لطالما تاقت النفوس شوقا لشم عبق تراب عراق أهل البيت، وكم ازدادت ولهاً ووجداً لرؤية وجه العراق الباسم، وعمد خيمته الشامخ، وصمام أمانه، مرجع الإسلام الناصح، ومربي الإنسانية الجامع، الذي إرتشف من معين الآل (عليهم السلام) ونهل من علومهم وحكمتهم، فكان بحق العالم العامل بعلمه، والورع الزاهد، معرضا عن الدنيا لا يزنها الا بما وزنها أجداده الطاهرين، فخضعت له الدنيا وسجدت عند أعتابه، تدور في فلك سماحته، وجمال تواضعه، أنه العالم الرباني سليل الدوحة الهاشمية والشجرة العلوية السيد علي الحسيني السيستاني دامت بركات وجوده الشريف.
والبابا "فرنسيس" ليس بفرط عن تلك النفوس التي جذبها سحر الأب الروحي المعظم والمرجع الديني الأعلى المُلهم وحامل لواء الإنسانية التي واجهت هجمة شرسه، وتعرضت لسحابة شر مظلمة، كادت أن تفرط عقد مجتمع العراق، وتعصف بكيانه، وتهدد نسيج أطيافه المتشابك عبر التاريخ، لتمزقه روح الشر والتطرف، التي غذتها الماسونية الصهيونية والسلفية المارقة، وقد عصفت بالعراق لتنطلق للمنطقة والعالم أجمع بهلاك الحرث والنسل، والله لا يحب الفساد.
نعم جاء فرانسيس ليرى اي رجل هو ذَا الذي الهم القلوب حب الوطن، واشعل في النفوس جذوة العشق الإنساني الكبير، لتمتزج دماء العاشقين من مسلمين ومسيحين وصابئة ويزيدين وعرب وكرد شيعة وسنة في محراب التضحية والفداء لطرد ذاك الظلام التكفيري القبيح، فتعانقت أصوات المآذن واجراس الكناس بصلوات المؤمنين الموحدين الربانيين والقديسين، معلنة امتثالها لفتوى نهضة التحرير والخلاص للقضاء على داعش الشر والظلام، نعم جاء البابا فرانسيس ليتعلم ويتزود ويحج، ولكن هذه المرة ملبيا من العليين في النجف الأشرف ينهل من موحد الأسلام الأول علي بن ابي طالب (عليه السلام)، ويستلهم الدروس والعبر مكللة بجمال المنطق والمنهج الرباني من الأب الأكبر للعراق والعراقيين حامي بلاد الرافدين وأسد الإسلام صاحب السماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني(دامت بركاته وجوده الشريف)
ويقينا أن بابا الفاتيكان الذي سيدخل على المرجع الأعلى سيخرج بغير ما يدخل فيه، وستكون هذه الزيارة نقطة تحول كبرى ومنعطف جوهري في حياته، فهو يدخل على رجل إطمئن قلبه بذكر الله وهداه صراطه المستقيم مستمسكا بعروته الوثقى، له سطوة وهيبة تنقاد لها الأرواح وتخضع لها النفوس والأشباح،(إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) (فاطر:28).
سيرى الرجل عقلانية الإسلام وهيبته وعظمته متجسدا بالمنهج الأصيل لفكر أهل البيت (عليهم السلام) وسماحة أخلاقهم، وعلو قيمهم، وجمال ما جاؤا به وحُسن ما نطقوا، وربوا أتباعهم عليه، والمسيحيون اليوم يعلمون جيدا أكثر من غيرهم هذه الأخلاق وهذا الفكر النقي الطاهر كما إنهم يعلمون جيدا من هو السيد السيستاني وماذا قدم لهم ولطائفتهم التي تخلى القريب والبعيد في أشد ساعات الحاجة الى المساعدة والعون.
من أكثر الناس خدمة للعراق وشعبه ففي وصيته لشعب العراق بتاريخ 22 جمادى الآخرة 1427هـ "ولقد كنت ـ ومنذ الأيّام الأولى للإحتلال ـ حريصاً على أن يتجاوز العراقيّون هذه الحقبة العصيبة من تاريخهم من دون الوقوع في شرك الفتنة الطائفية والعرقية, مدركاً عظم الخطر الذي يهدّد وحدة هذا الشعب وتماسك نسيجه الوطني في هذه المرحلة, نتيجة لتراكمات الماضي ومخططات الغرباء الذين يتربصّون به دوائر السوء ولعوامل أخرى . وقد أمكن بتضافر جهود الطيبين وصبر المؤمنين وأناتهم تفادي الانزلاق إلى مهاوي الفتنة الطائفية لأزيد من سنتين, بالرغم من كل الفجائع التي تعرّض لها عشرات الآلاف من الأبرياء على أساس هويّتهم المذهبيّة. ولكن لم ييأس الأعداء وجدّوا في تنفيذ خططهم لتفتيت هذا الوطن بتعميق هوّة الخلاف بين أبنائه, وأعانهم ـ وللأسف ـ بعض أهل الدار على ذلك, حتّى وقعت الكارثة الكبرى بتفجير مرقد الإمامين العسكريين عليهما السلام وآل الأمر إلى ما نشهده اليوم من عنف أعمى يضرب البلد في كل مكان ـ ولاسيّما في بغداد العزيزة ـ ويفتك بأبنائه تحت عناوين مختلفة وذرائع زائفة , ولا رادع ولا مانع، إنني أكرّر اليوم ندائي إلى جميع أبناء العراق الغيارى من مختلف الطوائف والقوميات بأن يعوا حجم الخطر الذي يهدّد مستقبل بلدهم, ويتكاتفوا في مواجهته بنبذ الكراهية والعنف واستبدالهما بالمحبّة والحوار السلمي لحلّ كافّة المشاكل والخلافات"
وفي هذه الوصية نراه يخاطب من يعتدي على أبناء الطوائف والاديان الاخرى حيث يقول "وأقول لمن يتعرّضون بالسوء والأذى للمواطنين غير المسلمين من المسيحيين والصابئة وغيرهم أما سمعتم أن أمير المؤمنين عليّاً عليه السلام بلغه أن إمرأة غير مسلمة تعرّض لها بعض من يدّعون الإسلام وأرادوا إنتزاع حليّها فقال عليه السلام (لو أنّ امرءاً مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً بل كان به عندي جديراً) فلماذا تسيئون إلى إخوانكم في الإنسانية وشركائكم في الوطن"
هكذا هو سماحة المرجع الأعلى الذي أصبح أبا رؤوفا بالجميع رحيما بهم يتسع قلبه لكل معاناتهم وما يواجهونه أو يتعرضون له، فطوبى لك سيدي يا أبا محمد رضا كيف للدنيا والعالم اجمع أن يعرف قدرك وعلو مقامك، ويخفى كل ذلك على أهل ملتك ودينك فأضاعوا قدرك وجفوا شخصك وخالفوا أمرك.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat