صفحة الكاتب : هاشم الصفار

دروسٌ عالية المضامين في زيارة الأربعين
هاشم الصفار

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

  ونحن على أعتاب الزيارة المليونية، لأربعينية الإمام الحسين (ع)، لابد من استلهام الدروس والعبر، ما نقوى به على عاديات الدهور، وندور في فلكه النابض بالمكارم والفضيلة، وقيم الثبات على العقيدة.. فعندما تفيض الذكرى دروساً إيمانية، يفتح الملايين من أتباع الحسين (ع) الأذرع والقلوب، لإحتضان هذه المناسبة العقائدية الولائية، وكأنها هجرة إلى الله تبارك وتعالى، وقد خلفوا الدور، واصطحبوا الأهلين وارتحلوا، لعناق ضريحك المدمى، بريعان الشهادة الباسم من ثغر عاشوراء.
 ونحن نطأ الثرى العبق بريحان التضحية والإباء، نقرأ زيارة الأربعين العظيمة، بمضامينها المستقاة من فيض القرآن الكريم، والنهج الذي لا يلين، لسلالة عرّفت العالم معنى الوفاء للدين.. لنجد الزيارة المروية عن  الإمام الصادق (ع)، وهي تحمل في طيّاتها دستوراً صاغته للأجيال التي ورثت هذا الحب والمودة لآل المصطفى (ص)، حيث يقول الإمام (ع): (وبذلَ مهجته فيك، ليستنقذَ عبادَك من الجهالة، وحيرة الضلالة)، وهنا بيان صريح للغاية المقدسة من الحركة الإصلاحية للإمام أبي عبد الله (ع)، بأبعادها المترامية، الرامية لإزالة الجهل، وإزاحته من تفكير وعقلية الأمة؛ لأن ذلك يؤدي بها إلى شفا حفرة من النار، كما جاء في قوله تعالى: (وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا). 
 ولعل استفحال الجهل وتفشيه، يتناسب واللهاث وراء الدنيا بزخرفها وزبرجها، حيث جاء في الزيارة: (وقد توازر عليه من غرّته الدنيا، وباع حظه بالأرذل الأدنى)، وقد أشار إلى هذه الآفة أبو عبد الله (ع)، وحذر الجموع الضالة، الخارجة لمحاربته على صعيد كربلاء: (ولا تغرّنكم هذه الدنيا، فإنها تقطع رجاء من ركن إليها)، فالركون للدنيا يعني الركون للظلمة والحكام الجائرين، الذي يستتبع الوقوع في الهاوية؛ لأن الطغاة يطعمون أذيالهم من هذه الجيفة القذرة، لتقوية سلطاتهم ونفوذهم.. وهذا ما حصل مع اللعين عمر بن سعد، الذي باع آخرته بدنيا أولاد البغاء، ليكون من الأخسرين أعمالا. 
 فمن حياض كربلاء المترعة بكنوز الإباء، ينهل الزائرون لسيد الشهداء (ع)، ألف دنيا من العز والكرامة، وهم يسلكون طريقاً، زهد فيه غيرهم من طلاب الحطام الزائل، فالإغترار بالدنيا يجعل الفرد منسلخاً تماماً عن إرثه العقائدي، لينصهر في بودقة الإنكفاء وراء الملذات، بدون ركائز قيمية، تحسب على الهوية الفاعلة للرسالي الحركي، في توجهاته ودوره في الحياة.  مما قد يقود هذا الفرد المنغمس في شهواته، إلى محاربة الله وأوليائه، وهذا ما حصل من أعداء الحسين (ع). 
 ونقرأ كذلك في السطور المضيئة للزيارة: (وأشهد أنك وفيتَ بعهد الله. وجاهدت في سبيله حتى أتاك اليقين)، إن الإيفاء بعهد الله يمثل درجة عالية من الإخلاص والذوبان في ساحة العشق الإلهي، فلا ينبغي تفويت الفرصة، ونحن بين يدي رحمته، في حضيرة المولى، مستشفعين به إلى الله سبحانه، أن يمنحنا درجة الوفاء بالعهد له تبارك وتعالى، عن طريق مراعاة ما ائتمنا عليه، من إيمان وهدى وفطرة سليمة، وعقائد صحيحة.. فإحترام النهج الحسيني، والسير على هدى الأئمة الأطهار (ع)، يمثل ضرورة من ضروريات الإلتزام بالعهود، وتجديد البيعة على العودة إلى الله عز وجل، لارتقاء مراتب يقينية، ادخرها الباري سبحانه للرابضين في حلبات السعي الجهادي، لنيل القرب المطلق منه جل وعلا.
 ثم تتطرق الزيارة المباركة إلى منحى آخر، من مناحي قبول العمل: (اللهم إني أشهدُك أني ولي لمن والاه، وعدو لمن عاداه)، وإنه لقسم عظيم، وأنت تشهدُ الله تعالى على نيتك في الموالاة لمن والى الحسين (ع)، والعداوة لمن عاداه.. في بيان صريح على أن القضية الحسينية غير منتهية، ولا محصورة في إطار المعركة التي حسمت في عصر عاشوراء.. بل في موقفك الرافض لأعدائه إلى يوم القيامة، والمودة لمن والاه، فالإمام الصادق (ع) يعلنها بصدق ويقين، بأنه يوالي كل هذه الجموع البشرية المتوجهة إلى كربلاء، وهي تحمل في ضميرها عنفوانا من الفداء والموالاة لثرى الحسين المفدى بنجيع الصابرين.. فهل بعد هذه النصرة من الإمام الصادق (ع) لشيعة وموالي أبي عبد الله (ع)، من يرتضي الإساءة لهم، أو توبيخهم من حيث يعلم أو لا يعلم بمكانتهم، وهم أولياء الله كما جاء في الحديث القدسي: (من أهان لي وليا فقد أرصدني بالمحاربة)، فضلا عن قتلهم وترويعهم من قبل زمرة، هي أسوأ من الوحوش وأضل؛ لأنهم لا يمتلكون تبريرا يقنعون به الإنسانية عن جرائمهم البشعة، بحق أتباع أهل البيت (ع).
ولابد من الإشارة إلى أن هناك الكثير ممن يهولون ويستعظمون أمر الزيارة والشعائر الحسينية !! ويتساءلون دائماً وأبداً، وهم لا يفقهون عن سر تكاثر وتنامي الزيارات المليونية لأبي الأحرار (ع)؟ ولعل الوقوع في مهاوي (التفلسف) المنحرف، والتمنطق الفارغ، هو الذي يقود في النهاية لهذا التشكيك المؤدي للإلحاد والعياذ بالله.. فحب الحسين (ع) وزيارته وإشاعة مفاهيم حركته، وإيقاظ الضمائر النائمة، لكي تدرك سفينة نجاته، لهي أمور تعتبر من ضروريات الدين، وتركها يسبب نقصاً في الدين.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


هاشم الصفار
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/06/24



كتابة تعليق لموضوع : دروسٌ عالية المضامين في زيارة الأربعين
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net