له حباً، وعلى قدر الحب يكون الإخلاص للمحبوب المطلق تبارك وتعالى: وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ.
وعند استقراء القرآن الكريم وأحاديث النبي الأكرم (ص) وأهل البيت (ع) نجد ذكراً لأقوامٍ وُصِفوا بصفات متعددة، كانت المؤهل لهم للفوز بمحبة الله تعالى، وهنا نمرُّ على جانب يسيرٍ منها:
ففي الآية التي تصدرت المقال، وصفهم اللهُ تعالى بأربع صفات: (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ): فهم أهل رحمة ورقَّةٍ، متواضعون للمؤمنين، رفقاءٌ بهم. (أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ): ذوي غلظة وبأس ٍوشدَّة على الكافرين. (يجاهدون في سبيل الله): وهذه من أعظم مناقبهم بشهادة الآية المباركة: لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا النساء: 95، وهذا ما نَصَّ عليه أمير المؤمنين (ع) في إحدى خطبه حيث قال:
(إنَّ اَلْجِهَادَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ اَلْجَنَّةِ فَتَحَهُ اَللَّهُ لِخَاصَّةِ أَوْلِيَائِهِ، وَهُوَ لِبَاسُ اَلتَّقْوَى، وَدِرْعُ اَللَّهِ اَلْحَصِينَةُ وَجُنَّتُهُ اَلْوَثِيقَةُ). والصفة الرابعة (وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ): حيث إن ذوي الهمم الواطئة القصيرة يلومونهم فيما جاءوا به من جهاد وطاعات، ولكنهم أصحاب عزيمة لا تُقهر أو تلين، فلا يبالون بما بذلوا من أموالهم وإزهاقِ نفوسهم، وتحَملهم للشدائد والمكاره في سبيل الله تعالى، كما ذكر القرآن في آياته المباركة أنَّ الله يحب (الْمُحْسِنِينَ، التَّوَّابِينَ، الْمُتَطَهِّرِينَ أو المطَّهرين في آية أخرى، الْمُتَّقِينَ، الصَّابِرِينَ، الْمُتَوَكِّلِينَ، الْمُقْسِطِينَ، الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) ولكل من هذه الصفات حديث مستفيض يضيق به المجال.
ومن الروايات الواردة في محبة الله لعباده، قال رسول الله (ص): (إنَّ الله يحب الحَيي الحليم العفيف المتعفف)، وعنه كذلك: (من أكثر ذكر الموت أحبَّه الله)؛ لأن ذكرَ الموت يستلزم الخَشية من الله، وهذا يفضي إلى عمل الخير وتجنب المعصية وعنه أيضاً: (إن اللهَ يحب المُلِحِّين في الدعاء)؛ ذلك لأن الدعاء يُعدُّ من أهم وأعظم أركان العبادة؛ لما فيه من تواضع وخشوع أمام الله والتسليم إليه. وعن الإمام زين العابدين (ع): (إن الله يحب كل قلبٍ حزين، ويحب كل عبدٍ شكور), فالله يحب هؤلاء وغيرهم - ممن ذكر تصريحاً كما أشرنا آنفاً، أو تلميحاً يفهم من سياق كثير من الآيات المباركة - لأنهم أطاعوه فيما أمرهم به من إحسان وتوبة وطهارة وصبر وتوكل وقسط وصدق وقتال في سبيله.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat