#توريث_التعذيب !
صلاح عبد المهدي الحلو
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
صلاح عبد المهدي الحلو

الوقت : ليل اليوم الرابع من شهر شباط سنة 1983,
المكان: مديرية أمن النَّجف على طريق نجف - كوفة مقابل حيّ الاسكان.
كُنَّا آخرَ العوائل التي حشروها في مديرية الأمن في ذلك المكان المشؤوم, ولمَّا غصَّ بلعوم المديريةِ بالمعتقلين , ولَم يعُد هناك مكان للمساجين الجُدد جعلونا في القاعة التي تفصل بين غرفة التعذيب ومقر الضباط من جهة, وبين السجن والمرافقات الصحية ومنام الحرس من جهةٍ أخرى, كان ذلك في الطابق الثالث.
ولمَّا كُنَّا جيران غرفة التعذيب كُنَّا نشاهد عمليات التعذيب التي تجري على قدمٍ وساقٍ في الغرفة ليلَ نهار, ونسمعُ صراخ المُعذَّبين وأصواتهم, ماعدا يوم الجمعة حيث كان يوم راحة الأعصاب وهدوء البال.
كنتُ أعتقد حينَها أن هؤلاء الضباط يخافون صداماً ويهابونه فمن أجل ذلك كان تفانيهم في التعذيب وتفننهم فيه,
فلما رحل ابن العفيفة !! تخيَّلتُ في نفسي أن المنظومة النفسية عند مراتب سلك الأمن الداخلي من ضباطٍ وجنود, في مديريات الشرطة والأمن والاستخبارات ونحوها قد تغيَّرت وصارت هذه المخلوقاتُ تتسم بشيءٍ من الآدميّة ,
حتى فوجئتُ سنة 2005 بأنَّ هناك تعذيباً جرى على بعض الأبرياء من المتهمين ممن أعرفهم شخصياً وأعرف أهله, جعلوا وجهه من الضرب أكبر من حجمه أربع مراتٍ لا لشيءٍ إلَّا لأن بعض النساء ممن لا يعرف جاءته وادعت أن لديها اتصالاً هاتفياً مهماً وليس عندها رصيد, فناولها موبايله للاتصال كنوعٍ من المساعدة الانسانية, وتبيَّنَ بعد ذلك أن هذه المرأة مريبة أخلاقياً وأنَّها قُتِلت يوم المخابرة, وعن طريق هذا الخيط اقتادوا صاحبَنا هذا وعذَّبوه بحجة التحقيق.
قبل أشهر رأيتُ في الشارع الذي يقع خلف المصرف رقم 7 شرطياً وهو يدفع عربةً يدويةً لكاسبٍ ما, فقلتُ لصاحبي: كم هو انسانيٌّ هذا الشرطي وهو يدفعُ عربة هذا الكاسب!! فتبسَّم وقال ما ألطفك! هكذا من باب التندر , وأردف: إنَّما يدفعُ عربة الكاسب يأخذها إلى الحجز.
وفي رمضان الفائت لما رأيتُ شرطياً يدفع عربة كاسبٍ يبيع الحلويات , قلتُ في نفسي هذا شهرُ رمضان المبارك, ولعلَّ له حرمة عند هذا الشرطيّ فلأتوسطَ عنده في سبيل هذا الرجل, سلَّمتُ عليه وهو يدفع العربة قرب ساحة الميدان, وقلتُ له: هذا شهرُ رمضان شهرُ الرحمة, دعِ الرجلَ لحال سبيله!! فلم يردّ, قلت له بالعامية :(بروح أبوك) فردَّ مغضباً بالنَّص :(زرب.... على روح ابوي)!! فقلتُ بصوتٍ خافت:امين!! وتركته ومضيت.
واليوم ليس غريباً أن يُتوفى بعض الناس في سجون النجف تحت التعذيب كما نُشاهد في الصورة, وهذه الثقوب التي في اليد من جرَّاء التعذيب بالكهرباء فلقد رأيتُ مثلها بالضبط في قدمي أبي رحمه الله قبل ستةٍ وثلاثين عاماً لما عذَّبوه في مديرية الأمن صباح يوم السبت 5-2-1983 وقد توفي أبي تحت التعذيب بالأمس كما توفي هذا الشخص تحت التعذيب اليوم. .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat