الإمام زين العباد (عليه السلام) ورسائلة المبتغاة حق الأب
منتهى محسن
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
منتهى محسن

كان عبد الله ذو السحنة السمراء، ولدا مؤدبا، فلطالما حاز على اعجاب معلميه، حيث لم ينحصر تفوقه على المستوى الدراسي فحسب، بل انه امتاز بنشاطه في اللجان الرياضيه والانشادية كذلك.
ولد عبد الله في بيت بسيط جداً، ولطالما تقاسم كل من عبد الله وأخيه عبد الرحمن الذي يصغره بعام واحد الملابس والحاجات وحتى الأحذية فيما بينهما.
كان والد عبد الله يعمل عامل بناء، لهذا وجد عبد الله كل الدافع لأن يجتهد ويتميز ليساعد والده، وفي العطل المدرسية كان يذهب معه ويساعده في عمله.
وفي يوم وبينما كان عبد الله يدرب بعض اصدقائه على الالقاء، جاء نحوه احد الطلاب الاثرياء واسمه (فارس) وقال له باستهزاء كبير: انظر قل لأبيك أن يأتي للعمل في بيتنا فعندنا بناء ووالدي يحتاج الى عامل، حينها ضحك الطلاب وتغامزوا، في حين التزم عبدالله بالصمت، وعاد الى البيت مكدور الخاطر.
لم ينم تلك الليلة جيداً، لكنه استيقظ على وقت صلاة الفجر حيث ذهب كالعادة برفقة والده الى الجامع القريب حيث سئل والده قائلاً: ابي لماذا لم نخلق أغنياء؟
فأجاب والده: الله هو مقسم الارزاق وهو الأدرى بمصالحنا يا بني.
عبد الله: ألا توجد طريقة؛ لأن نغير حالنا الى الأحسن.
الأب: توجد يا بني بالصبر وعدم التذمر والجزع.
عبد الله: فماذا لو شعرت فعلاً بالضجر.
الأب: عليك بالاستغفار والتعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
وفي اليوم الثاني عاد فارس لازعاجه في المدرسة حيث قال له: اسمع.. في بيتنا الكثير من الانقاض قل لوالدك أن يأتي لرفعها.. فلربما يشتري لك حقيبة او حذاء جديداً..؟
فقال عبد الله: ابي لا يحتاج الى مبادرتك، فهو يلتزم في العمل في عماره مع أصحابه، عمله متعب، لكنه عمل شريف وحلال.
وعند الحصة الأخيرة جاءت المديرة تعلن أن يوم غد اجتماع للآباء، فاحتار عبد الله هل يخبر والده بأمر الاجتماع ام لا؟
ظل قلقا، ولم ينم ليلته جيدا، فشحب وجه ورفض ان يتناول وجبة افطاره، فأدرك والداه بأن هنالك خطباً ما، فذهب الى مدرسه عبد الله للاستفسار والاطمئنان عليه، فلما رآه عبد الله من بعيد تخفى سريعا بين الطلاب وابتعد عن المدرسة.
حضر والده الاجتماع، بينما ظل باله مشغولا بأمره، خاصة لما علم بأنه لم يصل بعد الى البيت، في حين اتجه عبد الله الى الحديقة العامة، وجلس هنالك يتفكر شاعرا بالندم والخجل، لكنه سرعان ما عاد الى البيت عازما على ابلاغ والديه بما حدث.
فلما افرغ ما في جعبته لوالديه تاركا دموعه تتساقط بندم، قال له والده: بني هيا ارفع رأسك وامسح دموعك، فكما انت مميز في المدرسة بأخلاقك ومهاراتك، فعليك ان تكون كذلك في مواجهتك للحياة.
لا تسمح بالآخرين استفزازك او التقليل من هيبة والدك، كن قوياً صلباً جلداً، أما عني فلقد سامحتك، لكن بودي ان اسمعك شيئا من كلام امامنا السجاد (عليه السلام) في حق الاب حيث قال:
(وحق أبيك أن تعلم أنه أصلك وأنه لولاه لم تكن، فمهما رأيت في نفسك ما يعجبك فاعلم أن أباك أصل النعمة عليك فيه، فاحمد الله واشكره على قدر ذلك ولا قوة إلاّ بالله).
(رسالة الحقوق للإمام زين العابدين عليه السلام).
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat