لقد خلق الله تعالى لمنظومة الكون المادية شمس تمنح الطبيعة الضوء والحرارة فتتغذى وتنمو منها،وقد وصف الله تعالى الشمس بأنها سراج في قوله(تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا)الفرقان /٦١
وكذلك فقد جعل للمنظومة الانسانية شمس تشرق على معادن الناس بالنور وحرارة الحياة فتنمو وتتكامل بحسب استعدادها ،وهي شمس النبوة ،وقد وصف الله تعالى نبيه الكريم بأنه سراج فقال (يا ايها النبي إنا ارسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ،وداعيا الى الله بأذنه وسراجًا منيرا)الاحزاب ٤٥-٤٦.وهذه الشمس النبوية لم تغب بعد رحيله بل بقيت إشعتها مشرقة مهما حجبتها الغيوم ،والامام الرضا عليه السلام هو شعاع ساطع من تلك الشمس النبوية وذلك السراج المنير ،وأحد القابه هو (سراج الله).فقد كان سراجا لله يهدي من ضل الى الصراط القويم .
نشأ امامنا الرضا عليه السلام في تلك المنازل التي اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه،وأسوة بجده رسول الله وآبائه الاطهار فهو بحرا من النور والعطاء والعلم والفضل والاخلاق ،ومن هذا البحر الواسع نغترف ولو جزءا يسيرا ،ونشير إشارة خجولة ،وأنى لهذه الحروف ان تصف هذا العملاق العظيم،ففي مكارم أخلاقه يقول ابراهيم بن العباس :ما رأيت ولا سمعت بأحد أفضل من ابي الحسن الرضا عليه السلام ،وشاهدت منه مالم اشاهده من أحد،وما رأيته جفا احدا بكلامه قط،ولا رأيته قطع على أحد كلامه ،حتى يفرغ منه ،وما رد احدا عن حاجة يقدر عليها ،ولا مد رجليه بين جليس له قط،ولا أتكأ بين جليس له قط ،ولا رأيته يشتم احدا من مواليه ومماليكه ،وما رأيته تفل قط ،ولا رأيته يقهقه في ضحكه ،بل كان ضحكه التبسم ،وكان اذا خلا ونصبت مائدته أجلس على مائدته مماليكه ومواليه حتى البواب والسائس ،وكان قليل النوم بالليل كثير السهر ،يحيي أكثر لياليه من أولها الى الصبح ،وكان كثير الصوم ،ولا يفوته صيام ثلاثة أيام في الشهر …فمن زعم أنه رأى مثله في فضله فلا تصدقوه)*١.
اما في السياسة فقد برز عليه السلام كألمع سياسي عرفه التاريخ في عصره ،فكان يتميز بصلابة الموقف وصراحة الرأي والذكاء والحنكة فلم تخدعه تلك الاساليب الخبيثة التي كان يمارسها اذكى الخلفاء العباسيين .
اما في العلم ،فقد افاض من علمه بما ملأ الخافقين ، عن الامام موسى بن جعفر عليه السلام انه قال لبنيه :(هذا اخوكم علي بن موسى عالم آل محمد ،فأسالوه عن دينكم وأحفظوا مايقول لكم ،فأني سمعت أبي جعفر بن محمد يقول :ان عالم آل محمد لفي صلبك وليتني ادركته فأنه سمي امير المؤمنين علي بن ابي طالب)*٢،وقد تتلمذ على يده وتخرج من مدرسته أجيال من العلماء الذي كان عددهم يناهز الثلاثمائة .لذلك سيبقى هذا السراج مضيئا لامعا على مدى الدهور والعصور مهما اراد الظالمون ان يطفؤه ويأبى الله الا أن يتم نوره ولو كره الكافرون .
………………………
١-اعلام الهدايا ج١٠ ص٢٧-٢٨
٢-سيرة الأئمة الاثني عشر ج٢ص٣٤٦
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat